أطروحات خليجية حول إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الجمعة08 ديسمبر2006
د. أسعد عبد الرحمن
كانت ندوة "وجهات نظر" حول السياسة الإيرانية وتداعيات الملف النووي الإيراني ممتعة للغاية؛ كونها لم تقع ضحية الرأي الواحد، فأتاحت فرصة التمتع بالآراء المختلفة من جهة، وجمعت مفكرين وكتاباً وباحثين، هم على الأغلب أصدقاء قدامى نالوا من المتعة التي أتاحها اللقاء من جهة ثانية. وفي الندوة، طرح كتاب خليجيون وغير خليجيين -عملياً- سؤالين مهمين؛ أولهما: هل يعني توسع القوة الإيرانية مزيداً من اعتماد الدول العربية، وبخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، على الولايات المتحدة الأميركية للدفاع عن النفس؟ وثانيهما: أي هيمنة "نقبل"، الأميركية أم الإيرانية؟ ورغم الاختلاف حول بعض الآراء والمواقف، فإنه لاشك أن جانباً مهماً مما طرحه الأشقاء العرب من "داخل" مجلس التعاون الخليجي له ما يبرره بحق. وأحد هؤلاء الكتاب يرى أن الأمر في الأساس يتعلق بالخسائر الاقتصادية التي ستتكبدها المنطقة جراء حدوث تسرب إشعاعي من المفاعلات النووية الإيرانية: "إذ يظل هذا وحده أمراً وارداً، سواء كان البرنامج النووي الإيراني سلمياً أم حربياً". بل ويزيد ذلك الكاتب بالقول: "الخطر يبقى محتملاً كنتيجة لأخطاء فنية أو أعمال إرهابية داخلية أو عمليات عسكرية خارجية، أو بفعل زلزال مدمر، والجميع يعلم أن مفاعل بوشهر النووي مثلاً يقع على خط زلزال نشط". إذن لم تساعد الجغرافيا إيران كثيراً في هذا المجال. فهي دولة تتعرض فعلاً، بحكم موقعها الجغرافي، للعديد من الزلازل والهزات الأرضية المدمرة. وفي مثل هذه الحالة، يضيف كاتبنا: عندها -لا سمح الله- يمكن للتسرب النووي أن يكون مدمراً إلى أبعد حد، خاصة أن روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي السابق، هي التي تقوم ببناء المنشآت النووية الإيرانية، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان دائماً كارثة "تشرنوبل" الشهيرة، والتي ما زالت أوكرانيا تعاني من آثارها حتى هذا الحين. كما أن أي كارثة مشابهة تقع في إيران من شأنها أن تكون طامة كبرى، ليس على إيران وحدها بل أيضاً على دول مجلس التعاون الخليجي. هذا هو المحور الأول في نظرة الإخوة الكتاب الخليجيين.
أما المحور الثاني فيقوم على قاعدة أن "من يده في النار ليس كمن يده في الماء"، حيث يقول كاتب خليجي آخر: "الخليجيون واعون للخطر الإيراني وبسياسات طهران وطموحاتها في المنطقة... وهم متوجسون ومتحفزون لإيجاد مخارج للأزمة مع إيران، تجنب العرب وإيران على حد سواء كوارث محتملة. أما العرب المشرقيون فقد ألهتهم مشاكلهم المحلية عن رؤية المشهد كاملاً، أو أنهم غير مهتمين أصلاً بالخطر الإيراني، وبعضهم أغشاه عداء إسرائيل التاريخي عن رؤية أية أخطار أخرى، خصوصاً أن إيران تسوق نفسها كعدو لإسرائيل". كذلك يعبّر الكتاب الخليجيون عن مخاوفهم من أنشطة إيران النووية، استناداً إلى طبيعة النظام الإيراني. فبالإضافة إلى تصريحات الغرب ومنظماته بأن إيران دولة غير قادرة على "التصرف كعضو مسؤول في المجموعة الدولية"، جاء انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد ليهيج الارتياب والقلق العربيين والخليجيين. ولذلك يرى كاتب خليجي ثالث أن الخليج فيما سبق كان تحت "هيمنة عراقية وتهميش لإيران، والآن انقلبت المعادلة". ثم تطرق الكاتب إلى مسألة خطيرة جداً في رأيه، وأيضاً في رأي عدد كبير من الخليجيين، وهي مسألة "ولاء شيعة الخليج لدولهم". ويقول الكاتب إنه من غير المستغرب ذلك الموقف الخليجي من أنشطة إيران النووية، بل الاعتقاد هو أن "فوهة السلاح القادم ستوجه نحو العواصم والمدن الخليجية دون غيرها، فالسلاح النووي إن وجد، لن يكون تهديداً لإسرائيل أو الولايات المتحدة، رغم الخطاب السياسي الإيراني المناكف لإسرائيل". والخليجيون -فيما قدم من أطروحات وأفكار وتوصيفات- متأكدون من أن الاعتبارات التي تحكم الاستراتيجية الإيرانية، ترتبط أساساً بمصالح طهران ووضعها في الخليج العربي، وليس بـ"عدائها" لإسرائيل، وأنها الآن تبدي حساسية كبيرة لما يجري في دول الجوار، خاصة في العراق منذ الغزو الأميركي.
الملف النووي الإيراني إذن له صلة بطبيعة التجاذبات بين إيران وحلفائها من جهة، والولايات المتحدة وحلفائها من جهة ثانية؛ سواء في العراق أو في لبنان أو في فلسطين أو حتى في منطقة الخليج عامة، وليس من العدل المنهجي فصل أي من هذه القضايا عن الأخرى. وفي هذا السياق، يطرح كاتب خليجي آخر رأياً مختلفاً قوامه أن "النظام العربي مصاب بمرض هشاشة العظام، فضلاً عن أن دول الخليج تخلت عن دورها الأمني في المنطقة لمصلحة الولايات المتحدة الأميركية"، وبذلك يكون "الملف النووي الإيراني مسألة معقدة ذات عدة مسارات مرتبطة بكل قضايا المنطقة التي تعتبر إيران جزءاً منها بل وتسعى للعب دور فيها". وهذا بالضبط ما ألمح إليه أحد الكتاب، مع عدم تجاهل كون إيران دولة تواقة إلى لعب دور إقليمي عبر امتلاك التكنولوجيا النووية من جهة، وعبر تحالفاتها خارج حدودها السياسية من جهة أخرى. والحال كذلك، فإن التصريحات التي أدلى بها أحد المسؤولين الخليجيين ضمن مقال له نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، لم تكن مستغربة، خاصة حين أكد أن بلاده ستتدخل في العراق باستخدام الأموال أو الأسلحة أو قوتها النفطية، للحيلولة دون قيام الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران بقتل المسلمين السُّنة في العراق، إذا ما بدأت القوات الأميركية الانسحاب من هناك، مضيفاً: "صحيح أن تدخلنا الضخم في العراق سيحمل مخاطر كثيرة حيث يمكنه إثارة حرب إقليمية، ولكن ليكن الأمر كذلك، فعواقب عدم التدخل أسوأ بكثير".
وفي هذا النطاق، نسجل أن من حق الإخوة الخليجيين التخوف من إيران، خاصة مع إدراك الجميع أن اليد الإيرانية هي اليد العليا في العراق الآن. فمنذ تدهور الأوضاع في العراق جراء الغزو الأميركي في عام 2003، تحول هذا البلد العربي، كما يقول أحد الكتاب العرب، إلى "منطلق لتمدد نفوذ الثورة الإسلامية الإيرانية، بعد أن راهنت دول مجلس التعاون على العراق لعقود طويلة كدرع قوي يقف في وجهها ويدرأ الخطر الإيراني عنها"، وهذا الكاتب نفسه يختلف مع عدد من الزملاء الباحثين من "داخل" دول مجلس التعاون بتأكيده على "أن البديل لا يكون بالانخراط في الاستراتيجية الأميركية لضمان الأمن الوطني والقومي العربي والخليجي"، بل العكس هو الصحيح، كما يرى ذلك الكاتب، "باعتبار أن هذا الانخراط هو المصدر الرئيس اليوم للمخاطر التي يمكن أن تهدد المنطقة بأكملها. والتجربة العراقية مثال على ذلك".