جريدة الجرائد

ملاحظة لقمة الرياض: أفق التنازل الأميركي.. والغطرسة الإيرانية..!

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

أمير طاهري

في قمتهم الحالية السنوية بالرياض، لا يمكن لقادة دول مجلس التعاون الخليجي أن لا يتوقفوا عند ملاحظة حقيقة واحدة والتأكيد معها على حاجة محددة.

الحقيقة التي سيلاحظونها هي أن ميزان القوى الإقليمي، كما جرت صياغته على مدى عقود، قد اختل ونتج عن ذلك ما يطلق عليه المؤرخون اختلال "توازن النظام". فمنذ أواخر عقد السبعينات ظل الوضع الراهن يتهدده الخطر من ثلاثة مصادر: الثورة الخمينية في إيران والطموح الأميركي لكسب الحرب الباردة والسيطرة على أوضاع ما بعد الحرب الباردة، وأخيرا الجماعات السلفية المسلحة التي تحاول السيطرة على الأجندة في أجزاء من المنطقة.

التحدي الأميركي للوضع الراهن عقب هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001 تمثل في إطاحة نظام طالبان في كابل والنظام البعثي في بغداد، فضلا عن مجموعة أحداث أخرى من ضمنها طرد سورية من لبنان وتهميش العقيد معمر القذافي، والتعبير عن التطلعات للآمال الديمقراطية في المنطقة، بما في ذلك الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

التغيرات التي أحدثتها الخطوة الأميركية سمحت الآن لإيران باتخاذ خطوة من جانبها. وكما قال الرئيس الفرنسي جاك شيراك في قمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) الشهر الماضي، فإن إيران الآن تعمل بنشاط في كل من أفغانستان والعراق.

ولعله ليس من المصادفة أن يزداد نشاط الجماعات الأفغانية المسلحة المعارضة لنظام الرئيس حميد كرزاي في المحافظات المجاورة لإيران بدلا من تلك المجاورة لباكستان. كما ليس من باب المصادفة أيضا أن تقنع طهران عددا من زعماء الحرب البشتون الذين تدعمهم إيران، مثل قلب الدين حكمتيار، بتوحيد الجهود مع ألد أعدائهم، بمن في ذلك الملا عمر، بغرض التوصل الى استراتيجية مشتركة ضد كرزاي.

دور إيران في العراق أصبح واضحا أيضا الآن. إذ لجأت طهران بعد أن فقدت السيطرة على قوات بدر، التي آثرت في ما يبدو أن تصبح وطنية بدلا من العمالة لإيران، الى استقطاب مقتدى الصدر كعميل جديد لها. وتكمن المفارقة في أن الصدر بدأ بطرح نفسه في دور عدو عربي للفرس، واعدا بمكافحة النفوذ الإيراني في بلاد ما بين النهرين. التحول السريع في موقف الصدر منح إيران فرصة حقيقية لإلحاق أضرار بالعراق من دون أن تخسر كثيرا.

نجحت إيران أيضا في حمل الرئيس السوري بشار الأسد على التخلي عن السياسات التي صيغت خلال فترة والده الراحل على مدى ثلاثة عقود. آخر خطوات ايران كانت في لبنان، حيث يحاول "حزب الله" تنظيم عصيان ضد حكومة فؤاد السنيورة المنتخبة ديمقراطيا.

حتى إذا اختلفنا مع النظام الحالي في طهران، كما افعل أنا، فلا يجب أن يقرأ الحديث أعلاه كونه انتقادا لإيران. فالجمهورية الإسلامية تتصرف، شأنها شأن أي قوة انتهازية أخرى تبحث عن فراغ وتحاول ملأه. وتحت ظروف مشابهة كان بوسع نظام الشاه السابق السعي لتحقيق نفس الأهداف، مع اختلاف الوسائل.

الشرق الأوسط الكبير اليوم هو المنطقة الوحيدة في العالم التي تفتقر الى بنى الاستقرار الحقيقية. إذ أن بقية المناطق توجد بها مجموعة من الترتيبات الأمنية والتحالفات الاقتصادية. إلا أن منطقة الشرق الأوسط، التي تنتشر فيها الدول الصغيرة والضعيفة والجديدة في غالبية الأحيان، تغلي من التوتر. كل أعداء العالم الحديث ـ من القوميين المتطرفين الى الأصوليين الدينيين موجودون في هذه المنطقة، وسط تنافس طائفي طاحن، وآمال محبطة، ومواقف وتصرفات اجتماعية وثقافية بالية.

وقبل أربعة أعوام جاءت الولايات المتحدة إلى المنطقة مع زعم يقول إنها تنوي المساعدة على تشكيل توازن في القوى ما بين مصالحها في تحقيق أمنها القومي، وبين طموحات أعمق في تحقيق إصلاح وتقدم للمنطقة.

وكان طموح الرئيس جورج بوش في تحويل الولايات المتحدة من ضامن لحالة "الأمر الواقع" إلى قوة ثورية تسعى إلى تغيير راديكالي للمنطقة.

وانطلاقا من الوضع الذي نشهده حاليا والذي كشف أن الولايات المتحدة لا تشارك رئيسها في هذا الطموح، وأنها ستبحث عن طريقة أنيقة لانتزاع المسؤولية من بوش بما يخص المنطقة. مع ذلك فإنه في السياسة يمكن للأمور أن تتغير بين عشية وضحاها. إذ لعل الأغلبية الديمقراطية ستكتشف قريبا أن اللعب في القضايا السياسية المتعلقة بالعراق للفوز بالانتخابات شيء، وتدمير مصداقية الولايات المتحدة باعتبارها قوة مسئولة هو شيء آخر. وقد يبدأ الجمهور الأميركي خلال الأشهر المقبلة بفهم نتائج الهروب من العراق.

فأول تأثير مباشر سيكون لقرار من هذا النوع هو إعطاء دفع للموقع الإيراني ، باعتبار أن إيران هي القوة الوحيدة القادرة على مساعدة المنطقة في تحقيق كيانات جديدة من الاستقرار. وسيعطي التخلي الأميركي آمالا جديدة للجماعات السلفية المسلحة التي تمت هزيمتها في الجزائر ومصر ومنطقة الخليج.

كذلك سيكون تنحي الولايات المتحدة عن موقعها في الشرق الأوسط نتيجة أخرى: هي إقصاء امكانية تحقق "المساومة الكبرى" والتي تتم وفقها الهيمنة على الشرق الأوسط من قبل سيادة مشتركة أميركية ـ إيرانية تفرض على الشرق الأوسط. وإذا هرب الأميركيون الآن فلماذا ستقبل إيران بالتنازل عن 50 في المائة من أي شيء؟ سيكون الاتفاق المشابه لاتفاق يالطا، والذي كان الرئيس السابق بيل كلينتون آملا في تحقيقه مع طهران، ممكنا على الأقل من الناحية النظرية في حالة بقاء الأميركيين ضمن ساحة اللعب. وحتى الآن يبدو أنهم يأملون فقط بالانسحاب من طاولة اللعب فقط.

كذلك فإن تحليل احمدي نجاد لبوش باعتباره زعيما أميركيا "ضالا" وغير سوي بدأ يأخذ مصداقية أكثر. مع ذلك، وحتى لو كان خلفاء بوش هشين مثلما يأمل احمدي نجاد، فإنه ومن باب الحذر، بوسع دول الخليج التفكير في امكانية تنحي الولايات المتحدة عن دورها في المنطقة.

ومن خلال مراقبتهم للوضع سيكون على قادة دول مجلس التعاون الخليجي أن يعتبروا الحاجة التي ستنجم عن ذلك التخلي الأميركي: الحاجة إلى كيانات جديدة وذات وزن للاستقرار. وإذا كانت الولايات المتحدة غير قادرة على توفير كيانات كهذه، فمن سيكون قادرا غيرها؟

الحقيقة هي أنه على الرغم من أن الرئيس الإيراني احمدي نجاد شديد الغرور، فإن النظام الإيراني في حالة عدم استقرار ومتداع مع تناقضاته الداخلية التي تلقي ظلالا على مستقبله. وبصيغة أخرى، تفتقر إيران إلى القوة الاقتصادية والنفوذ السياسي والقوة العسكرية والخبرة المتراكمة المطلوبة للعمل، باعتبارها قوة المنطقة العظمى. وكل ما تمتلكه هو قوة الإنكار وقوة سلبية يمكن استخدامها من أجل تخريب عمل الآخرين.

مع ذلك، فإنها تفتقد للقوة الإيجابية التي بدونها لن يكون ممكنا بناء أي زخم بنّاء. فبدلا من أن تصبح قوة فعالة لتحقيق الاستقرار في المنطقة، يمكن لإيران أن تتطور كي تصبح دوامة جديدة لأزمة أكبر بكثير في المنطقة.

ولأن لها موقعها الاستراتيجي، وحقيقة أنها تمتلك ثلثي مصادر النفط والغاز في العالم، فإن منطقة الشرق الأوسط الأكبر تصبح ذات أهمية حيوية للعالم كله. لهذا السبب فإن كل طرف له مصلحة مباشرة في تحقيق استقرار الشرق الأوسط. وأولئك الذين يرغبون بمغادرة الأميركيين أو أولئك الذين يظنون أن إيران لا تمتلك الأموال الكافية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، عليهم أن يطرحوا البدائل. ومن هنا، فسيترك التنازل الأميركي إذا حدث، مع الضعف الإيراني إن تم كشفه، فراغا يمكن أن يدفع المنطقة صوب العنف وعدم الاستقرار والحروب، لأنه ومثلما هو الحال مع الطبيعة، فإن السياسة أيضا لا تحب الفراغ.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف