جريدة الجرائد

رسالة مبارك الى بري: هذا مخطط سوريا لتخريب لبنان

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


فارس خشّان

في العادة لا يلحّ سوى "الأبرياء من الصدق" على الناس من أجل ان يصدقوهم.
في الآونة الأخيرة، إثنان قالا صدّقوني: فاروق الشرع وإميل لحود.
المشكلة في هذه الدعوة الملحّة أنها لا تتوجه الى عامة الناس، بل بالدرجة الاولى الى المؤيدين.
أول من أمس طلب نائب الرئيس السوري شهادة صدق من المرآة. كان يخاطب مؤتمر أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية التي يتزعمها "حزب البعث" السوري الذي يغطي حكم عائلة الأسد لسوريا. قال لهؤلاء: "صدقوني نحن لا نتدخل في لبنان".
قبل الشرع، كان رجل بشار الاسد في الرئاسة اللبنانية يعتمد الإلحاح نفسه. لم يلتق وفداً من التابعين اللبنانيين للجبهة التقدمية السورية إلا وقال له: "صدقوني". هذه "الصدقوني" ترجمها الى الفرنسية والى الانكليزية في لقاءاته الإعلامية. طالب أن "صدقوني" وهو يقول انه يحترم الدستور اللبناني، وهو يؤكد انه لا يريد شيئاً لنفسه، وهو يجزم بأن اللبنانيين مددوا له طوعاً ورغماً عن إرادته، وهو يكرر أنه أول من طالب بلجنة تحقيق دولية بقيام المحكمة ذات الطابع الدولي، وهو يقسم على الكتب السماوية أن العلاقات اللبنانية ـ السورية منذ استلمها رستم غزالي كانت نموذجية، وهو يصرخ بأن القرارات التي يتخذها إنما تنبع من ضميره ولا علاقة لها مطلقا بالنظام السوري.
انتساب الشرع ولحود الى "مجموعة صدقوني" طبيعي، فهما "على دين الملك". فبشار الأسد لا يكف عن إبلاغ المجتمع الدولي أن نظامه بريء من دماء "المرحوم" رفيق الحريري، وأنه لا يتدخل في الشؤون اللبنانية الداخلية، وأن لا صلة له مطلقا بزعزعة الاستقرار في لبنان.

حقيقة سوريا ورسالة مبارك

ولكن من يصدق؟

على المستوى اللحودي ليس ثمة حاجة للإثبات. أما على المستوى السوري، فلا بأس من التوقف عند آخر الأدلة التي تؤكد أن الاستجابة لهذه "الصدقوني" مستحيلة.
الرئيس المصري حسني مبارك يقف في طليعة من لا يصدقون. هو أكثر من اختبر القيادة السورية، وأدرك كيف أنها لا تلتزم بتعهد، وكيف لا تكف عن نسف المساعي الخيرة لوقف حمام الدم في فلسطين، وكيف تدخلت لتوليد حرب تموز التي دمّرت لبنان. حاليا يبدو الرئيس مبارك أدرى من غيره بأن دمشق أنجزت خطة متكاملة لزعزعة الاستقرار في لبنان. لديه معلومات خطرة وموثوق بها. لم يتجاهل الرئيس مبارك معلوماته بل أرسلها، أقلّه، الى القادة اللبنانيين، ووثّقها في رسالة أصبحت بمتناول رئيس مجلس النواب نبيه بري، ليضعه أمام مسؤولياته التاريخية.
والى جانب اقتناعات جمهورية مصر العربية تقف المملكة العربية السعودية التي سعت بجهد من أجل حماية النظام السوري في لحظته الحرجة، لتفاجأ في المقابل بأن هذا النظام، ما إن يشتد وتده، حتى يعود فيستل خنجر الطعن بالظهر.
ولا تقف المسألة عند الدول العربية التي تتقاسم مع المجتمع الدولي النظرة نفسها، بل إن هذا الاقتناع يجتاح العارفين في لبنان.

حقائق في متناول اللبنانيين

هؤلاء العارفون يبرزون الترابط بين ما يصدر في دمشق وما يعود ويتردد في بيروت. بشار الأسد يقول إن قوى 14 آذار هي منتج اسرائيلي، فلا تعود حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حكومة المقاومة السياسية، بل تصبح حكومة السفير الاميركي. الأسد يقول إن لا داعي للعجلة في تشكيل المحكمة الدولية، فيتم الاعتراض في بيروت على العجلة. الاسد يدعو الى استثمار الانتصار على اسرائيل سياسياً، فيرتفع سهم المطالبة بالثلث المعطل في لبنان. الاسد يطالب بالتخلص من "الأدوات العاجزة التي يتوسلها الغرب الأحمق"، فتفرش ساحة رياض الصلح بالخيم التي يبدو أنّ بعضها مخصص "لغير الناس" بدليل حظر التصوير.

فضيحة "فتح الاسلام"

مسألة التدخل الفاضح في الشأن اللبناني لا تقتصر على البعد السياسي بل تتجاوزها الى البعد الأمني. محققو مخابرات الجيش اللبناني باتوا يدركون ان ما سمي "فتح الاسلام" الذي ظهر فجأة في مخيمي نهر البارد والبداوي الفلسطينيين، ليس سوى جزء من منظومة المخابرات السورية. تبيّن ان هؤلاء هم الذين استعملهم النظام السوري للمساهمة في زعزعة الاستقرار في العراق، من خلال تكليفهم القيام بعمليات هدفها إذكاء الصراع الغرائزي العنفي بين السنة والشيعة هناك. كانوا يخطفون ويغتالون ويرسلون السيارات المفخخة. إنتهت مهمتهم في العراق، فأرسلوا في مهمة عاجلة الى لبنان، ولكن جرى فضح أمرهم بسرعة، فالسلفيون الفلسطينيون يعرفونهم جيدا، والفلسطينيون الذين يتصارعون مع النظام السوري يدركون صلتهم بالمخابرات السورية. الموقوفان اللذان سُلما الى مخابرات الجيش على إثر اشتباك مسلح اودى بقتيلين، تبين أنهما من أسفل الهرم.

في مخيمات وجود "فتح الاسلام" بات معلوما ان المخابرات السورية كلفت هذا التنظيم اغتيال 36 شخصية لبنانية. في مخابرات الجيش اللبناني بات معلوما ان من مهمات "فتح الاسلام" تنفيذ عمليات ضد قوات الـ"يونيفيل" في الجنوب. والحبل المعلوماتي على جرار جدية التحقيق، وفي انتظار فك شيفرة "كنز المعلومات".
"صدقوني" السورية لا صلة لها بالواقع اللبناني. إنها تتماثل مع تلك التي كانت تتصل بالواقع العراقي حيث ثبت بالوجه القاطع للقيادة العراقية، وفق مستشار الأمن الوطني موفق الربيعي، ان "أمير أمراء في تنظيم أنصار السنة مقيم في سوريا حالياً ويوجه الأعمال الارهابية ضد ابناء شعبنا في العراق".

سوريا و8 آذار

ولأن المسألة بهذا الوضوح وبهذه الخطورة، فإن "صدقوني" التي تحاول أن تقنع اللبنانيين والمجتمع الدولي بأن نزول قوى 8 آذار الى الشارع مرتبطة حصرا بطلب المشاركة في السلطة لضمان عدم انحراف القرار اللبناني لمصلحة المشروع الأميركي، لا تستقيم أبدا على اعتبار ان الجميع مقتنع ان تخريب لبنان مرتبط حصرا بقرار سوري ـ ايراني مشترك بهدف تخفيف الضغوط الدولية عنهما لإثبات ان عدم الاعتراف بالاثمان الباهظة لدور المحور الايراني ـ السوري نتيجته تعميم الفوضى في الشرق الأوسط.
وبهذا المعنى، فإن كل المبررات التي يطلقها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله بصفته قائد عملية "أسر الحكومة" لا صلة لها بالوقائع الواضحة، فهو في الوقت الذي يثور على الصلة بين قوى 14 آذار والادارة الاميركية، تجده مرتاحا لصلة رئيس "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق" عبد العزيز الحكيم ـ وهو في المفهوم العقائدي والإيراني والتنظيمي النظير العراقي لنصر الله اللبناني ـ بالادارة الاميركية التي دعاها، يوم الاثنين الأخير خلال لقائه بالرئيس جورج بوش، الى عدم سحب جيشها من العراق.

الحل الجزئي لم يعد يجدي

ولأن "الحلال والحرام" متصل حصرا بمصلحة المحور السوري ـ الإيراني، فإن المقاومة التي تبديها الحكومة وقوى الرابع عشر من آذار لمطالب المندمجين بمصلحة هذا المحور تبدو في موقعها الصحيح.
وإذا كان كل ما سبق يوضح ان لبنان يتعرض حاليا لغزوة تخريبية حقيقية، فإنه من البديهي التفكير الجدي بالخروج من الأزمة الراهنة بحل متكامل ودائم لا يترك للتخريبيين مجالا لمص دماء العافية اللبنانية.
وفي هذا الاطار، وبعد كل ما حصل، فإن الحلول الجزئية سواء كانت لمصلحة فريق 14 آذار ام لمصلحة فريق 8 آذار، ستكون في مصلحة ما يطمح اليه المحور الايراني ـ السوري لأن الثقة التي فقدها لبنان بفعل عملية "الوعد الصادق" قد تكرس فقدانها بسبب عملية "الثلث المعطل"، مما يعني أن لبنان دخل عمليا، وبغض النظر عن نتائج الأزمة الحالية، في مرحلة انحدارية خطرة للغاية، حيث غياب الثقة بالاستقرار المستدام يفقد البلاد جاذبية الاستثمار مما يحرمها القدرة على تكبير النمو الاقتصادي وتوفير فرص العمل لمن فقدوها أخيرا أو لمن يطلبونها أصلا أو لمن يفترض ان يطلبوها مستقبلا. أضف الى ذلك، فإن لبنان، مع غياب الحل الجذري، سيعود مجددا محطة انتظار لسمة دخول ولفرصة عمل في الخارج ولتنظيم هجرة عائلية.

وبهذا المعنى لا قيمة لعودة الوزراء المستقيلين، ولا تأثير لإمكان تعيين بدلاء منهم، ولا ايجابية لابقاء أكثرية الثلثين في عهدة الأكثرية، ولا تغيير يرتجى من التسليم بالثلث المعطل.
لا قيمة لكل ذلك، لأن اللبناني أو المعني بلبنان سيتعاطى مع بلد أثبت بالوجه القاطع ان فيه قوى مؤثرة لديها القدرة على اختيار اللحظة التي تناسبها للتخريب، ولديها ما يكفي من الملفات التي تستحق من وجهة نظرها القفز فوق الحرص على الاستقرار، وتالياً فإن شيئا لا يضمن أنّ من يتنازل اليوم لن يعود الى مشروعه ووسائله في الغد.

جوهرية طرح الكنيسة المارونية

ولأن الثقة هي أهم ثروات الأوطان، فإن استعادتها مستحيلة بلا حل متكامل.
وهنا تحديدا تكمن جوهرية المشروع المتكامل الذي طرحته الكنيسة المارونية، أول من أمس. مشروع يستحق عناء التضحية لدى القوى التي ترفع شعار "لبنان أولاً".
ذلك أن الكنيسة المارونية حسمت إشكالية رئاسة الجمهورية، وهي محورية في الأزمة الحالية على اعتبار ان قوة القوى التخريبية لا تنبع من قدرتها الشعبية إنما من إمساكها بأميل لحود المتمحور.
في المشهد اللبناني الراهن وحدها معضلة إميل لحود أضحت الخاصرة الرخوة التي يمكن من خلالها الولوج السليم الى الحل المتكامل، لأن هذه المعضلة لم تعد لها حصانات طائفية ذات انعكاسات تفجيرية في بنية النظام اللبناني، خلافا للمعضلات الأخرى.

لحود وفقدان الحصانة

وبهذا المعنى، فإن رئاسة الحكومة لها غطاء طائفي واق، بحيث ان المؤسسة الدينية السنية تقف الى جانبها والى جانب تصوراتها للواقع الحكومي. ورئاسة مجلس النواب كذلك، بحيث ان المؤسسة الدينية الشيعية تقف بكل ما تملك من قدرات الى جانبها والى جانب تصوراتها. وحدها رئاسة الجمهورية لم تعد محصنة ـ وهذه المرة ليس تلميحا بل تصريحا ـ بالرضى الطائفي للمؤسسة المارونية الدينية، لا بل ان هذه المؤسسة تجد في بقاء لحود مشكلة لها ولدورها الوطني وتدعو الى حل يقوم على تبكير الانتخابات الرئاسية للمجيء ببديل يتساوى في حصانته مع رئيسي مجلسي النواب والوزراء.
هنا ليس مهما ما هو موقف الطوائف الأخرى من لحود، فقيادة 8 آذار ـ وركنها الاساس وشبه الوحيد "حزب الله" الشيعي ـ توسلت الغياب الشيعي الطوعي عن الحكومة لشن حرب عليها، مما يعني وفي إطار المعاملة بالمثل وجوب التفاعل إيجابا عند سحب الغطاء الماروني عن لحود لإعلان فقدانه شرعية الاستمرار بعدما تأكد فقدانه مشروعية هذا الاستمرار.

لحود أوّلاً

ولا يمكن لأي فئة تريد التعاطي إيجاباً مع طرح الكنيسة المارونية ان تلتف عليها بالتلاعب على المراحل من خلال الإدعاء بأن الحل يبدأ بحكومة وفاق ـ التعبير له دلالاته لأن الوفاق ليس مجرد تنظيم للخلاف في حكومة تجمع كل الأطراف بل هو وفاق على المشروع المطلوب تنفيذه قبل الأحجام المطلوب توزيرها ـ ومن ثم "بانتخابات نيابية مبكرة" ينبثق منها رئيس الجمهورية الجديد.
واقعيا، تبدأ مبادرة الكنيسة المارونية من "الخاصرة الرخوة"، فالدعوة الى تغيير لحود اقترنت بالدعوة الى التوافق على البديل، مما يعني ان التسليم الفرضي بعدم التمثيل الشعبي الدقيق لموازين القوى المسيحية في المجلس الحالي يكون باستبدال منطق الأكثرية والاقلية بالاتفاق بين السياسيين المسيحيين بداية وبين سائر السياسيين لاحقا. والدعوة الى الاتفاق هنا، تعود حصرا الى ان هذا الاستعجال التي تبديه المبادرة لتغيير لحود لا ينتظر تغييرا حكوميا يفترض الوفاق، ولا تعديلا لقانون الانتخاب يفترض روتينا يمكن ان يغطي المرحلة المتبقية للحود في الرئاسة، ولا انتخابات مبكرة تتطلب روتينيا أيضا الفترة نفسها.

ولأن تغيير لحود يسمح بوضع المعادلات الداخلية على سكة النقاش الدستوري الطبيعي ويبعدها عن مصالح المحاور الخارجية التخريبية، فإن الحوار للتوافق على رزمة الحلول يصبح ممكنا، وخصوصا في ما يتصل بحصر السلاح بيد الدولة.
وحينها، يمكن الاعتقاد بأن الجهد لاستعادة الثقة المفقودة يعطي نتائجه المرجوة، لأن التعاطي مع لبنان، والحالة كذلك، سيكون تعاطيا مع دولة قادرة على تحريك آلياتها الدستورية لحل كل مشاكلها، مهما كانت صعبة، فتقوى الدولة على الطوائف المكونة لها، وتقوى الشرعية على كل الدويلات التي تنخر في عظامها، وتنتصر المصلحة اللبنانية على كل المصالح الإقليمية مهما تبدلت الأهواء الدولية.
ومتى سلكت مبادرة إعادة تأسيس السلطة في لبنان، تتوحد فعلا كل الساحات بعد فتحها على مصراعيها.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف