طموحات عون الرئاسية... الأبعاد والتناقضات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت09 ديسمبر2006
توني باردن ـ لوس انجليس تايمز
إذا كنت من المحظوظين في هذا العالم الذين لا تشكل لهم سياسات الشرق الأوسط هاجساً، فإن الدهشة ستنتابك إذا ما عرفت أن المتحدث الرئيسي في المظاهرة الضخمة التي قام بها "حزب الله" في بيروت الأسبوع الماضي لم يكن مسلماً شيعياً وإنما كان مسيحياً مارونياً. هذا المتحدث الرئيس هو الجنرال ميشل عون الذي طردته سوريا إلى المنفى عام 1990 ولكنه تحول تحولاً غريباً وأصبح صديقاً لسوريا ولحلفائها داخل لبنان منذ عودته من المنفى العام الماضي.
وهدف" عون" الأساسي هو أن يصل إلى منصب رئيس جمهورية لبنان -وهو منصب يجب أن تشغله حسب الدستور والتقاليد اللبنانية شخصية مسيحية- وذلك من خلال تكوين تحالف مع "حزب الله"، كخطوة لتكوين تحالف أكبر يمكن أن يساعده في الحصول على منصب الرئيس.
ونظراً لأن الفترة المتبقية على انتهاء ولاية إميل لحود الرئيس اللبناني المدعوم سورياً ليست طويلة، فإن "عون" أحس بأن الوقت يمضي سريعاً وأنه قد لا يتمكن من الحصول على هذا المنصب حتى مع تأييد "حزب الله" له، ورأى أن قلب الحكومة الحالية قد يُدخل تغييراً تاماً على التوازنات السياسية الداخلية في البلاد وهو ما قد يكون في مصلحته في النهاية.
وطموحات عون الرئاسية مبالغ فيها، ولكن سعيه إلى الحصول على المنصب كان بمثابة هدية لـ"حزب الله" اللبناني حيث سمح لهذا الحزب المتطرف بأن يغطي محاولته الحالية للقيام بانقلاب طائفي ضد حكومة واحدة من الديمقراطيات العربية القليلة برداء تظهر من خلاله تلك المحاولة وكأنها جزء من حركة وطنية عريضة.
ومن المعروف أن لبنان يتكون من طوائف كبيرة من الشيعة والسُّنة والدروز والمسيحيين بالإضافة إلى عشرات من المجموعات الصغيرة، وأن إيجاد إجماع وطني فيه يتطلب تكوين تحالفات من خارج الطائفة، التي ينتمي إليها أي سياسي يرغب في تكوين مثل هذا الإجماع وهي النقطة التي يشتغل عليها الجنرال عون.
اختيار "عون" الشيعة كي يشكل تحالفاً معهم يفيده في محاولته الرئاسية، كما أن علاقاته الودية مع سوريا تهدف في الأساس إلى تامين القبول السوري لتلك المحاولة. والسؤال هنا: هل من الممكن أن يقوم النظام الذي أطاح بـ"عون" وأرسله إلى المنفى عام 1990 بالموافقة على تولي نفس الرجل لمنصب رئيس الجمهورية في لبنان الآن؟
حليف "عون" الجديد وهو الوزير "سليمان فرنجية" الحليف القديم لسوريا والمنتمي لنفس الطائفة المسيحية المارونية التي ينتمي إليها عون، يعتقد أن ذلك ممكن. ليس هذا فحسب بل إن "فرنجية" يتخيل إمكانية تكوين تحالف بين الموارنة والشيعة والعلويين الذين يحكمون سوريا.
بيد أن الملاحظ أن حسابات "عون" قد فشلت في إدراك بعض حقائق المنطقة الخطيرة. فسوريا مسرورة للغاية لأن تراه يهاجم الحكومة المناوئة لسوريا، وهو نفس شعور إيران كذلك التي تنبأ مرشدها الأعلى مؤخراً بهزيمة حلفاء الولايات المتحدة في لبنان. وهكذا يمكن القول إن عون -سواء كان ذلك بمعرفته أو بدون معرفته- يقوم بخدمة هؤلاء السادة الخارجين من دون مقابل.
هناك قاعدة أساسية في السياسات اللبنانية، وهي أن رئيس البلاد يجب أن يكون مقبولاً داخل طائفته ومقبولاً من الشعب اللبناني بأسره، وهو ما لا ينطبق على "عون". فالرجل قد خرق قاعدة غير مكتوبة مهمة للطائفة المسيحية المارونية وهي عدم التدخل في أي حال من الأحوال في أي صراع بين الشيعة والسُّنة، لأن ذلك يعرض وجودها لخطر جسيم. هذا هو موقف طائفته منه، أما موقف باقي الشعب اللبناني فإن ترشحه للرئاسة غير مقبول بالنسبة للقيادات السُّنية والدرزية، علاوة على أن موقف تلك القيادات منه قد ازداد تفاقماً بعد موقفه الغامض بشأن تشكيل محكمة دولية للتحقيق في اغتيال الحريري، وهو ما يمثل أهمية قصوى لتلك القيادات وكذلك لفرنسا وللولايات المتحدة.
الأهم من ذلك كله أنه ليس من الواضح مع إذا كان "حزب الله" نفسه وحركة "أمل" الشيعية سيقومان بتأييده إذا ما رشح نفسه رئيساً أم لا. فعلى الرغم من أن الحركتين كانتا راضيتين تماماً باستخدام "عون" كمخلب قط لضرب تحالف الأغلبية، فإنه لم يصدر عنهم إي إعلان بأنهم سيدعمون الرجل في محاولته لترشيح نفسه كرئيس.
على الرغم من أن كل تلك المعطيات تدل على أن محاولة الرجل للوصول إلى سدة الرئاسة تبدو أمراً مبالغاً فيه، فإنها -في حد ذاتها- تكشف الكثير عما يدور في لبنان، وتبين أن ما يدور حالياً في الشارع اللبناني -على الرغم من الحشود الهادرة- لا يعبر عن رأي الأغلبية لهذا الشعب.
ومعنى ذلك أيضاً أن "ميشيل عون" هو الأخير في سلسلة المتحدين للقوانين اللبنانية غير المكتوبة، وأنه سيفشل مثله في ذلك مثل من سبقوه.. ولكن السؤال هو ما مقدار الضرر الذي تسبب فيه الرجل وهو يقوم بذلك؟
زميل أبحاث في "مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات"