نقد لأداء السيد نصرالله... في خطابه
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جهاد الزين
لم يكن السيد حسن نصرالله مُقنِعاً مساء يوم الخميس المنصرم. أعني بالضبط ان درجة انفعاله، ومضمون عدد من المواقف التي اتخذها، وخصوصا طريقة الكلام عن رئيس الحكومة، أعطتني الانطباع اكثر من اي وقت آخر ان امين عام "حزب الله" أصبح - من حيث الأداء - أسير دور لم يعد بامكانه الخروج منه، او ان لديه مشكلة في الخروج منه.
ولكي أكون نزيهاً في استعادة انطباعاتي، علي أن أقول انني لاحظت انسجانه في الدور منذ الدقائق الاولى، قبل حتى ان اسمع المواقف اللاحقة.
ما هي هذه "القضية" التي تستحق كل هذا الانفعال الذاتي؟ هل يعقل ان يحمل الحديث عن خلاف على تركيبة الحكومة، حتى لو كان خلافا مهما بمنطق النظام الطائفي على توازن السلطة نفسها؟ بل حتى لو كان خلافا - غير معلن بنسبة او بأخرى - على موقع الدولة اللبنانية في المنطقة... أعني هنا موقعها من الدول العربية والمسلمة حصرا.
ما هي هذه "القضية" التي تعالج كما بدا على لسان السيد نصرالله وكأنها هي نفسها الصراع مع اسرائيل... وهذا يدخلني الى مضمون التحاجج... مما يعني مصارحة الامين العام بأن إقحام اسرائيل بهذه الطريقة كان مبالغا فيه إن لم يكن نقلا لموضوع هو خارج البحث الى داخله لمجرد الضغط.
الا ان ما يهمني اكثر هنا ان الخطاب يفترض قدسية لموضوع السلاح ضد اسرائيل أصبحنا، ليس بغنى عنها - اي القدسية - بل بغنى عن السلاح نفسه. وهذه نقطة خلاف مع "حزب الله" قديمة - اي منذ العام 2000 كما يعرف - يبدو ان زعيم الحزب ما زال يفترض انها غير خاضعة للمناقشة: ومرة اخرى: نقاوم لماذا؟ اذا لم يعد هناك موضوع للمقاومة العسكرية مع اسرائيل (في لبنان طبعا وليس في فلسطين وسوريا).
من الظلم، أياً تكن الاختلافات، اختصار دور رئيس الحكومة اللبنانية بما ظهر عليه في الخطاب. كان فؤاد السنيورة من موقع الاختلاف السياسي عن "حزب الله" طبعا يعبّر خلال الحرب عن قواسم مشتركة وطنية، "حزب الله" نفسه كان يخبر الجمهور اللبناني عنها على خط التواصل مع رئيس المجلس النيابي، والتي كانت ذروتها النقاط السبع الشهيرة التي تحولت الى سقف لحماية القواسم المشتركة اللبنانية كلها. اما مسألة مصادرة السلاح، فقد فوجئت بتقديمها بطريقة خارج سياقها يومها. لقد كان حق الجيش بالمصادرة - في الخطاب المعلن لـ"حزب الله" ورئيس الحكومة معا يومها اواخر فترة الحرب وما بعدها - جزءا من مصداقية الموقف اللبناني ضد العدوان الاسرائيلي لكي يُرغم العدو الاسرائيلي على وقف اطلاق النار. وهو هدف كان "حزب الله"، عمليا، يسعى اليه قبل الآخرين من باب التضامن مع مأساة الشعب اللبناني، بكل فئاته، سواء المتضررة مباشرة او غير مباشرة.
نعم صادر الجيش اللبناني حوالى الستين صاروخا جنوب الليطاني حتى الايام الاولى لما بعد وقف النار وصدور الـ1701. كان ذلك سياسيا برضى "حزب الله" كما برضى الاطراف الاخرى لتعزيز فكرة ان الجيش قادر على القيام بدور فاعل في الجنوب بدل ان تتولاها "اليونيفيل 2". كان هذا هو السياق الفعلي لا العكس.
كل هذا... من باب الاداء - وهو مقلق - والتحاجج - وهو غير منصف - لكن ما هو الاكثر إقلاقا في خطاب الامين العام شكلا ومضمونا هو وقعه خارج الجمهور الشيعي للحزب وحلفائه.
سأضع جانبا هنا رأيي ان تمسك الحزب بـ"السلاح" بهذه الطريقة قد ساهم في إضعاف "بيضته الذهبية" في السياسة الداخلية اللبنانية وهي تيار العماد ميشال عون، التيار الماروني - المسيحي الآتي من "طائفة الكيان" الاصلية ليتحالف مع احد الاحزاب القليلة التي لا تزال مستنفرة ايديولوجيا في العالم وليس في لبنان فقط، وهي جزء - بالنهاية - من مد اصولي اسلامي سني وشيعي بادئ في نهاية السبعينات مرورا بالثمانينات والتسعينات ويتحول هذا المد الآن في جيله الثاني - بارادته حينا وبدون ارادته احيانا - الى اطار للمرحلة الجديدة من الصراع: الصراع السني - الشيعي. وهذا ايضا حديث آخر سابق مسرحه يمتد الى افغانستان وباكستان ويضم احزابا متعادية من "حزب الله" الى "طالبان" مرورا....
انا اصدق السيد حسن نصرالله انه في وعيه للامور لا يريد الحرب الاهلية. ولكن التصعيد السياسي، خصوصا مع انتقال الحزب - بدون مقدمات في خطابه - الى قلب الصراع الداخلي، يمكن ان يدخله في دوامة الحرب الاهلية. فالذي يقرر في حالة الاحزاب الطائفية - اي التي تمثل طوائف - مثل "حزب الله" و"الحزب التقدمي الاشتراكي" (و"حزب الكتائب" في السبعينات على الاقل كحزب رئيسي للموارنة) و"تيار المستقبل" في ما آل اليه داخل النظام الطائفي اللبناني منذ انتخابات بيروت 2000... الذي يقرر هو طبيعة بنية الحزب... لا خطابه، تماما اذا جاز لي التشبيه، مثل "المرأة" في نظرة بعض مدارس الفقه الاسلامي المتعصبة اليها. هذه "المدرسة" تعتبر المرأة كلها عورة... وليس اجزاء منها كالشعر او الوجه او غيره: "الحزب الطائفي" كله عورة في مراحل التوترات الطائفية... لا علاقة لذلك بنوايا المسؤولين عنه. فكيف اذا كان الخطاب داخل الموضوع الطائفي او المذهبي (ازمة النظام؟).
إعادة نظر بالأداء... مطلوبة يا سيد... - وأرجو هنا ألا أتهم منك أو من أخصامك بالتبسيط - ربما عبر الأداء يمكن أن ينفتح باب المضمون. لأن الأداء حربي... ومُرتَدٍ لدور.
اما موضوع الازمة الحكومية... فيمكن لها نفسها ان تكون طبيعية جدا في اطار مختلف.
واريد ان انتهي - دون افاضة - عند ملاحظة واحدة:
تصور سماحة السيد لو ان قوات المقاومة (الفييتكونغ) في فييتنام لا تزال تقاوم بعد تحرير (وتوحيد) بلدها من الاحتلال العسكري الاميركي في النصف الاول من سبعينات القرن الماضي. تصور لو ما زالت تقاوم (ماذا؟) الجيش الاميركي بعد انتصارها عليه... حتى اليوم. اي بعد اكثر من ثلاثين عاما.
معركة فييتنام الآن للتذكير هي معركة التقدم التنموي - الاقتصادي بعد ان اصبحت في الثمانينات احدى الدول الاكثر تخلفا تنمويا بين دول جنوب شرق آسيا.
مقاومتنا الآن كلبنانيين، و"حزب الله" في الطليعة، هي المقاومة السلمية الثقافية السياسية الاقتصادية لدعم الشعب الفلسطيني في الداخل ودعم سوريا لتحرير الجولان. وهذا يعني ايضا أن لا حاجة للسلاح الفلسطيني على ارضنا، وانما في الضفة والقطاع والقدس الشرقية "فقط"!
التعليقات
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف