قمة جابر: إحياء الفكر الوحدوي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الإثنين11 ديسمبر2006
عائشة المري
خمسة وعشرون عاماً على ولادة مجلس التعاون الخليجي، خمسة وعشرون عاماً من الإنجازات والإخفاقات. طموحات شعبية بلغت عنان السماء، يوم كانت "خليجنا واحد وشعبنا واحد" محركاً لاستمرارية المجلس شعبياً. مر المجلس خلالها بموجات من المتغيرات الإقليمية والدولية والحروب. بدأ خطواته الأولى على وقع الحرب العراقية- الإيرانية، وبقي مع احتلال إحدى دوله، واستمرت دوله الست تصارع التغييرات في ميزان القوى المحلي، فخرج فاعلون رئيسيون ودخل فاعلون آخرون. أصبح العراق تحت شكل جديد من الوصاية الدولية وقسمت على أساس خطوط العرض في سابقة دولية لم تحدث إلا في العراق، وعبر بوابة العقوبات الدولية والحصار استمر عقد التسعينيات والعراق يضمحل دوره كفاعل رئيسي في ميزان القوة الإقليمي بينما يتنامى الدور الإيراني، لتصبح الجمهورية الإسلامية الإيرانية أقوى الفاعلين الرئيسيين بعد أن اتبعت سياسة واقعية فعظمت مكاسبها من الحروب العراقية وقلصت خسائرها. ترافق كل ذلك مع اتباع سياسة خارجية ألغت من مفرداتها البعد الثوري الإيديولوجي، من مفردات تصدير الثورة ومعاداة النظم الخليجية الحاكمة، لتخرج الجارة الشمالية بسياسة واقعية تستند على المصالح والتحالفات، فغدت إيران على بوابة القرن الحادي والعشرين اللاعب الأوحد في منطقة الخليج، بذخيرة عسكرية ودبلوماسية، وقبل كل ذلك نووية.
على الضفة الأخرى من الخليج، بقي مجلس التعاون ككيان وحدوي مفترض، وكأول تجربة عربية يكتب لها الاستمرار والبقاء، فعد البقاء إنجازاً يحسب للمجلس. في المقابل فقد المجلس الزخم الشعبي الذي ترافق مع بدايات المجلس، وبدت إنجازات المجلس رغم وجودها، غير مرئية على المستوى الشعبي، رغم تجاوز التجربة الخمسة والعشرين عاماً. هذا على المستوى الشعبي، أما على المستوى الرسمي فظل المجلس مؤسسة رسمية تجمع رايتها ستة كيانات سياسية بسياسات خارجية متفاوتة ومتناقضة أحياناً، وعبر السنوات الماضية تمايزت تلك السياسات حتى في أكثر الأمور التصاقاً بأعضاء المجلس، فأصبحت دول مجلس التعاون تمارس سياسات تستند لخيارات فردية لا خيارات جماعية. وتعزز دور الولايات المتحدة الأميركية كفاعل رئيس في منطقة الخليج، فعززت تواجدها العسكري بأساطيل الحماية أثناء الحرب العراقية- الإيرانية بعد أن انطلقت حرب الناقلات والألغام، إضافة إلى قوات الانتشار أو التدخل السريع الأميركية تنامى الوجود الأميركي في قواعد انتشرت على أراضي الدول الخليجية، وكان الاحتلال العراقي للكويت، وما تلاه من تطورات متسارعة بإصدار قرار دولي، وبناء قوات التحالف الدولية بقيادة الولايات المتحدة والتواجد الأميركي، ومن ثم انطلاق العمليات الحربية وصولاً إلى تحرير الكويت، مع عدم إغفال الإشارة إلى مساهمة محدودة لقوات "درع الجزيرة" المشكلة تحت نطاق مجلس التعاون كجزء من بناء هذا التحالف.
لتبدأ مرحلة سياسية جديدة في منطقة الخليج، مرحلة غلبت عليها السياسات الأميركية فأصبح الوجود الأميركي في الخليج صارخاً، وأصبح مستطيل العلاقات في الخليج المكون من إيران ، دول مجلس التعاون، الجمهورية العراقية والولايات المتحدة مثلثاً بعد أن عملت العقوبات الدولية وسياسة الحصار الأميركية البريطانية على إضعاف العراق وصولاً للحرب الأخيرة، فالحرب الأهلية التي تعصف بالعراق اليوم، وفي ذات الوقت خروج دول مهمة أخرى من المعادلة الإقليمية لظروف داخلية، وفي ذات الوقت لم تستطع أي من الدول الإقليمية أن تحل محلها كدول محورية في النظام الإقليمي، وبذلك فقد المثلث فعلياً أحد أضلاعه لتتحول المعادلة الأمنية إلى معادلة قطبية بين قطبين رئيسيين أحدهما فاعل خارجي هو الولايات المتحدة والآخر فاعل إقليمي هو الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولتنحصر التفاعلات بين هذين القطبين من تصعيد وتهدئة وحتى تعاون. معادلة ليس من السهل الإقرار بها خاصة في ظل الأوضاع القائمة من حرب أهلية عراقية، وطموحات نووية في ظل استمرار احتلال تسميه الخارجية الإيرانية "سوء فهم"، ومشاكل داخلية متفاقمة.
غاية السرد التاريخي لأهم تلك المحطات هي الوصول إلى نقطة الانطلاق اليوم، صورة المجلس اليوم عبارة عن كيانات سياسية بعلاقات متضاربة إن لم نقل متنافرة بين أعضائه على صعيد الملفات السياسية والاقتصادية، اتفاقيات أمنية مستقلة، المجلس اليوم ككيان وحدوي أكثر هشاشة منه في أي مرحلة ماضية. ولا ننسى أن المادة الرابعة من النظام الأساسي لمجلس التعاون لدول الخليج تنص على أن أحد أهداف المجلس يتمثل في "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها". حتى المخاوف الأمنية التي بني المجلس وتأسس على نبضها لم تعد دافعاً لبقاء المجلس بعد أن وجدت دوله صيغاً أمنية للحماية مع الولايات المتحدة، فغدت الولايات المتحدة معولاً لهدم الأسس التي تلتف فيها دول المجلس تحت رايته، فما المنتظر من مجلس التعاون في دورته السابعة والعشرين؟
ولادة جديدة للمجلس هي فقط الطريق الوحيد لبقاء المجلس كمؤسسة وحدوية. خمسة وعشرون عاماً من الإخفاقات بغض النظر عن النجاحات التي يزايد عليها الإعلام. النجاحات لا تقاس بمدة البقاء لكن بالإنجازات، وفي عالم اليوم، تلاشى التأثير الفعلي لمجلس التعاون الخليجي في الملفات السياسية والأمنية فغاب عن المعادلة الأمنية في الخليج، وانحصر دوره في ردود أفعال باردة في ملف من أخطر الملفات التي واجهته وهو الملف النووي الإيراني بأبعاده الأمنية والسياسية وأخطرها البيئية، ملف سيؤثر على مستقبل أجيال في الخليج. وبدلاً من التحدث عن المصالح الخليجية رضخت الدول الخليجية للخطاب العربي المطالب بوضع الصورة العربية إجمالاً في البيان الختامي العام الماضي بالحديث عن مبادرة نزع الأسلحة النووية من الشرق الوسط بما يشمل إسرائيل، بعد أن كانت المداولات تتحدث عن صيغة خليجية جزئية.
مجلس التعاون اليوم بحاجة لعقد اجتماعي جديد، بحاجة لتفعيل أهدافه المنسية، بحاجة لضم الجمهورية اليمنية إلى عضويته وبشكل كامل، وفق صياغة جديدة لأهدافه، اقتصادية كانت أم سياسية أم أمنية، صياغة تضع بعين الاعتبار المتغيرات الإقليمية والتطورات السياسية، صياغة واقعية لما هو كائن فعلاً لا ما لن يكون. هل تستطيع الدول الخليجية اليوم أن تتخلى عن سيادة هي مخترقة بالفعل بفعل اتفاقيات أمنية وغيرها، من أجل كيان اتحادي كونفيدرالي أو فيدرالي أو أي صيغة اتحادية مدعومة شعبياً، إحياء الفكر الوحدوي هو الخيار الوحيد المتاح أمام الدول الخليجية، فماذا تريد دول مجلس التعاون من المجلس؟ هذا هو السؤال الأدعى للطرح.