ليس هذا نصرالله!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
جميل الذيابي
لم يكن الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصرالله موفّقاً في آخر ظهور له، مخاطباً مؤيديه في ساحتي رياض الصلح والشهداء (وسط بيروت). لم تكن تلك هي شخصية نصرالله، ذلك الرجل الوقور الرصين القادر على قراءة الأحداث بعيداً عن الانفعال، بل بدأ خطابه متوتراً متشنجاً متجاوزاً حدود اللياقة والكياسة، حتى وصل ذروة الانفعال لا الإبهار.
كان السيد نصرالله انفعالياً، ويبدو انه فقد تحقيق أهداف كان يطمح إلى بلوغها لمصالح إقليمية، في مقابل حكومة "سنيورية" عنيدة متماسكة، قادرة على القول وتفنيد مزاعم شارع لبناني يجمع الشاردة والواردة ويهتف بهما.
لو تمعّنّا في "حزب الله" أو أمينه العام، وما يقوم به الحزب في الشارع اللبناني من مناورات سياسية وقرارات "أحادية"، لأدركنا أن هذا هو ما يؤكد مقولة "حزب الله... حكومة وسط حكومة".
بات "حزب الله" يتحرك وفق مصالح إقليمية، خلفها أياد "ليست خفية"، تتقاطع مصالحها وأهدافها مع أجندة الحزب السياسية والعقائدية، والخاسر في النهاية هو لبنان كدولة، ودول المنطقة، خصوصاً بعد ان جعلت قوى إقليمية من الحزب ولبنان كبش فداء، وساحة للوغى والمعركة.
لا نختلف مع القائلين إن السيد حسن نصرالله وجه سياسي ونضالي، يتمتع بمكانة عند اللبنانيين والعرب، إلا أن مواقفه الأخيرة أسقطت غصن الزيتون، وسقط هو بنفسه في فخ من حيث لا يدري. ربما يهدف "حزب الله" من وراء تلك الاعتصامات، ليس إلى إقصاء الحكومة، بقدر ما يريد صرف أنظار العالم عن ممارسات وأفعال بعض دول المنطقة ذات الشعارات الثورية والنووية.
بغضّ النظر عن تلك المواقف التي اتخذها هذا الحزب، إلا أن ما يقوم به سماحة السيد بعد "النصر الإلهي"، الذي جعله يقرر من دون غيره، ويسحب البساط والإرادة والإدارة من رغبات حكومة بلاده، ليجعلها تعيش "أزمة الانتصار المزعوم"، كما فعلت تلك الانتصارات الوهمية من ذي قبل بصدام حسين، من دون مراعاة لمصالح وأمن البلاد واستقرارها.
على نصرالله ان يتأمل بواقعية صادقة بعيدة عن العاطفة الانفعالية خطورة الموقف المتأزم الراهن! ويتذكّر، ماذا حققت حرب الثلاثة والثلاثين يوماً لبلاده جراء خطف جنديين إسرائيليين؟ ألم يكن القتلى بالمئات والجرحى بالآلاف؟ ألم يلحق التدمير بالقرى والبنية التحتية، ويشل حركة التجارة والسياحة والاستثمار؟
لقد أثقل السيد نصرالله كاهل الشعب اللبناني، فما ان انتهى من معركة خارجية ضد إسرائيل حتى نقل تلك المعركة إلى الأزقة والشوارع اللبنانية. وبات لبنان على بعد خطوة من حرب أهلية، شارك نصرالله في تأجيجها جراء ما يخطط له وينادي به، ومن خلفه ميشال عون وسليمان فرنجية.
إن ما يسميه هذا الثالوث "مطالبات ديموقراطية سلمية"، هو الشرارة الأولى لإشعال نار الفتنة والفرقة، وتعميق الاختلافات الطائفية بين اللبنانيين، اضافة إلى قلب الحكومة، وإفساد اتفاقية الطائف، وإسقاط المحكمة الدولية.
لا شك في ان المحرّكات الإقليمية الحليفة لـ "حزب الله" تنذر بشؤم يتبعه شؤم، وبانفجار جديد في المنطقة، والمتضرر هو لبنان، والخاسر هو شعبه!
"حزب الله" لم يساعد بلاده لتبقى دولة كما تريد، بل كبّلها وأثقلها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً ودينياً، وجعل منها "دمية" تُحرَّك وفق مصالح وأهداف إقليمية، عبر الخروج عن الإرادة اللبنانية.
ميشال عون يدَّعي الديموقراطية والوطنية، وهو الذي يرمي نفسه من حضن إلى حضن، وكل ذلك على حساب الشعب اللبناني وأمنه وسلامته!
عون الذي أخرجته سورية من لبنان، وظل صوتاً ضد الوجود السوري في بلاده، وأمضى في المنفى نحو 14 عاماً، عاد ليصفّي حساباته السياسية على حساب الجسد اللبناني المثخن بالجراح.
شئنا أم أبينا، لبنان مهدد بحرب أهلية تعود به إلى سنة 1975، بعد ان استشرت الشعارات الطائفية وزادت وتيرة الاحتقان والغضب، وغصّت الساحات بالمعتصمين والمتظاهرين.
أخيراً، رسالة الى الشعب اللبناني من محب: "الحياة مليئة بالحجارة فلا تتعثر بها، بل اجمعها وابنِ بها سُلّماً تصعد به نحو النجاح"، فالاعتصامات والمظاهرات والشعارات ليست دائماً بوابة نجاح، ولو كانت أداة تعبير، وإنما النجاح يُبنى على التوافق والاتفاق ونبذ الاختلافات، من أجل بناء وطن... لا هدمه برؤية من خارج حدوده لمصالح تزيد الفرقة والشقاق.