جريدة الجرائد

تركيا والاتحاد الأوروبي.. العضوية في مصلحة الطرفين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء12 ديسمبر2006

يجال شلايفر

كطرفين في لعبة من ألعاب التحدي الخطيرة، تقف تركيا في مواجهة متوترة مع الاتحاد الأوروبي بينما تقترب نهاية الأسبوع الذي حدده الاتحاد لها، كي تقوم بفتح موانئها أمام السفن القبرصية أو تواجه العواقب التي ستترتب على رفضها لذلك. وفي محاولة من محاولات اللحظة الأخيرة، حاولت تركيا يوم الثلاثاء الماضي أن تفتح ميناء ومطار بصفة مؤقتة، بيد أن الاتحاد اعتبر هذا التنازل غير كافٍ. ومن المرجح أن يتخذ قادة الاتحاد قراراً في القمة التي سيعقدونها نهاية الأسبوع الحالي بتعليق المباحثات المتعلقة بعضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي بشكل جزئي.
وفي الوقت الذي بدأ فيه وزراء خارجية دول الاتحاد اجتماعاتهم لمناقشة الموضوع، فإن بعض المراقبين، وخصوصاً في أوروبا ينظرون إلى الموقف التركي على أنه نوع من العناد الذي سيضر بها في الوقت ذاته، الذي يرى فيه مراقبون آخرون أن هذا الموقف ناتج عن زيادة ثقة تركيا في نفسها، بسبب تحسن أدائها الاقتصادي، وزيادة إدراكها لأهميتها الاستراتيجية، وهو ما قد يخفف من تأثير أي صدع في العلاقة يحدث بينها وبين دول الاتحاد.
يعلق "كمال كيريسجي" مدير "معهد الدراسات الأوروبية" في جامعة "بوجازيجي" في اسطنبول على ذلك بقوله: "لأول مرة في حياتي المهنية، أرى تركيا وهي تتصرف بهدوء كامل وبثقة في النفس... هناك عنصر ثقة بدأ ينتشر في كافة جوانب الاقتصاد التركي وجزء من سياستها الخارجية، وهو شيء صحي سواء لتركيا أو للاتحاد الأوروبي".
يمكن القول إن تركيا لم تكن في أي وقت من الأوقات أقرب للاقتصاد الأوروبي أكثر مما هي عليه الآن. وكدليل على ذلك يكفي أن نعرف أن بعض أكثر ماركات السيارات الأوروبية شهرة مثل" بوش" و"فيات" ورينو" يتم تصنيعها الآن في تركيا، علاوة على أن تركيا أصبحت أكبر مصدر لأجهزة التلفزيون لأوروبا في الوقت الراهن.
ولكن اهتمام الاتحاد الأوروبي بتركيا يتجاوز السوق، ويمتد إلى موقعها الإستراتيجي بين قارتي أوروبا وآسيا. ويمكن لتركيا بفضل هذا الموقع أن تعمل كوسيط لنقل البضائع المهمة لأوروبا بدءا من نفط آسيا الوسطى وغازها الطبيعي، كما يمكنها أيضاً أن تمارس نفوذاً سياسياً في الشرق الأوسط ، كما يمكن لسكانها الذين يشكل الشباب غالبيتهم أن يساهموا في زيادة إنتاجية أوروبا ذات المجتمعات الماضية التي تمضي بشكل مطرد نحو الشيخوخة.
وتشير الإحصائيات إلى أن الاقتصاد التركي الذي كان يعاني من أزمة منذ سنوات قليلة، قد نما بنسبة 7 في المئة سنوياً خلال السنوات الثلاث الماضية، علاوة على أن نسبة التضخم بها التي كانت قد تعدت الثلاثة أرقام تم تقليصها حالياً إلى نسبة يمكن إدارتها(10 في المئة سنوياً).
وهذه المؤشرات وغيرها تشير إلى أن تركيا لو انضمت للاتحاد الأوروبي في الوقت الراهن فإن اقتصادها سيحتل المرتبة السادسة بين اقتصاديات دول الاتحاد الست والعشرين.
وهذه المعطيات كانت سبباً في اجتذاب أعداد كبيرة من المستثمرين الأوروبيين إلى تركيا على الرغم من التوتر الحالي في العلاقة بينها وبين الاتحاد.
يعلق "فيليكس هوالد" مدير "الدائرة الأوروبية في المنتدى الاقتصادي العالمي"، التي تتخذ من جنيف مقراً لها على ذلك بقوله: "إن قادة الأعمال في أوروبا ينظرون إلى السوق التركي على أنه سوق نام وواعد ويحتوي على العديد من الفرص".
وقد أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي في الآونة الأخيرة تقريراً رأى فيه" أنه على الرغم من أن الكثيرين ينظرون إلى تركيا على أنها تمثل مصدراً للخطر على أوروبا، فإن العكس تماماً هو الصحيح، إذ أن الواقع هو أنها قد تلعب دورا كمصدر رئيسي من مصادر تخفيف الأخطار التي تهدد القارة".
وفي رد فعل على ما يتردد من احتمال تجميد المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا جزئياً، وما قد يترتب على ذلك من قيام تركيا بالتخلي عن تلك المفاوضات، أدلى رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بتصريح قال فيه إن" أوروبا تقترف خطأ فادحاً إذا ما قامت بذلك وستكون هي الخاسرة وليس تركيا".
ولكن أردوغان أكد مع ذلك أن تركيا ستمضي قدماً من أجل تحقيق هدفها الخاص بالانضمام للاتحاد، على الرغم من أنها توجد لديها خطط أخرى في حالة رفض تلك العضوية. ولم يحدد "أردوغان" نوعية تلك الخطط، بيد أن المراقبين في تركيا يعتقدون أنه ليس بمقدور أنقرة التخلي عن اشتباكها مع أوروبا بصرف النظر عن الوضع المزعزع للعلاقات بينهما في الوقت الراهن.
ولكن "بحر روميلي" الخبير في العلاقات التركية- الأوروبية في جامعة "كوج" في اسطنبول يرى أن تلك العلاقات مهمة لبروكسل مثلما هي مهمة لأنقرة ويوضح ذلك من خلال قوله:" إن العلاقة الصحية بين الاتحاد الأوروبي وتركيا تعزز صورة الاتحاد ككيان لديه الاستعداد لاستيعاب الآخرين، وكفاعل دولي قادر على الدفع باتجاه التغيير والإصلاح". ويؤكد "روميلي "أيضاً على أن" هناك إدراكا متزايدا داخل الاتحاد لحقيقة أن إقصاء تركيا سيمثل خطأ جسيماً من حيث أنه سيلحق ضرراً بالغاً بصورة الاتحاد الأوروبي كفاعل دولي".
على الرغم من هذا الرأي وغيره، فإن تأثير الرأي العام، والنفعية السياسية، قد تلعب دوراً في عرقلة انضمام تركيا لأوروبا، خصوصاً وأن بعض القادة الأوروبيين يستغلون ذلك لاتخاذ مواقف يظهرون بها سعادتهم بإقصاء تركيا، فنيكولاس ساركوزي المرشح لرئاسة الجمهورية الفرنسية على سبيل المثال، بدأ حملته الانتخابية بتصريح قال فيه":إن مكان تركيا ليس في الاتحاد الأوروبي".. والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركيل" أوضحت بجلاء رغبتها في حرمان تركيا من العضوية الكاملة.
وعلى ضوء ذلك يرى بعض المراقبين أن الدخول في فترة تهدئة بين تركيا والاتحاد الأوروبي سيكون أمراً إيجابيا، خصوصا وأن الرأي العام في بعض الدول الأوروبية يتبنى موقفاً معارضاً بشدة لعضوية تركيا في الاتحاد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف