جريدة الجرائد

لبنان: مشكلة نظافة تهدد بأزمة بيئية وهوية الخيم تتوزع بين أحزاب لاتمثيل لها

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تحضيرات الشتاء بدأت لمواصلة الاعتصام في وسط بيروت


بيروت -سناء الجاك


بدأ التجمع الاعتصامي لأطراف المعارضة اللبنانية في ساحات وسط بيروت يرتدي حلة الشتاء. المنظمون باشروا ترتيب التجهيزات المتعلقة بالتدفئة والمياه الساخنة ووضع "النايلون" فوق الخيم والخشب على الارض وحفر مسارب للمياه. فالظاهر ان فترة الاعتصام المفتوح ستطول. ومواقف السيارات، التي تقدم نصيبها من النضال على حساب تجهيزاتها ورزق اصحابها والعاملين فيها من دون مقابل، تواصل استضافة المعتصمين في غياب اي حل للأزمة اللبنانية المستفحلة. ولا يملك المسؤول الاعلامي وعضو الهيئة التنظيمية في "حزب الله" غسان درويش جوابا عن التوقعات المرتقبة. ويكتفي بالقول: "اخذنا قرارنا وسنبقى حتى يركع (رئيس الحكومة) فؤاد السنيورة او حتى يفوضه الاميركيون بالقيام بدور أكثر فاعلية. فهم يعتبرونه محافظا لديهم. لكنهم لا يفوضونه بدور فاعل".

ويضيف: "اصبح لدينا أكثر من 1200 خيمة. والعدد الى ارتفاع. فالراغبون في الاعتصام يتوافدون ونحن نرحب بهم". وينفي "ان يكون الحزب قد تولى مسؤولية تأمين الطعام والاحتياجات لجميع المعتصمين"، مؤكدا "ان كل فئة مشاركة تتولى امورها. مع ان الحزب يحاول دائما تأمين الطعام بكميات كبيرة بحيث يمكن للبعض اذا احتاج ان يحصل على مراده". الا ان مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي في الاعتصام، فراس فرنسيس، قال: "منذ خمسة أيام يتولى حزب الله تأمين الطعام للمعتصمين".

لكن الجولات الميدانية المتكررة التي قامت بها "الشرق الاوسط" في ساحات الاعتصام وفي أوقات مختلفة تظهر ان الخيم فارغة من المعتصمين في معظم الاوقات. والغالبية محصورة بالشباب الشيعة الذين ينتشرون تحت شعارات متنوعة واعلام متعددة واحزاب او تجمعات لا قوة تمثيلية واقعية لها على الساحة السياسية. فـ"الرابطة الوطنية اللبنانية" تحتل اربع خيم في ساحة رياض الصلح. وترفع صور نجل رئيس الجمهورية اللبنانية النائب السابق اميل اميل لحود. اما المعتصمون الاربعة على باب احداها فهم ربيع عواضة وعلي فقيه وابن عمه علي فقيه وعباس عبد الله.

اسماؤهم لا غموض في دلالتها الطائفية. الخيم هي تقدمة من لحود الابن والطعام من "حزب الله". اما سبب اعتصامهم كما يقول عواضة: " الرغبة بالوصول الى وضع وطني أفضل. وذلك عبر حكومة انتقالية تضع قانون انتخابات وتمنح اللبنانيين حقوقهم". وبالطبع لا يعرف الشباب ان الحكومة الانتقالية هي شكل من اشكال التقسيم في البلد. يكتفون بما قاله الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصر الله في هذا الاطار. الطلاب الاربعة لا يجدون جوابا عن آلية وضع قانون الانتخابات او تغيير الحكومة او الاستشارات الملزمة التي تخضع رئيس الجمهورية لرأي الاكثرية النيابية المتمثلة بفريق "14 آذار". يقول علي فقيه: "لدينا ثقة بالسيد حسن". اذاً ما علاقتكم بـ"الرابطة الوطنية اللبنانية؟" لا يملك الشباب جوابا.

خيمة اخرى تسترعي الانتباه. على بابها صورة النائب العلوي السابق علي عيد ومرشح سابق للبرلمان اسمه كمال الخير. هذه الخيمة تضم فاعليات "الحزب العربي الديمقراطي". يصر رئيس مكتب الشباب والطلاب ربيع مصطفى على ان هذا الحزب يجمع تحت رايته جميع الطوائف. وهو لا يحلم من خلال التغيير بالحصول على مصلحة مباشرة. لكنه يوافق على مطالب المعارضة. ويضيف ان "حزب الله" يؤمن للشباب الطعام والماء و"نحن لا ندفع شيئا. كل ما نحتاجه متوفر".

"الحزب الديمقراطي الشعبي" ينضم ايضا الى لائحة المعتصمين، نافضا الغبار عن سيرته اليسارية المتطرفة التي عرفها لبنان في الخمسينات من القرن الماضي. له خيمتان كبيرتان وخيمة صغيرة وطاولة لبيع الاوشحة الحمراء وصور تشي غيفارا وكارل ماركس ولينين. شباب هذا الحزب يحصلون على الطعام من "حزب الله". اما بقية المصاريف، لا سيما التي يستدعيها تمييز حضورهم عن بقية المعتصمين، فتمويلها من كشك البيع الخاص بهم.

ولا بأس بخيمة تحمل اسم المعتقل في فرنسا بتهمة الارهاب جورج عبد الله. لا يهم كثيرا من في داخلها. ولا يهم اذا كانت فارغة من الرواد. كذلك غيرها، حيث تنتشر صور الرئيس عمر كرامي ورئيس حزب "التضامن" اميل رحمة و"حركة الشعب" التي يرأسها النائب السابق نجاح واكيم والنائب السابق زاهر الخطيب وحزب "الشغيلة" و"تجمع النقابات". عبارات تتراوح بين "الاشتراكية" و"الوطنية" و"العربية" و"الاسلامية"، وذلك في صيغ تختلف فيها الاولويات لتشير الى مؤسسات حزبية قد لا تضم الا مؤسسها واقرباءه. لتبقى الخيم على خوائها سواء في الليل او في النهار.

يبرر درويش الامر، فيقول: "الناس لديهم وظائفهم والطلاب جامعاتهم. لذا يكون الحضور محدودا في النهار. أما في الليل فهم ينتقلون وفق البرامج المحددة. ويتجمعون في الساحتين الرئيسيتين. ومتوسط نسبة المقيمين في الخيم يراوح بين اربعة وخمسة آلاف شخص كل ليلة".

المسؤول في "التيار الوطني الحر" طوني مخيبر يقول ان عدد المعتصمين ينخفض خلال ايام العمل ليرتفع من الجمعة الى الاحد "فالطلاب والموظفون ينصرفون الى دراستهم واعمالهم. ونحن لا نفرض عليهم الحضور لوقت طويل". وعدد "العونيين"، كما يوضح، هو في حدود الالف شخص.

اما عن كيفية توزيع الخيم على المشاركين فهي واضحة لدى بعض الاحزاب وغامضة لدى غيرها. فتيار "المردة" الذي يرأسه الوزير والنائب السابق سليمان فرنجية يحظى بعشرين خيمة. وينتشر افراد الحزب السوري القومي الاجتماعي في 12 خيمة. بعد ذلك تضيع الارقام. ففي حين يؤكد أحد المسؤولين الحزبيين أن الأكثرية في الحضور هي لـ"حزب الله" بنسبة 75%، لتتوزع القوى الباقية نسبة 25%. يصحح زميل له الرقم بتراتبية قوامها: "حزب الله" ثم "التيار الوطني الحر" ثم حركة "أمل" ثم "تيار المردة" ثم الحزب السوري القومي الاجتماعي، ليكون حضور الاحزاب والقوى الاخرى رمزيا. هنا ايضا تبين الجولات الميدانية ان في التوزيع علة ما. فمعظم الخيم المحسوبة على "التيار الوطني الحر" تضم شبابا من الشيعة. يقول محمد حمادة من الضاحية الجنوبية لبيروت انه يضع وشاح "الاورانج" اي البرتقالي لأن السيد حسن نصر الله طلب اليهم ذلك "لتكريس الوحدة الوطنية". ثم يتابع مع رفاقه لعب الورق وتدخين النارجيلة. ينفي غسان درويش ان يكون اعتماد اللون البرتقالي لشباب من الضاحية الجنوبية او غيرها جاء نتيجة تكليف او طلب من نصر الله. ويقول: "ربما أحب هؤلاء الشباب اعلان تضامنهم مع التيار الوطني الحر. في المقابل نجد شباب التيار يتوشحون باللون الاصفر من المنطلق نفسه". يبرر طوني مخيبر الامر، فيقول: "لدينا ما يقارب 391 خيمة، منها 127 قبالة ساحة الشهداء حيث نتمركز كتيار. صحيح ان شعارنا المتمثل باللون البرتقالي موجود لدى فئة من غير التيار. لكن لا ننسى ان حركتنا السياسية عابرة للمناطق والطوائف. نحن لسنا مثل أي حزب سياسي في الشارع المسيحي. لذا حرصنا على فصل حضورنا عن حاملي اللون البرتقالي من المؤيدين غير المنتمين الينا فعلا".

لكن نسبة كبيرة من حاملي اللون البرتقالي شيعة. واذا كان التيار عابراً للمناطق والطوائف لماذا يستثني العبور السنة والدروز، تحديدا في الاعتصام؟ يجيب مخيبر: "ربما الحضور الطاغي هو للشيعة. لكن، لدينا حضور سني من طرابلس وصيدا وان بنسبة محدودة. اما لدى الدروز فلا حضور لدينا تقريبا".

وفي حين يؤكد درويش أن "التيار الوطني الحر" هو صاحب الغالبية الساحقة لدى المسيحيين كما بين الحشد غير المسبوق في اعتصام الاحد الماضي، يشير بعض أصحاب المتاجر في المناطق المحيطة بساحات الاعتصام ان الامر غير دقيق. كذلك كانت تشير سيارات النقل الصغيرة والكبيرة التي انتشرت في مراكز معينة لتسهيل حركة الوافدين والتي حملت اسماء القرى الجنوبية والبقاعية حيث الاكثرية الشيعية. يقول أحدهم بعد التحفظ عن ذكر اسمه: "اكثرية الذين توافدوا خلال يومي الحشد هم من الشيعة. وذلك بناء على تكليف شرعي. وهناك بعض السوريين الذين يحاولون التحدث بلهجة لبنانية. لكن كشفهم ليس بالامر العسير". ويضيف: "نحن ننتظر الفرج، فقد شلت حركة البيع بشكل كبير، ناهيك عن مشكلة النظافة المعدومة في الاعتصام والتي تنذر بمشكلة بيئية".

والحديث عن الوجود السوري كان بدأ بتكرار اخبار ومعلومات غير مؤكدة عن أن عدد العمال السوريين في معظم المناطق اللبنانية تقلص مع بداية الاعتصام. ولعل غيابهم عن اماكن تواجدهم التقليدية تحت جسر البربير او في منطقة الجناح في ضاحية بيروت الجنوبية او منطقة الدورة (شرق بيروت)، يعطي مؤشرا ما. لكن تبقى حقيقة ان الامر بحاجة الى تأكيدات أوضح وأكثر دقة. مشكلة النظافة في أماكن الاعتصام لا يمكن تجاهلها على رغم محاولة عمال شركة "سوكلين" رفع النفايات بصورة متواصلة. فالمياه الآسنة تسيل بين الساحات وبقايا الطعام وعلب المرطبات الفارغة واشعال النار لفحم النراجيل وما الى ذلك يجعل الرائحة كريهة ويجذب البعوض والذباب بشكل كثيف. يوضح درويش أن اللجنة المنظمة انتبهت الى هذه المشكلة وسوف تلزّم شركة تنظيف خاصة وتنهي مسألة المراحيض والمياه الآسنة، اضافة الى ما تقوم به شركة "سوكلين". أما مخيبر فيشير في هذا الاطار الى ان المنظمين في التيار يحرصون على التوجيه وتوزيع التعليمات المتعلقة بالنظافة "لكن المشكلة في اسلوب الحياة المختلف بين فئة وأخرى من المعتصمين. والضبط في هذه الحالة صعب. مثلا نحن نحاول ان نقنع الشباب باشعال النار في اماكن محددة. لكن لا التزام حتى الآن. وقد طلبنا الى الدفاع المدني القيام برش المبيدات حتى لا تتفاقم المشكلة".

يبقى ان ميزانية الاعتصام ومصادر تمويلها سر من الاسرار. ورغم الدقة التي عرفت عن "حزب الله"، يقول غسان درويش: "لا ارقام دقيقة لدينا حول هذا الموضوع. نتلقى تبرعات من جهات عديدة ونمول ما نحتاجه بعد ذلك". اما طوني مخيبر (التيار الوطني الحر) فيقول: "الميزانية غير ثابتة. احيانا ندفع مبالغ كبيرة. وأحيانا نتلقى تقديمات من مؤيدين للتيار".

وفي غمرة التفاصيل يغيب الشريك الشيعي الآخر المتمثل بحركة "امل" التي يرأسها رئيس مجلس النواب نبيه بري، عن أي دور واضح في تصريحات المسؤولين عن التنظيم، على رغم وجود شباب الحركة في بعض الخيم وان بأعداد محدودة. ويبرز هذا الغياب في النشاطات المسائية التي تدور بين منصتي "حزب الله" و"التيار الوطني الحر".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف