بيكر ـ هاملتون: غداء بأطباق صغيرة.. لكنها سامة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
أمير طاهري
السؤال: هل سيتخلى الرئيس بوش عن استراتيجيته في الشرق الأوسط ويتبنى تقرير بيكر ـ هاملتون؟
يمكن القول إن الفلسفة التي تقف وراء مجموعة دراسة العراق التي أنتجت هذا التقرير لها تاريخ طويل في السياسة الأميركية، ولكنها على الرغم من تكوينها الديمقراطي تتضمن دائما بعض الجوانب المعقدة. فماذا أفضل من الانطلاق مع عدد من رجال الدولة البارزين والمنتمين للحزبين الحاكمين، يقومون باستخراج ما هناك إجماع عليه، في وقت يبدو أنه لا يوجد أي عنصر يحقق هذا الشرط.
فالتقرير لا يعرّف المشكلة التي يفترض أنه يعالجها. بدلا من ذلك يقدم سلسلة من التأكيدات التي غالبا ما تكون ضعيفة بسبب استخدام صيغة المبني للمجهول وعدد لا محدود من أدوات الشرط "إذا" أو "لو" أو
أو "لو" أو "إن"، وكلمة "لكن". وهي تنشر اضطرابا أكبر مع استخدامها للصفات والظروف. يقال لنا إن "الوضع" "خطير" أو في حالة "تدهور"، وإن على أميركا أن "تسحب قواتها بطريقة مسؤولة"، بينما تعمل عن "قرب" مع الحكومة العراقية، فيما لا يشير التقرير إلى حقيقة أن ما يحدث في العراق هو حرب. وهذا ما مكن كتّاب التقرير على تجنب أسئلة أساسية: ما هو هدف هذه الحرب؟ وهل تستحق خوضها من زاوية المصالح الأميركية؟ ومن هو العدو؟ وكيف يمكن تحقيق النصر؟
وبدلا من استخدام كلمة "حرب" استخدم التقرير كلمة "وضع"، وكأن التقرير يتعامل مع خلاف عائلي أو عاطفي. بنفس الطريقة التي يدعو بها المرء مستشارا في القضايا الزوجية أو أم الزوجة للمساعدة على حل المشكلة.
تحتوي الفقرة المتعلقة بـ"الهجوم الدبلوماسي الجديد" على ابتهالات كثيرة حول الوضع مع قائمة طويلة من الأمنيات بضرورة مشاركة أكثر من 100 دولة في العمل من أجل العراق.
وتضمن التقرير طلب المساعدة من الناتو والجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الأوروبي، والدول الجارة للعراق ومجلس الأمن الدولي ناهيك من جميع بلدان الأمم المتحدة.
بصيغة أخرى، يضع آماله في "تحسين الوضع" على بلدان أخرى بما فيها تلك الدول المعادية استراتيجيا لأميركا والعراق والتي قد تساعد أو قد لا تساعد. ما يريده مؤلفو التقرير هو أن تقوم تلك الأطراف التي حصلت على حصة الأسد من الخروف، أن تستمع إلى الترنيمة الأميركية التي تشجع الأطفال على النوم بعد أن خذلت واشنطن أصدقاءها وحلفاءها عن طريق هروبها المبكر. وحتى آنذاك، فإن "الهجوم الدبلوماسي الجديد" يغرق في بحر من الأوهام.
فلاستباق التهم القائلة بمكافأة الخصوم، اقترح المؤلفون وضع مجموعة شروط كي تبدأ المحادثات بين أميركا وبلدين عدوين في المنطقة هما إيران وسورية، بشكل يجعل قبول طهران أو دمشق بالدعوة مستحيلا. فالتقرير يضع سبعة شروط مسبقة لبدء التفاوض مع سورية، أما مع إيران فهناك أربعة شروط. ولا يذكر المؤلفون لمَ يعرض الحكام السوريون والإيرانيون مخاطر الانتحار السياسي عن طريق تقوية النظام المؤيد لأميركا في بغداد، فبطرح إيران باعتبارها طرفا أساسيا مشيرين إلى أن اتصالاتهم "بالحكومة الإيرانية جعلنا على قناعة بأن زعماءها سيقولون على الغالب إنهم غير مستعدين للمشاركة في الجهود الهادفة لتحقيق استقرار العراق". أية مفاجأة هذه! يبدو أن المؤلفين لا يعرفون أن استراتيجية إيران هي إخراج أميركا من الشرق الأوسط وصياغة شكل المنطقة وفق آيديولوجية الخميني.
يقول المثل السويدي "لماذا تكتفي بطبق واحد في حين يمكن الحصول على غداء بكامله".
يبدو أن الذين أعدوا التقرير اختاروا اكبر عشاء يمكن تخيله، إذ أن عدم رضاهم عن التعامل مع "الوضع" في العراق أدى إلى صياغتهم سيلا من التوصيات بحل جميع المشكلات في المنطقة بدءاً من الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني الذي يعود تاريخه إلى مائة عام. النتيجة كانت مجموعة متشابكة من القضايا ارتبط فيها الوضع في العراق مع "أوضاع" أخرى أصبحت غير قابلة للحل.
تضمن التقرير أكثر من ستين توصية بعضها تضمن توصيات فرعية، إلا أن المشكلة تكمن في أن تطبيق غالبيتها يعتمد على أطراف لا تسيطر عليهم أميركا أو يكنون لها الكراهية.
حقيقة أن التوصيات التي تحظى بأهمية في أكثر من جانب جمعت مع بعضها بعضا تشير إما إلى كسل فكري أو موقف سياسي.
يقول التقرير: "من الحيوي للولايات المتحدة تقديم دعم سياسي واقتصادي وعسكري إضافي لأفغانستان". لعل الغرابة هنا تكمن في أن أفغانستان، وليس العراق، هي التي في حاجة إلى دعم إضافي، على الرغم من أن العراق هو موضوع التقرير. الذين اعدوا التقرير لا يشعرون بالارتياح فيما أن "التركيز السياسي والعسكري والاقتصادي الواسع لأميركا على العراق أدى إلى صرف الاهتمام عن أفغانستان".
عندما يتعلق الأمر بدعم العراق، فإن التقرير يتضمن توصيات مثل: "الرئيس وقيادة فريق الأمن القومي العامل معه يجب أن يظلوا على اتصال مستمر مع القيادة العراقية". و"يجب على الرئيس ان يعلن رسميا ان أميركا لا تسعى إلى إقامة قاعدة عسكرية دائمة في العراق".
من الواضح إن كاتبي التقرير، الذين كثيرا ما أشيد بهم على اعتبار أنهم "واقعيون" في مقابلة "المثاليين" الموجودين حول بوش، تبنوا لهجة ثيولوجية للمطالبة بتطبيق كامل وصارم لتوصياتهم الـ67.
كتب مؤلفو التقرير أن توصياتهم "شاملة وأنها في حاجة إلى التطبيق على نحو فيه تنسيق، ويجب ألا تفصل أو يجري تنفيذها بمعزل عن جوانب أخرى". الأمر الأكثر أهمية هو أن تنفيذ توصياتهم يجب أن يبدأ قبل نهاية ديسمبر (كانون الأول) الجاري.
تتضمن قائمة التمنيات، ضمن قضايا أخرى: السلام بين إسرائيل والعرب والتوصل إلى حل بشأن أزمة الطموحات النووية الإيرانية ووضع نهاية للتدخل السوري في لبنان والقضاء على تجارة المخدرات في أفغانستان، وإنهاء 13 قرنا من النزاع بين الشيعة والسنة، ومصادقة العالم أجمع على طموحات أميركا في الشرق الأوسط.
غداء بيكر ـ هاملتون يقدم أطباقا صغيرة لكنها سامة الهدف منها إرضاء أشخاص مثل عضو الكونغرس جاك مورثا. تتضمن هذه الأطباق تأكيدا على أن الالتزام العسكري الاميركي في العراق أدى إلى إضعاف امن الولايات المتحدة في أجزء أخرى من العالم. هناك أيضا اقتراح بأن تحول أميركا مواردها من العراق الى أفغانستان لتركل بذلك تخطيطا استمر على مدى أكثر من ثلاثين عاما لتمكين الولايات المتحدة من خوض حربين في نفس الوقت اين ومتى ما كان ذلك ضروريا.
الطبق السام الأكثر فتكا يتمثل في محاولة ابتزاز الحكومة العراقية. فالتقرير يتضمن تهديدا للحكومة العراقية بالشروع في سحب القوات الاميركية من العراق وتتركه يواجه مصيره إذا فشلت في إنجاز "المصالحة الوطنية". هذا التهديد يمنح الإرهابيين والمتمردين حافزا على منع حدوث مصالحة وطنية.
على الرغم من انه ربما يكون مفيدا في تقليص التوتر في السياسة الداخلية في أميركا، فإن التقرير غير مفيد في أحسن الأحوال وهو خطير فيما يتعلق بالحرب في العراق. يجب ان تقرر واشنطن ما اذا كانت لديها الإرادة لخوض الحرب وكسبها، أو كيفية خروجها من الشرق الأوسط، في حال لم تكن لديها هذه الإرادة.