جريدة الجرائد

الهولوكوست بين الحقيقة والأسطورة

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


منتصر الزيات


أقيم الأسبوع الماضي في العاصمة الايرانية طهران مؤتمر أكاديمي متخصص في موضوع في غاية الحساسية، تحيطه دول أوربية كبيرة بسياج سميك من الحماية، ووصل في بعضها إلي تشريع قوانين عقابية بحق أي إنسان يكتب أو يتحدث بالتشكيك فيه وهو الهولوكوست أو المحرقة الشهيرة التي زعم أن النازيين الألمان أقاموا ضد اليهود في ألمانيا إبان رئاسة أدولف هتلر أثناء الحرب العالمية الثانية.

ويأتي هذا المؤتمر منسجما مع مواقف الرئيس الايراني أحمدي نجاد الذي سبق أن تحدث غير مرة تشكيكا في مزاعم اليهود حول أصول موضوع المحرقة ووصفها بالأسطورة ، وقامت الدنيا عليه مرة أخري حينما انتقد الكيان الصهيوني وأسس قيام دولته وطالب الاوربيين بمنح اليهود أرضا لاقامة دولتهم عليها، ورغم مشاركة أكثر من 600 شخصية أكاديمية في أعمال هذا المؤتمر إلا أن علامة ضعفه عدم إعطائه فرصة لأصحاب الرأي الآخر ولا يغير في الأمر نفي الحكومة الإيرانية ان يكون الغرض من المؤتمر اثبات أو إنكار حدوث الهولوكوست، بل إتاحة الفرصة لباحثين أوروبيين لعرض وجهات نظرهم بشأن حدوثها ورغم أن تصريح الناطق بلسان الخارجية الايرانية حميد رضا أصفي أن الحديث عن المحرقة لا ينبغي النظر إليه باعتباره من المحظورات واستغرابه أنه يمكن مناقشة كل شيء في هذا العالم الغريب إلا المحرقة يحتمل قدراً كبيراً من المعقولية غير أن حجب منح تأشيرة لحاخامات أو باحثين مؤيدين للهولوكوست قلل من علمية المؤتمر أو حياده، المؤكد أن اشتباك الآراء يحدث زخما تكون فرصة استظهار الحقيقة أكبر من البحث المنفرد، ولعل أهم مصادر تراجعنا كأمة إسلامية وعربية أننا فقراء في مخاطبة الغير، نحسن الحديث لأنفسنا، صحفنا توجه الخطاب لاتباعنا، ووسائل إعلامنا تخاطب جمهورها، ولم تكن محاولة الجزيرة فتح مجال لمخاطبة العالم الغربي إلا أول الغيث في هذا المضمار الذي نتمني ان يعقبه مطر كثير نغزو من خلاله عقل المواطن الغربي ليسمعنا في حياد ثم يقرر هو رأيه بعدها الانصياع لحكوماته اليمينية ، كان يمكن دعوة الدكتور عبد الوهاب المسيري وهو علامة متخصص في كل ما يتعلق بالحركة الصهيونية وله مباحث جيدة في موضوع الهولوكوست وقد تقصي وجود اليهود في ألمانيا وبداية تمركزهم فيها وتنصر الكثيرين منهم واندماجهم تماما حتي القرن التاسع عشر كانوا قد حصلوا علي حقوقهم المدنية والسياسية كاملة، وأصبح المركز الرئيسي للحركة الصهيونية العالمية في برلين، وأصبحت لغة المؤتمرات الصهيونية الأولي هي الألمانية وكان اعتقادهم أن المشروع الصهيوني سوف يتحقق علي يد الألمان وليس الإنجليز كما حدث فيما بعد، وبقي الحال علي هذا الوضع إلي أن وصل النازيون إلي الحكم بأيدلوجيتهم العنصرية التي أوقفت عملية الانصهار أو الاندماج وهكذا يري المسيري بأن هذه المرحلة انتهت بإبادة أعداد كبيرة من اليهود الأوربيين علي يد النازيين، غير أن المسيري مع تسليمه بالواقعة إلا أنه يعتبر أن الحركة الصهيونية مازالت تذكر بهذه المحرقة كأنه لم يحدث مثلها من قبل ونسوا المحارق التي وقعت في الجزائر والشيشان وفيتنام والبوسنة ورواندا.

ويري أنصار نظرية الابادة الجماعية أو المحرقة التي أقامها هتلر ضد اليهود في ألمانيا النازية أن عدد الضحايا فيها بلغ 11 مليونا من اليهود والسلافيين والشيوعيين وأصناف كثيرة من المعارضين السياسيين والغجر.

غير أن التشكيك في صحة تلك الواقعة لم يكن وليد اليوم ، وإنما بدأ يتنامي منذ الستينات تقريبا ، وكان أول كتاب صدر حول انكار حدوث الهولوكوست كان تحت اسم الحكم المطلق في عام 1962 للمحامي الأمريكي فرانسز باركر يوكي الذي كان قد التقي الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر وعمل معه لفترة طويلة، وتركزت كتاباته بالعداء للصهيونية واسرائيل، ثم قام احد المؤرخين المشهورين ويدعي هاري أيلمر بارنيس في نيويورك باتباع نهج يوكي في التشكيك بالحقيقة التاريخية للهولوكوست وهكذا تعدد الباحثون الذين دققوا في صحة واقعة الهولوكست فكتب في هذا الخصوص أيضا الكاتبان جيمس مارتن و ويلس كارتو وكلاهما من الولايات المتحدة ثم قام المؤرخ الفرنسي بول راسنيير الذي كان معتقلا في المعتقلات الألمانية أثناء الحرب العالمية الثانية بنشر كتابه دراما اليهود الأوروبيين وأنكر تماما عمليات الهولوكوست.

وفي السبعينيات نشر باحث أمريكي يعمل في جامعة نورث ويسترن كتابا باسم أكذوبة القرن العشرين وفيه انكر الهولوكوست وقال ان مزاعم الهولوكوست كان الغرض منها انشاء دولة اسرائيل ، وفي عام 1976 نشر المؤرخ البريطاني ديفيد أرفنج الذي حكمت عليه محكمة نمساوية مؤخرا وبالتحديد في 20 فبراير 2006 بالسجن لمدة ثلاث سنوات بسبب انكاره للهولوكوست في كتابهr حرب هتلر . وفي 1974 قام الصحفي الكندي من اصل بريطاني ريتشارد فيرال بنشر كتابه أحقا مات 6 ملايين وتم استبعاده من كندا بقرارمن المحكمة الكندية العليا عام 1992.

الذي يلقي شكوكا حول صحة الواقعة هو الضرب حولها بسياج حديدي من الصمت لعقود طويلة وسن تشريعات تعاقب كل من يتكلم حولها أو يكذب بوقوعها، حتي حطم هذه التابوهات كتاب وباحثون كلهم من الاوروبيين والامريكان كما أشرنا منذ مطلع الستينات وحتي الآن.

ما أحوجنا إلي تعظيم تاريخنا نحن وكله اشراقات في مختلف العلوم والفنون الانسانية بدلا من إهالة التراب علي رموز وقيم وعلماء قدموا الكثير لأمتهم الإسلامية والعربية منذ فجر الإسلام حتي وصل إلينا صافيا مستقرا .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف