المبادرة العربية: مشروع هدنة لا حل
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سليمان تقي الدين
ساهمت المبادرة العربية التي يقودها أمين عام جامعة الدول العربية عمرو موسى في إعادة التفاوض السياسي بين القوى اللبنانية، الذي انقطع بعد "حرب تموز"، وتحول إلى سجال سياسي حاد، واندلع تحركات واسعة في الشارع.
لكن المبادرة في مضمونها كانت أقرب إلى "الوساطة" لأنها لم تحمل عناصر الحل العربي، فقد تركزت على التوفيق بين مطالب الأطراف اللبنانيين كما يجري تقديمها في وسائل الاعلام، من غير ضمانات أن تساعد القوى الإقليمية على إنتاج تسوية حول لبنان في ثلاث مسائل حاسمة: رئاسة الجمهورية، المحكمة الدولية، سلاح المقاومة. فمن خلال هذه العناوين، يمكن ان تتضح وتحدد علاقات لبنان الخارجية، مع الغرب وسوريا وإيران وإسرائيل، وهذه هي المحاور الأساسية للنزاع.
في الحرب الأهلية عام ,1975 كانت النزاعات الداخلية بين المجموعات الطائفية تهدف إلى إحداث تبديل جوهري في المواقع داخل المؤسسات الدستورية. فكان شعار المشاركة يتجه إلى إحداث توازن مسيحي ـ إسلامي ويحتاج إلى تعديلات دستورية. ما هو مطروح الآن لا يتعلق بأي تغيير في النظام السياسي، لجهة دور المؤسسات وصلاحياتها، بل المطلوب هو توازن سياسي جديد، بدّلته سابقاً "موجة 14 آذار"، وتبدّله "موجة حرب 12 تموز" وما أفرزته من موازين قوى سياسية. بهذا المعنى تبدو الأزمة الوطنية الراهنة أقرب إلى احداث 1958 منها إلى احداث .1975 فالعنصر الداخلي هو التابع وليس العنصر المهيمن. إنها نتيجة لتجاذب إقليمي تسعى الولايات المتحدة من خلاله إلى فرض تصورها عليه. إن استقطاب القوى يتصل بخيارات يعكسها الخطاب السياسي، الذي ازداد وضوحاً مع التوصيف المتبادل، الذي يبدأ بالحديث عن الالتحاق بمحور المهادنة العربي لأميركا وإسرائيل، ومحور الممانعة السوري الإيراني وما يلتف حوله من قوى وحركات سياسية. ورغم أن ذلك يجب أن يجعل النزاع سياسياً ووطنياً بامتياز، إلا أنه يتصل فعلاً بمعسكرين تقود أحدهما إيران مع كل ما يؤدي ذلك إلى ملابسات وإيحاءات تتصل بنفوذها الإقليمي وانتشارها الاديولوجي.
لذلك يبدو تحرك الجامعة العربية مستفيداً من مناخ المراجعة الأميركية لسياساتها في المنطقة، من غير أن تكون هذه المراجعة قد انتهت إلى خلاصات نهائية تؤسس للتسوية الشاملة. وعلى العكس مما يتوقع البعض من سلوكيات أميركية، مهادنة أو منكفئة، فهي تدفع إلى واجهة الصراع القوى الحليفة لها وتدعم الدول التي كانت منذ ثلاث سنوات مرشحة للتغيير. هكذا يتحول معسكر "دول الاعتدال" إلى قوة المواجهة ضد المحور الإيراني السوري والقوى المرتبطة به. في هذا السياق، يجب فهم الدعم الأميركي للحكومة اللبنانية وتأمين الغطاء العربي وتغذيته بخطابات مذهبية صارخة. فلا تعطي أميركا هذا المحور شرف مواجهة إسرائيل كما هو حاصل في لبنان وفلسطين، بل تزجه في معركة نزاع عربي ـ عربي أو مواجهات طائفية، وهو مكمن الخطر الحقيقي الآن.
في ضوء هذه القراءة، تكاد المبادرة العربية تنحصر في إنتاج هدنة سياسية بانتظار تراجع حدة التجاذبات العربية المتصاعدة اليوم.
إن التسوية الحقيقية والشاملة للأزمة اللبنانية، تحتاج إلى استقرار وحلول إقليمية، طالما أن اللبنانيين ما زالوا عاجزين عن ممارسة استقلالهم مع قوى صاحبة مشاريع "سلطوية" في دولة غير ثابتة الركائز والمؤسسات.
إن المشهد اللبناني المحفوف بمخاطر اندلاع الحرب الأهلية اللبنانية والعربية على أرض لبنان، يجب أن يحفز القوى لمراجعة مواقفها انطلاقاً من المفاضلة الحاسمة بين الحرب والتسوية.