خدام: أزمة العلاقات السورية السعودية ليست شخصية ونظام دمشق مسؤول عنها
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
وصف النظام في دمشق بأنه جاهل ومغامر وعاجز عن التمييز بين ما يفيد البلد وما يؤذيه
من أخطاء الأسد الكبرى :التمديد للحود واغتيال الحريري واستخدام حزب الله لتأجيج الوضع في لبنان
النظام السوري ناكر للجميل ويتحمل مسؤولية التوتر مع الرياض والقاهرة والارتماء في حضن إيران
تقرير براميرتز مهني ويؤشر إلى القاتل وإلى من ارتكب جريمة اغتيال الحريري
بروكسل - مارسيل عقل
أكد نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام في حوار مع "الوطن" أن الأزمة بين النظام السوري والسعودية مسؤولية نظام بشار الأسد،وهي عكس ما سعى نائب الرئيس السوري فاروق الشرع لتصويره على أنه مسألة شخصية،مشيرا إلى ما قدمته السعودية لبشار الأسد من نصائح خاصة في الموضوع اللبناني" لأن السعودية تعلم والكل يعلم أن بشّار الأسد متورّط في لبنان وأن استمرار هذا التورّط سينعكس على سوريا كبلد". وحسب خدام فإن النظام السوري متورط في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري،وهو ما سيلحق أضرارا كبيرة ليس بالنظام السوري بل وأيضا بالشعب السوري وبمستقبل سوريا.ويرى خدام أن سوريا لا تستطيع أن تبقى منعزلة عن الدول العربية.
* حاول نائب الرئيس السوري فاروق الشرع شخصنة تأزم العلاقات بين السعودية وسوريا خلال رده على سؤال بهذا الخصوص أثناء لقائه بأحزاب الجبهة الوطنية في سوريا. هل أنت من هذا الرأي؟ وهل وصلت العلاقات بين الدول إلى المستوى الشخصي دون التطلع إلى مصالح الدول والشعوب؟
- المصيبة الكبرى التي أصابت سوريا والتي ابتلي بها هذا البلد هي وجود قيادة جاهلة، ومغامرة. قيادة عاجزة عن التمييز بين ما يفيد سوريا وما يؤذيها، وعاجزة عن القيام بقراءة صحيحة للتاريخ والواقع، سواء أكان هذا الواقع سورياً، أو عربياً أو دولياً. هذه القيادة سبّبت معاناة شديدة للشعب السوري وارتكبت بحقه أخطاء كبرى: أفقرت البلاد، وزادت أزماتها الاقتصادية ووصل السوريون بغالبيتهم العظمى إلى تحت خط الفقر. لقد انخفض مستوى معيشتهم وانتشرت البطالة بين أبناء الشعب السوري بحيث بات 6 ملايين سوري عاطلين عن العمل. وبالرغم من ذلك، فإن هذه القيادة لا ترى ما يجري وما تقوم به داخل البلاد. يعني أنها ألحقت الضرر بسوريا ثم ارتكبت أخطاءً كبرى في السياسة العربية والدولية.
*ما هي هذه الأخطاء مثلا؟
- من أخطائها الكبرى ما جرى ويجري في لبنان. أي التمديد للحود(الرئيس اللبناني) واغتيال الحريري(رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري) واستخدام حزب الله وعملاء المخابرات السورية لتأجيج الوضع في لبنان وإيصاله إلى مرحلة الانفجار أملا في تعطيل ملف التحقيق الدولي.الخطيئة الكبرى الثانية التي ارتكبها النظام السوري هي التحالف مع إيران ووضع سوريا في خدمة الاستراتيجية الإقليمية الإيرانية. النتيجة الطبيعية لذلك هي حملة موجهة ضد الحكومات العربية واتهامات. وكل ذلك متعمّد. المقصود به قطع صلات سوريا بالعالم العربي. بشار الأسد عقد معاهدة دفاع مشترك مع إيران، وأقام علاقات أمنية وطيدة بين أجهزة الأمن الإيرانية والسورية. فهناك مكتب للحرس الإيراني في سوريا وهناك تنسيق يومي في كل ما يتعلّق بقضايا لبنان وقضايا العراق. إذاً، هو (أي بشار الأسد) أوصل النظام إلى حالة القطيعة مع العالم العربي. هذا الأمر أثار قلقا كبيرا لدى الشارع السوري، ولاسيما أن الحملة تناولت المملكة العربية السعودية. والشعب السوري تاريخيا، يكن تقديرا كبيرا للمملكة التي ساعدت سوريا في كافة الظروف، سياسيا واقتصاديا.
المملكة ساعدت بشّار الأسد نفسه. فلفترة قريبة كانت المملكة العربية السعودية تغطيه تحت عنوان "أن التغيير في سوريا قد يُحدث اضطرابات في هذا البلد". والمساعدات التي قدمتها المملكة لسوريا كبلد وللنظام السوري كانت كبيرة. هذه الحملة تأتي في سياق إقليمي يربط إيران والعراق وسوريا ولبنان بمعزل عن الوضع العربي. لذلك فإن قول فاروق الشرع إن المشكلة شخصية، يدلّ على غباء. إنه يريد التخفيف من وطأة التأزّم القائم مع المملكة العربية السعودية ويدّعي أنها مسألة شخصية بسيطة تحلّ غدا أو بعد غد. ولكن الحقيقة أن المشكلة قائمة بسبب الأخطاء الكبرى التي ارتكبها النظام السوري.
*ما هي الأخطاء التي حاولت المملكة العربية السعودية مساعدة بشّار الأسد على عدم ارتكابها؟
- أولا، في لبنان، المملكة كانت تعي الخطر المحدق بلبنان واحتمال انفجار الوضع الداخلي وعودة الحرب الأهلية في هذا البلد. حرصها على لبنان وعلى استقراره دفعها إلى أن تنصح بشّار الأسد أن يكون عقلانيا في تصرّفه تجاه لبنان. المملكة نصحته من أجل سوريا بالذات، لأن السعودية تعلم والكل يعلم أن بشّار الأسد متورّط في لبنان وأن استمرار هذا التورّط سينعكس على سوريا كبلد. أرادت المملكة أن تحمي سوريا من أخطاء بشّار الأسد عبر تسديد النصح له لأن استمرار هذا الخط وهذا النهج لا شك ألحق وسيلحق أضرارا كبيرة ليس بنظام بشار الأسد فحسب بل وأيضا بالشعب السوري وبمستقبل سوريا. فسوريا لا تستطيع أن تبقى منعزلة عن الدول العربية. القاعدة الأساسية التي قام عليها هذا النظام في الثان نوفمبر عام 1970 هي تحقيق التضامن العربي وتجنّب الخلافات العربية والعمل على صياغة شراكة عربية.
الآن ماذا نرى؟ عوضا عن التوجّه إلى شراكة عربية، بات التوجه نحو شراكة من نوع آخر. ولذا أقول إن المشكلة ليست شخصية بقدر ما هي مشكلة سبّبها النظام في سوريا. المملكة العربية السعودية أرادت حماية لبنان وحماية سوريا من خلال مواقفها. ولكن، ومع الأسف فإن سوريا، كما ذكرت، ابتليت بنظام غبي وجاهل ومغامر.
*برأيك، لماذا سحبت المملكة غطاءها عن بشار الأسد الآن بعد أن غطّته طويلا كما تقول؟
- المملكة راهنت على الحوار مع الأسد. لم تسحب الغطاء عنه في البداية. كانت تعتقد أنه عبر الحوار والنقاش يمكن إقناع الأسد بالتراجع عن السياسات المغامرة والخطيرة التي ينتهجها. خطف الجنديين الإسرائيليين لم يأت صدفة. هذا الخطف أقِِرّ في دمشق في اجتماع عقد بين السيد حسن نصر الله وأحد كبار ضباط الأمن السوريين قبل عملية الخطف ببضعة أيام فقط. الخاطفون، أو الذين قرّروا الخطف كانوا يعلمون أن حربا ستقع على اعتبار أنه، عندما جرى خطف الجندي جلعاد شاليت في غزة، قامت إسرائيل بردة فعل قاسية وقتلت المئات من الفلسطينيين عقابا. بالتالي كان على حزب الله أن يتوقع ردة فعل إسرائيلية.
ماذا قال حسن نصر الله؟ قال: "نحن قمنا بعملية استباقية لأننا كنا نعلم أن إسرائيل تستعد لشنّ حرب علينا بعد أشهر. وبعد انتهاء الحرب قال: "لو كنت أعلم بالنتائج لما قمت بعملية الخطف". إذاً الخطف كان مصمّما أصلا لإحداث نتيجة معينة. هذه النتيجة أعطت حزب الله مدّا شعبيا عبر صموده وعدم نجاح إسرائيل باختراق الأراضي اللبنانية اختراقا واسعا. هذا المدّ الشعبي وظّف من قبل بشّار الأسد الذي استخدمه باتجاهين: الأول، توظيف هذه الحرب من أجل التفاوض مع إسرائيل. والثاني، استخدام نصر حزب الله لكي ينكفئ الحزب من الجنوب إلى الشمال وإلى بيروت، بهدف إحداث ما نشاهده الآن على الساحة اللبنانية. دعنا نستعد التواريخ: بشار الأسد يخطب ويهاجم فريقا من اللبنانيين ويتهمهم بأنهم منتج إسرائيلي ويقول "الشعب اللبناني سيسقط هذه الحكومة التي كانت متآمرة.... الخ..".
وبعد أسبوعين يقف السيد حسن نصر الله ويلقي خطابا ناريا لم يلقه في يوم من الأيام حتى ضد الإسرائيليين، ويوجه جملة من الاتهامات والعداء لشركائه في لبنان. لماذا؟ الهدف من إسقاط الحكومة هو تعطيل المحكمة الدولية وحرب يوليو كانت الوسيلة ونتائج هذه الحرب وظّفت للوصول إلى ذلك الهدف.
بطبيعة الحال، فوجئ اللبنانيون بعملية الخطف، لأن نصر الله كان تعهّد على طاولة الحوار أن يمضي الصيف هادئا من أجل تعزيز الاقتصاد ودعم السياحة. العرب فوجئوا كذلك. ليس هناك بلد في العالم يمكن فيه لحزب أو مجموعة أو شريحة معيّنة أن تتخذ قرار الحرب والسلم بمعزل عن الآخرين. فهذه عمليا عملية إلغاء للدولة. اللبنانيون فوجئوا ولكنهم كتموا المفاجأة بسبب الحرب، احتضنوا النازحين واحتضنوا المقاومة. وعلى الجبهة السياسية كانوا أكثر حربا على إسرائيل منهم على الجبهة العسكرية. فالتعبئة الدولية التي قام بها اللبنانيون ضد إسرائيل كانت هائلة.
العرب فوجئوا والسوريون فوجئوا، أما هو (بشّار الأسد) فبدلا من أن يتعامل مع الموضوع بشكل منطقي ويدعو إلى وحدة اللبنانيين وإلى التهدئة والتعاون، دعا إلى التأزيم وشن حملة على الحكومات العربية واتهمها بالانهزامية والتخاذل وهو "الصامد والممانع". وهو، في الوقت نفسه، غير مستعد أن يطلق طلقة واحدة في الجولان.
هو الذي رفع الغطاء العربي عن نفسه في النهاية. أسأله: "ماذا فعلت أنت كي تسمح لنفسك باتهام الآخرين؟
كيف تقول إنك مقاوم وصامد وشعبُك مضطهد ومخنوق. سوريا سجن. والشعب السجين لا يدافع عن سجنه ولا عن سجّانه.
النظام السوري يتحمل مسؤولية التوتر. والحملة التي تركّزت بشكل خاص على المملكة العربية السعودية ومصر فيها نوع من نكران الجميل وفيها نوع من الإساءة لسوريا نفسها. فالشعب السوري لا يستطيع أن يقوم في بحر استراتيجية طهران. وقبل بشّار الأسد كان هناك تعاون بيننا وبين إيران وتعاون جدي. وأنا كنت من الذين كان لهم دور أساسي في هندسة السياسة السورية الإيرانية. لكنه كان تعاونا في إطار توازن مصالح. والتعاون كان موجها في حينه ضد صدّام حسين. وكان هناك أمر يعرفه الإيرانيون: وهو أن أمن الدول العربية في الخليج هو خط أحمر بالنسبة لنا.
عندما قصدت إيران باخرة نفطية سعودية عام 1985، أرسل الملك فهد، رحمه الله، رسالة إلى الرئيس حافظ الأسد حملها له المغفور له رفيق الحريري، يقول فيها: "إننا قادرون على الرد.. ولكننا لا نريد توسيع الحرب، ونريد من سوريا أن تقوم بدور لوقف التوترات". وبالفعل تناقشنا مع الرئيس حافظ الأسد واتفقنا على توجيه رسالة إلى الملك فهد، أمليتها على رفيق الحريري وخلاصتها أن سوريا مع المملكة العربية السعودية وتضع قواتها تحت تصرّف المملكة. وأنا شخصيا، توجّهت إلى طهران في اليوم الثاني واجتمعت آنذاك مع السيد علي خامنئ وكان رئيسا للجمهورية وكان رجلا متفهما للموقف السوري، فطُويَ الموضوع وهدأت الأمور. وبعد فترة عاد التوتر من جديد، فأوفدنا وزير الخارجية وتفهّم الإيرانيون وأدركوا أن موضوع الخليج بالنسبة لنا هو موضوع أساسي وحيوي. وحتى خلال تلك الفترة كانت هناك مواضيع خلاف مع طهران. الموقف من العراق مثلا. فنحن والإيرانيون كنا متفقين على مقاومة أي تغيير في العراق إذا كان لا يأتي بحكومة تكون علاقاتها جيدة مع سوريا وإيران وكذلك دول الجوار. التزمنا بذلك. ولكننا فوجئنا بحلفاء إيران من الأحزاب والشخصيات العراقية يتعاونون مع الأمريكيين. وتم عقد مؤتمر لندن عام 2002 الذي غطّى الحرب ودخل حلفاء إيران شركاء مع بريمر إلى العراق ودخلوا مجلس الحكم والحكومة العراقية.
نحن ندرك أن لإيران استراتيجية في العراق ولكننا لا يمكن أن نوافق عليها. لأننا لا نوافق إطلاقا أن يكون العراق جزءا أو تحت هيمنة أي دولة أجنبية أو عربية. فمن حق العراق أن يكون بلدا مستقلا وجزءا من المنظومة العربية. كل بلد يتنازل عن جزء من سيادته لهذه المنظومة هذا صحيح. ولكن أن يتحوّل العراق إلى حلقة في استراتيجية إيران أو غير إيران، فهذا أمر لا يستطيع أحد أن يتحمّله. من هنا، أعتقد أن معظم الحكومات العربية أدركت خطورة الوضع، وحاولت تنبيه القيادة السورية ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل. وباعتقادي، فإن الاتصالات بين القاهرة ودمشق بقيت حتى وقت قريب في محاولة لإقناع بشّار الأسد أن يسلك سلوكا متعقلا. وهو الآن يتحمّل نتائج التوتر الذي تسبّب فيه..
* هذا يقودنا إلى التمحور العربي بين ما يسمى بالعرب المعتدلين والعرب المتشدّدين حسب التصنيف الأمريكي؟
- إنه تعبير خاطئ وغير صحيح. فهناك خلاف في العالم العربي حول فهمنا للمصالح العربية.
هناك دول عربية تعني أن مصالح الدول العربية تكمن في التعاون الاقتصادي والتنسيق السياسي والأمني، إلخ.. وهناك دول أخرى تفهم ذلك عبر الشعارات والخطابات النارية. ولكن بالمحصلة، وإذا اعتبرنا النظام السوري نظاما متشدّدا، وإذا تركنا الهتافات والخطابات جانبا، فلنتساءل:
"ماذا فعل هذا النظام في قضايا المنطقة؟ هل هو متشدد ضد إسرائيل؟ هل هو متشدّد ضد الولايات المتحدة؟ هل هو متشدّد ضد أوروبا؟ هو يزحف للحوار معهم. والمتشدّد لا يبحث عن الحوار.
المتشدد يكون لديه قضية. فما القضية التي يطرحها بشّار الأسد؟ هل يطرح قضية الجولان؟
أبدا. هو يطرح قضية "كيف يعود إلى لبنان، وليس كيف يعيد الجولان إلى سوريا.
أين التشدّد ؟ في العراق؟ هل تشدد في العراق ضد الأمريكيين؟ هو الذي سلّم شقيق صدام حسين إلى الأمريكيين. هو الذي طرد أولاد صدام حسين وقتلوا بعد أسبوعين. هو الذي طرد عائلة صدام حسين من سوريا. متشدّد ضد الولايات المتحدة في العراق؟ هو أرسل وزير خارجيته إلى بغداد، فماذا فعل الأخير؟ قال: "نحن مع العملية السياسية، نحن ضد الإرهاب وضد كذا وضد كذا.. فأين التشدد؟ وهل التشدد هو بالشعارات الفارغة التي تهتف هنا وهناك؟ ليس هناك تشدد بل هناك انبطاح.
* أين أصبحت المعارضة السورية الآن وأين أصبح دوركم في تجميع هذه المعارضة وخاصة في التواصل مع جماعة الإخوان المسلمين؟
- المعارضة السورية خلال العام الحالي حققت تقدما كبيرا. فقبل عام كانت المعارضة مخنوقة في سوريا على اعتبار أن النظام الأمني السوري لا يترك مجالا للناس من أجل التنفّس بكلمة واحدة. فأبواب السجون مفتوحة. من يكتب مقالا لا يرضي يقاد إلى السجن مباشرة، وهلمّ جرا. لكن، خلال العام الحالي، استطاعت مجموعة من التيارات والشخصيات السورية أن تشكل "جبهة الخلاص الوطني" التي تضم تيارات قومية وتيارات ليبرالية وتيار الإخوان المسلمين، إضافة إلى إخواننا الأكراد. وضعنا ميثاقا ثم مجموعة برامج نقوم بتنفيذها. انتقلنا للعمل في الداخل. ونعمل على تشكيل مجموعات الهدف منها الوصول إلى المرحلة التي ينطلق فيها الشعب السوري لتحقيق التغيير. ونحن مطمئنون ومتفائلون على أن هذا النظام آيل إلى السقوط.
* على ماذا تراهنون في إسقاط هذا النظام؟ هل تراهنون على الخارج؟ على الولايات المتحدة مثلا؟ وهل يراهن الخارج، أي الولايات المتحدة والدول التي ترغب بإسقاط النظام السوري عليكم؟
- نحن نراهن على الشعب السوري ولا نسعى إلى أن يكون التغيير عبر تدخّل خارجي. لأن للتدخل الخارجي أخطاره الكبيرة. ونحن ما زلنا نرى ماذا يجري في العراق. نسعى ونعمل على أن يكون التغيير وطنيا وسوريا. أمر طبيعي أننا سنوظف الضغوط الخارجية وسندعو المجتمع الدولي دائما لأن يمارس الضغوط على هذا النظام الذي لا يترك فرصة للقمع إلا واستخدمها.
* ألا يخيفكم التقارب الأمريكي - السوري خاصة بعد تقرير بيكر - هاملتون حول العراق؟
- إذا حلّلنا السياسة الأمريكية بعمق نجد أنه ليس هناك عوامل للتقارب. فتقرير بيكر درس كل المشاكل التي لا تؤدي إلى حلّ مشكلة الأمريكيين في العراق. الهدف من التقرير أن يقول الأمريكيون "لقد قمنا ودرسنا وحلّلنا ونصحنا" إلخ...
* ولكنه اقترح الحوار مع إيران وسوريا.
- أولا السيد بيكر لم يكلّف نفسه عناء دراسة إستراتيجية إيران وسياسة إيران في المنطقة. إستراتيجية إيران في المنطقة، هي إستراتيجية إقليمية تمتد من البحر المتوسط إلى أواسط آسيا. لها أهداف في العراق وهي تعمل على تحقيقها. وقد وظّفت الأمريكيين لتحقيق هذه الأهداف. سمعت مرّة مثلا شعبيا إيرانيا يقول: " إذا رأيت أفعى، فلا تقتلها، اقتلها بيد عدوِّك".
* كنت ملازما للملف اللبنانية طيلة فترة الوجود السوري في لبنان، إلى ما بعد وفاة الرئيس حافظ الأسد حيث انتقل الملف إلى آخرين، باعتقادك التطورات التي حصلت هل كانت ستحصل لو بقي الملف بيدك؟
- أنا تركت الملف اللبناني عام 1998 بعد اختيار أميل لحود لرئاسة الجمهورية. وكنت معترضا على دعمه.
ومنذ عام 1998 استلم بشّار الأسد الملف اللبناني، ولم تكن لديه خبرة سياسية ولا معرفة بشؤون الحياة العامة. عاش في منزل والده الرئيس، صاحب القرار وانتقل من طبيب إلى مسؤول أمني. إضافة إلى أن التربية البيتية وفق طبيعة الرئيس حافظ الأسد جعلت أولاده يشعرون أنهم فوق الناس. باسل قبل وفاته ثم بشار بعده. أحاطت ببشّار مجموعة من اللبنانيين
الذين كانوا يحقنونه ضد الرئيس الحريري وضد الرئيس نبيه برّي. وعندما وصل إلى السلطة تصرّف وكأنه يملك مزرعتين: المزرعة السورية والمزرعة اللبنانية. مزرعة، ابن خاله رامي مخلوف مكلّف بجباية عائداتها، ومزرعة، شقيقه ماهر مكلّف بجبايتها في لبنان. وعندما يدخل المال والفساد والأمن تنتهي الدولة.
* هل كان هناك رابط بين اغتيال الحريري وإبعادك عن أي دور في لبنان؟
- لا. لأنني تركت لبنان عام 1998 والحريري اغتيل عام 2005. لكن بالطبع، الرئيس الحريري كان صديقي. وهو خدم سوريا كثيرا. خدمها أكثر من وزير الخارجية السورية نفسه. وقسم كبير من اتصالات الخارجية كان الحريري يقوم بها. كان يأتي إلى دمشق، أجتمع به أو يجتمع به الرئيس حافظ الأسد ثم يذهب إلى فرنسا أو أمريكا أو إلى المملكة العربية السعودية أو بريطانيا أو ألمانيا، إلخ.. هذا إضافة إلى دوره البنّاء وبريطانيا أو ألمانيا، إلخ، مشكلته الكبرى أنه أحبّ سوريا أكثر من حكّامها.
*ترى هل كنت ستكون خارج دمشق لو أن الأمور سارت كما كانت في السابق؟
- لا. كان هناك في الواقع خلافات بيني وبين الرئيس حافظ الأسد حول السياسة الداخلية.
الأمور داخل سوريا كانت تتفاقم: اقتصاد ينهار، دولة يأكلها الفساد، الفقر يزداد، البطالة تنتشر، مستوى المعيشة ينخفض، قمعٌ للحريات، إلخ.. حاولت كثيرا إقناعه بإدخال إصلاحات سياسية واقتصادية وتعليمية ولا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي. جرى نقاش طويل معه.
قلت له "إننا لا نستطيع أن نتابع السياسة التي كنا نتابعها على عهد الاتحاد السوفيتي. فقد كان هناك جدارٌ نستند عليه، ولكن الجدار سقط، فعلينا أن نغيّر سياساتنا الداخلية والعربية والدولية. وعلينا أن نركِّز على الوضع الداخلي، فالشعب السوري يرى التغيرات التي تجري في العالم ولم يعد بإمكاننا حجز المعلومات عنه في عصر الفضائيات والمعلوماتية.
لا بد من التغيير والانفتاح ولا بد من مشاركة الشعب ومن انفتاح اقتصادي". كان يستمع مرارا ولكن دون فائدة. أساسا كان رأيي أن التضييق على الناس يدفع بهم إلى اليأس والتطرّف وأن الانفتاح والمشاركة السياسية تقوّي النظام وتعزّز الدولة.
* كيف تنظر إلى تقرير براميرتز الأخير في جانبه اللبناني وفي جانبه السوري؟
- تقرير مهني وقراءته مهنية. هو يؤشر إلى القاتل وإلى أن جريمة القتل ارتكبها النظام السوري. كان يمكنه إعطاء معلومات أكثر ولكن قبل تشكيل المحكمة الدولية فإن أي معلومات إضافية ستؤدي إلى تعطيل التحقيق. ولو أشّر وسمّى أسماء وأعطى الوقائع الكثيرة التي بحوزته لشُنّت حملة على التقرير وعلى التعقيب ولما شُكِّلت المحكمة الدولية.
المشكلة ليست بمن نفّذ العملية بل بمن قرر ومن رتّب العملية ومن رتّب تركيبة تنفيذ العملية.
أما من كان داخل سيارة الميتسوبيشي فهذه مشكلة صغيرة. من جاء بالميسوبيشي؟ ومن لغّم الميسوبيشي؟ التقرير أعطى إشارات واضحة بهذا الصدد.
* هل ستطول إقامتك في الغربة ومتى تنوي العودة إلى دمشق ؟
- بإذن الله الغربة لن تطول. وأنا واثق أن هذا النظام أصبح في مرحلته الأخيرة.
فليس هناك أي سبب لاستمراره. الوضع الداخلي متأزّم، هناك فقر، وجوع لم يعرفه السوريون حتى خلال الحرب العالمية الأولى. هناك قمع لم يعرفوه في أي عهد من العهود منذ مئات السنين. فساد في العهد الإنكشاري لم يكن معروفا. فمن الطبيعي أن يشكل هذا بيئة خصبة للتغيير ونحن نعمل على توظيف هذه البيئة لتحقيق النصر.ِ