جريدة الجرائد

ماذا يحدث في روسيا بوتين؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الإثنين 18 ديسمبر2006

سيرج شميمان

مقتل "ألكسندر ليتفنينكو" الدرامي في لندن بعد تعرضه للإشعاع، ترك أحد أكبر ألغاز عصرنا هذا؛ ذلك أن تحول الضحية الغريب من عميل سوفييتي إلى مسلم مدافع عن حقوق الإنسان في المنفى، يفوق أي شيء كانت تستطيع مخيلة "جون لوكاري"، الكاتب البريطاني المشهور بروايات التجسس، الإتيان بمثله. أما بقية الحكاية، فمُعقدة على نحو يبعث على اليأس. إذ كيف يمكن للمرء أن يجد كل آثار "البلونيوم 210" هذه؟ ومن هم كل "رجال الأعمال" الروس هؤلاء، وهي كلمة يبدو أنها تشمل كل شيء من وزراء الحكومة إلى بعض أغنى اللصوص على وجه البسيطة؟
بطبيعة الحال، لم يَحُلْ غياب حقائق كاملة دون تناسل التكهنات. بل على العكس من ذلك، مثلما حدث في إحدى الأمسيات عندما سُئل الضيوف الواحد تلو الآخر حول تخميناتهم. الواقع أن الأمر لم يكن مفاجئاً، حيث كان فلاديمير بوتين الشخصية المركزية في كل هذه التكهنات. وهكذا، تم تقديمه على أنه المذنب، أو الضحية، أو الغبي. ومعلوم أن رصيد الرئيس الروسي في الغرب تدنى كثيراً إلى درجة أن الناس يميلون إلى تحميله، على الأقل، مسؤولية خلق جو أصبح فيه الاغتيال السياسي أمراً عاديا. ثم إن "ليتفينينكو" أشار من على فراش الموت بإصبع الاتهام إلى بوتين، وإن لم يقدم أي تفاصيل أو أسباب.
أما في روسيا، حيث يحظى بوتين بشعبية مرتفعة، ولا يمكنه في أعين وسائل الإعلام المدجنة أن يقوم بعمل خاطئ، فيتم عادة تقديم الرئيس على أنه ضحية قوى الظلام (بوريس بيريزوفسكي؟ "السي آي إي"؟ الليبراليين الروس؟ اليمينيين الروس؟) التي تسعى للإساءة إليه. فيما يجادل البعض بأن بوتين لا علاقة له بالقضية بكاملها.
لقد اعتنق "ليتفينينكو" الإسلام في نهاية المطاف قبيل وفاته؛ ولكن ماذا عن الإيطالي الذي كان ينظر إليه حين كان يأكل "السوشي"؟ الواقع أن الأمر يُذكرني بنكتة تعود إلى العهد السوفييتي حول ثلاثة أشخاص يخبر أحدهم الآخر كيف انتهى به الأمر في "الغولاغ" أو معسكرات الأعمال الشاقة زمن الاتحاد السوفييتي: "أنا هنا لأنني كنت ضد بوخارين"؛ "أنا هنا لأنني كنت مع بوخارين"؛ "أنا هنا لأنني بوخارين".
قد لا نتمكن أبداً من معرفة مَن قتل "ليتفينينكو" ولماذا قتله؛ إلا أن ذلك لا يعني أن الاغتيال ليس موجوداً في الحياة السياسية الروسية. وخلافاً للغرب المتشكك، يعتقد الرجال الذين يحيطون ببوتين -ويخشون في حالات كثيرة- أن يكون فلاديمير بوتين جاداً بخصوص التنحي عندما تنتهي ولايته الثانية في 2008. ومن المعروف أن الخلافة على السلطة في روسيا كانت دائماً مثيرة للنزاعات، وكثيراً ما كانت عملية دامية في روسيا.
نعم، سيتم اختيار خلف بوتين في انتخابات؛ غير أن الشبه مع الديمقراطية من المرجح أن ينتهي عند هذا الحد. فقد تم تهميش المعارضة الليبرالية القديمة؛ كما أن معظم الأحزاب السياسية النشطة في "الدوما" ليست اليوم أكثر من ائتلافات مؤقتة تحمل أسماء من قبيل "روسيا المتحدة"، و"روسيا العادلة". أما من يمسك بتلابيب السلطة الحقيقية، أي الرجال المحيطون ببوتين، فهم شخصيات في الكواليس. فهل سمعتم أبدا بأسماء كـ:"ميدفيديف"، "إيفانوف"، "إيفانوف الآخر"، "سيشين"، "سوركوف"، "سوبيانين"، أو "ميرونوف"؟ (إذا بحثتم عن معلومات حولهم في الإنترنت، فانتبهوا إلى عدد المنحدرين من مسقط رأس بوتين لينينغراد/ سانت بيترسبورغ، أو مدرسته "الكي جي بي").
هذا لا يعني بالضرورة أن لبوتين أو لأي أحد من حاشيته علاقة بمقتل ليتفينينكو. فبالرغم من أن بوتين لم يُبدِ ندما على سلسلة الاغتيالات السياسية التي حدثت في عهده، كما لم يُبدِ تصميماً كبيراً على وقفها، فإنه ما كان ليكسب الكثير من عملية كهذه، خصوصاً وأن أحد الشعارات الرئيسية التي رفعتها إدارته هو نشر جو من الاحترام والنظام -وإن لم يكن من النوع الذي يعجب للغرب. ثم إن بوتين يتوفر على الكثير من الطرق السلسة للتخلص من خصومه، ولعل خير مثال على ذلك محاكمة ميكاييل خودوركوفسكي، رئيس شركة "يوكوس"، والمنفى الاختياري لكل من بيريزوفسكي وفلاديمير غوسينسكي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف