جريدة الجرائد

معركة لبنان... معركة العرب!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الإثنين 18 ديسمبر2006


خيرالله خيرالله


ما يشهده لبنان ليس معركة مرتبطة بمستقبل البلد الصغير فقط. انها معركة العرب أيضا، بل معركة مستقبل المنطقة العربية. هل للعرب موقع في المنطقة أم لا؟ ستترتّب على معركة لبنان نتائج في غاية الخطورة والأهميّة على الصعيد العربي، ذلك أنّه أما يكون هناك لبنان العربي الحرّ السيّد المستقلّ، وأما تكون هناك "ساحة" للمحور الأيراني - السوري. سيكون لبنان "ساحة" لا علاقة لها بكلّ ما هو عربي بمقدار ما أنها أمتداد لمحور همّه الأول أثارة الغرائز المذهبية في المنطقة عن طريق التحريض على الحكومة اللبنانية بصفة كونها حكومة سنّية في حين أنّها حكومة كلّ لبنان. حكومة كلّ لبنان من الناقورة ألى النهر الكبير.
هناك هجمة يتعرّض لها لبنان حالياً. الهدف الذي يسعى أليه الذين يقفون وراء الهجمة في غاية الوضوح وهو يتمثّل في ألغاء البلد وألغاء اللبنانيين وتشريدهم عن طريق تعطيل الحياة السياسية والأقتصادية في البلد. الخطأ أن يستخف العرب بما يحصل في لبنان وأن يعتقدوا أن الموضوع لا يهمّهم من قريب أو بعيد. على العكس من ذلك، عليهم أن أستيعاب ما يجري في لبنان من منطلق أنّ دولة عربية تتعرض لمحاولة تستهدف ألغاءها لمصلحة تحالف لا همّ له سوى شرذمة العالم العربي، أو ما بقي منه، بهدف الوصول في نهاية المطاف ألى مفاوضات بين أيران وأسرائيل على أقتسام النفوذ في الشرق الأوسط مع طرف ثالث صاعد هو تركيا. بالطبع ليس في الأمكان تجاهل تركيا في المعادلة الشرق أوسطية التي يأمل المحور الأيراني- السوري في التوصّل أليها بسبب الوزن الذي تمثّله على صعد عدّة خصوصاً على الصعيد العسكري. ولذلك، كان النظام السوري في غاية التجاوب مع أنقرة عندما تقدّمت بطلبات معيّنة منذ ما قبل تولّي بشّار الأسد الرئاسة خلفاً لوالده. وكان التهديد بأستخدام القوّة كافياً لطرد الزعيم الكردي عبدالله أوجلان من الأراضي السورية، تمهيداً لهبوطه في سجن تركي. كما كان كافياً أن تتابع تركيا ضغطها على النظام السوري، كي يزور بشّار الأسد أنقرة وينسى نهائياً شيئاً أسمه لواء الأسكندرون، أي ما كانت الكتب المدرسية السورية تسمّيه في الماضي "أللواء السليب".
لا شيء يحدث بالصدفة في لبنان. كان التمديد لرئيس الجمهورية أميل لحّود من أجل الأستمرار في أخضاع لبنان واللبنانيين. وكانت محاولة أغتيال مروان حماده رسالة واضحة من أجل ألاّ يكون هناك صوت معترض في لبنان. ولمّا لم يقتنع اللبنانيون بأنّ عليهم أن يصبحوا مدجّنين مثل المواطن السوري، جاء أغتيال رفيق الحريري من أجل تدمير مشروع أعادة الحياة ألى لبنان، لبنان الحضاري المزدهر، لبنان العربي المتنوع الذي على تناقض مع المشروع الأسرائيلي العنصري والمتزمت. ولمّا ردّ اللبنانيون على أغتيال الحريري بأنتفاضة الأستقلال، كان لا بدّ من اسكاتهم مجدداً، خصوصاً بعدما فشل أميل لحود في العبث ما فيه الكفاية بمسرح الجريمة وفتح الطريق المحاذية لفندق "سان جورج" أمام حركة السير من أجل أظهار أن الجريمة، جريمة أغتيال رفيق الحريري، مجرّد حدث عابر. كان لا بدّ من أرتكاب جرائم أخرى لتغطية جريمة العصر. لذلك قتلوا سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني وحاولوا أغتيال ألياس المرّ وميّ شدياق.
أستمرّ اللبنانيون في المقاومة حفاظاً على عروبة لبنان وتفادياً لسقوط بلدهم في يد المحور الأيراني- السوري الذي يريد مقاتلة أسرائيل حتى آخر لبناني وحتى آخر حجر في آخر قرية لبنانية. وكأنّ تهديم لبنان لا يصبّ في المصلحة الأسرائيلية. ولمّا فشلت حرب الصيف التي أفتعلها "حزب الله" لتغطية كلّ الجرائم السابقة، تلك الحرب التي سمحت لأسرائيل بممارسة أرهاب الدولة في حق لبنان واللبنانيين، نقل الحزب الذي يشكّل رأس الحربة للمحور الأيراني- السوري المعركة ألى الداخل. أنّه يحاول الآن أسقاط الحكومة التي حمته وحمت اللبنانيين، الحكومة التي تمثّل مع مجلس النواب الحصن الأخير للشرعية اللبنانية...
صمدت الحكومة اللبنانية، على الرغم من كلّ ما تعرّضت له من أعتداءات بما في ذلك جريمة أغتيال الوزير بيار أمين الجميّل التي تعتبرمحاولة واضحة لخلق فتنة مسيحية- مسيحية عرف رجل شجاع أسمه الرئيس أمين الجميّل كيف يتفاداها. صمدت الحكومة على الرغم من الخسارة الكبيرة التي لحقت بها وبلبنان وأحبطت الهجوم الذي كان يستهدف السرايا والذي كانت تعدّ له جحافل "حزب الله" التي سيطرت على الوسط التجاري لبيروت من أجل قطع أرزاق اللبنانيين وتهجيرهم من وطنهم ... بغطاء برتقالي لمهرّج محترف يتحلّى بخفة العقل ولكن تنقصه خفّة الدم!
خيار اللبنانيين أكثر من واضح. أنّه الصمود في وجه الغرائز المذهبية التي يحاول أثارتها أولئك الذين يسعون ألى أسقاط الحكومة الوطنية. هذا الصمود البطولي للحكومة يحتاج ألى أكثر بكثير من وساطات عربية. ثمة حاجة ألى موقف عربي واضح من أحداث لبنان والجرائم التي ترتكب في حق البلد الذي يمثّل أحد خطوط الدفاع عن المنظومة العربية ككلّ. أذا سقط لبنان سيسقط آخرون. يفترض في المعركة الدائرة على أرض لبنان أن تهمّ كلّ العرب. أنها معركة الحؤول دون أنتشار العدوى العراقية في المنطقة، عدوى الصراعات الطائفيّة والمذهبية التي تشجعّ عليها أسرائيل والتي يعتقد المحور الأيراني- السوري أنّه يستطيع الأستفادة منها لتقوية موقعه التفاوضي مع "الشيطان الأكبر" الأميركي و"الشيطان الأصغر" ألأسرائيلي...

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف