جريدة الجرائد

فاوضوا الأسد!

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

عبد الرحمن الراشد

يظن الاميركيون أنهم بمنع إسرائيل من التفاوض مع الحكومة السورية يحاصرونها سياسيا، وهذا تفكير خاطئ تماما، بل إن العكس صحيح. فدمشق ظلت تفاخر بأنها لا تفاوض ولا تقبل أي صلح مع إسرائيل، على الأقل كلاميا في الساحة العربية. وبناء عليه بنت محورا سياسيا لعقود طويلة، هو محور الرفض الذي جذب مغناطيسيا كل الجماعات الأصولية واليسارية ومنح النظام السوري شيئا من الشرعية المبنية على دعاوى قومية.

وبالتالي عندما يظهر الرئيس السوري ويعلن صراحة بأنه مستعد للتفاوض مع إسرائيل مباشرة فانه بالفعل يقدم "تنازلا" مهما وخطيرا في الحسابات السياسية لبلاده وللمنطقة بعمومها. وقد لا يكون الرئيس بشار جادا في عرضه للتفاوض والسلام وإنما يريد فقط شراء الوقت وتعطيل المشروع السياسي الاميركي ضد بلاده الذي ربما بدأ يدرك انه سيطبق عليه إن آجلا أو عاجلا، تحت عنوان المحكمة الدولية أو المواجهة ضد الإرهاب أو زعزعة الحلف الإيراني. ربما يريد وقف القطار الذي أدرك أخيرا، وربما ليس متأخرا، انه في غاية الخطورة عارضا حقيبة من التنازلات مثل التعاون لوقف الإرهابيين الذين اعتادوا المرور عن طريق الحدود السورية، وفتحه سفارة في بغداد متجاوزا في التعاون دولا مثل السعودية التي ترفض إعادة فتح سفارتها هناك، وأخيرا إعلانه الصريح بأنه مستعد للتفاوض مع العدو الإسرائيلي.

وسواء كان يريد وقف القطار الداهم أو أنها يقظة سياسية منه ترغب في التحول نحو العادية والتخلي عن الراديكالية، فإنها تستحق أن تعامل بجدية.

وفي نظري اخطأ الاميركيون منذ اليوم الأول عندما وقفوا ضد التفاوض منذ ثلاث سنوات، ومنع إسرائيل من تطوير قناة الاتصال الصغيرة التي بدأت عبر احد أبناء الوزراء السوريين مع أومري شارون، ابن رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق. واشنطن كانت ضد ما تعتبره مكافأة دمشق المعادية لها. والخطأ الكارثي هنا الاعتقاد بان التفاوض مكافأة بل هي مغامرة كبيرة من جانب السوريين. كان الأجدر أن يستمر الاميركيون في خلافهم مع النظام السوري في قضايا العراق ولبنان وإيران وغيرها والسماح لإسرائيل بأن تباشر مفاوضاتها معه.

ولو نجحت المفاوضات، وهو أمر ليس بالسهل سياسيا، فان ذلك سيعني انقلابا خطيرا في مفهوم المنطقة السياسي. السلام مع الأسد سيكون أهم من صلح عرفات في أوسلو، ولن يقل عن سلام كامب ديفيد. سيقضي لو نجح على أهم عامل توتر في الشأن الفلسطيني الذي كان مصدره سورية. وبالتالي من الخطأ ان تخلط الولايات المتحدة بين خلافها مع سورية في العراق ورغبة سورية في التوصل إلى سلام.

بل إننا لا نبالغ إن قلنا ان الاحتقان السياسي السوري سببه النزاع الطويل مع إسرائيل. فالانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان شكل حرجا كبيرا للسوريين ودليلا على أن العنف خير سياسة في المنطقة. يرون أن التزامهم بسلام الهدنة منذ فك الاشتباك مع إسرائيل في هضبة الجولان لأكثر من ثلاثين سنة لم يمنحهم إلا الإهمال أما الذين قارعوا إسرائيل بالقوة مثل حزب الله في الجنوب فقد منحوا كل أرضهم تقريبا وصاروا أبطالا. وأي سوري يمكن أن يسأل سؤالا منطقيا لماذا نحترم السلام طالما ان المواجهة بالقوة تحقق نتائج أفضل؟

ومع اختلافنا مع دمشق في تحالفها الخطير مع إيران ضد دول المنطقة العربية الأخرى ومساندتها للفوضى في لبنان ومسؤوليتها الكبيرة في الإرهاب الذي أصاب العراق إلا أننا يجب أن نساعد سورية على حل قضيتها الرئيسية، بتحرير أرضها المحتلة في الجولان لا تحرير مزارع شبعا.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف