خط الدم.. الأخضر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء 20 ديسمبر2006
خيري منصور
أحياناً، يصبح تكرار شعار ما بافراط غير محسوب دليلاً على تفريغه من محتواه، وما يقال عبر المنابر والفضائيات عن الدم الفلسطيني باعتباره خطاً أحمر يعني العكس تماماً، ففي العراق أصبح الدم العراقي خطاً من مختلف الألوان باستثناء الأحمر، وهذا ما يحدث الآن في غزة ورام الله، وتطوع البعض بالمجان لخلق التباس حول صفة قاتلي الأطفال، ومحترفي الاغتيال فهذه الصفات لم تعد صهيونية خالصة، وأدخل إليها من أصابهم العمى في الصميم من القلب بعداً جديداً للمعادلة التي كانت للتو ذات حدين واضحين.
وما ان ترد كلمة ldquo;خطrdquo; في الإعلام العربي حتى يختلط الأمر، فثمة خطوط للفقر وأخرى لحدود الأوطان، كالخط الأخضر في فلسطين والأزرق في لبنان، لكن خط الدم يبقى خارج هذه الخريطة.
ولا ندري لماذا لا يخطر ببال من استباحوا الخطوط كلها ان الضحية المحاصرة حين تشهر سيفها على ضحية أخرى بالقرب منها تكون قد قررت الانتحار وهي آخر من يعلم.
وإذا قيّض لهذه الفلسفة القومية والوطنية المضادة أن تتمدد لتشمل الوطن العربي فإنه يصبح بحاجة إلى عشرة أضعاف سكانه كي ينجو من الانتحار الجماعي.
فكم هو عدد العراقيين حتى يقتل منهم يومياً ما لا يقل عن مائة وخمسين انساناً ثلثهم يطلق عليهم في عملية تصنيف القتل من أصحاب الهويات المجهولة.
وكم هو عدد الفلسطينيين في الداخل بحيث يضاف الى العشرة المبشرين بالوطن والذين تقتلهم ldquo;إسرائيلrdquo; يومياً خمسة آخرون يقتلهم اخوتهم؟ وليس هذا مقترباً ديمغرافياً لظاهرة القتل والاغتيال، لأن حالة واحدة تكفي رمزياً لتشمل الجميع بلا استثناء.
ألا يخطر ببال من انتهت المفاضلة بالنسبة اليهم بين الوطن والمقعد لمصلحة هذا الأخير ان المقاعد كلها محتلة؟ وأن الزعامة لا معنى لها عندما تكون على خازوق؟
إن أسوأ ما يقدمه من يشبهون القطط سواء في التهام الأبناء أو لعق المبارد هو ذريعة تستخدمها الدولة العبرية لتبرير وتمرير مذابحها، فلسان حالها يقول للعالم بأسره: انظر ما الذي يفعله الفلسطيني بتوأمه؟ وبالتالي بنفسه؟
لماذا يعاقب الشعب المحاصر والباسل الذي جاع ولم يأكل بثدييه مرتين، مرة من غزاته ومرة من ذويه؟
وهل تبقى لدى هؤلاء الأسرى في عقر وطنهم متسع من الاحتمال، بحيث تضاف الى عذاباتهم جرعات من ذوي القربى؟
إن فقه الإرشاد الوطني، وأدبيات الوعظ لا تليق بهذا الانتحار، ولا بد من طرق بوابات أخرى بحثاً عن بيت الداء وبيت الكوارث كلها، فقد عرف العرب من قبل كيف يمكن لغزاتهم أن يتسربوا من صدوع أسوارهم، وثقوب ثيابهم، وخبروا عن كثب محاصيل النكاية السياسية، والثأرية العمياء.
لكن البصائر تصاب بالعطب أحياناً رغم أن البصر بكامل حدته، وقد تكون هذه الآونة بكل استثنائيتها ودراميتها فرصة لكي يتأمل من خلالها المؤرخون العاطلون عن التاريخ عينة من حروب القبائل والفصائل.
أما الخطابات المتكررة والتي تقدم ضمانات لفظية لعدم وقوع حرب أهلية فهي عزف بلا أوتار ورقص بلا أقدام.