روايات مختلفة في الشرق الأوسط

روبرت فيسك - الاندبندنت

خلال الأسبوع الماضي عرض الرئيس الإيراني أحمدي نجاد بلاده للنقد بسبب افتتاحه لمؤتمر حول المحرقة اليهودية.
أتساءل دائماً كيف يمكن لمن في الشرق الأوسط أن يتوقعوا من الغرب فهم التطهير العرقي لـ750.000 رجل وامرأة وطفل من فلسطين عام 1948، عندما لا يحاولون أن يناقشوا بهدوء ما ألم باليهود في أوروبا؟ وهنا بالطبع تكمن المفارقة الكبيرة للقضية كلها. إذ إن ما على المسلمين في الشرق الأوسط أن يفعلوه هو أن يقولوا للعالم إنهم لم يكونوا مسؤولين عن المحرقة اليهودية، وإن من العار والظلم الفادح أن الفلسطينيين يجب أن يعانوا بسبب شيء لم يكونوا طرفاً فيه، وأن يعاملوا وكأنهم كانوا طرفاً.

صحيح أن المفتي الفلسطيني صافح هتلر، وأنه أدلى بعدة تصريحات معادية لليهود في ألمانيا، وساعد على تشكيل وحدة في الجيش الألماني في البوسنة. أنا لدي نسخ من خطاباته وصورته معلقة في متحف (ياد قاشيم اليهودي)، لكن الفلسطينيين المقهورين والمطحونين والقابعين تحت الاحتلال والمذبوحين الذين يعيشون في أيامنا هذه - فلسطينيي صبرا وشاتيلا وجنين وبيت حانون - لم يكونوا حتى قد ولدوا في الحرب العالمية الثانية.

لكن من العار الأبدي على إسرائيل وقادتها أن يتظاهروا وكأن الفلسطينيين كانوا طرفاً في الحرب العالمية الثانية. عندما كان الجيش الإسرائيلي يتقدم نحو بيروت عام 1982، كتب رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الوقت مناحيم بيجن رسالة مجنونة إلى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان يشرح فيها أنه كان يشعر أنه يزحف نحو برلين لتصفية هتلر (أي ياسر عرفات، الذي كان يصف مقاتليه بالمدافعين عن ستالينجراد).

وكتب الصحفي الإسرائيلي الجريء يوري أفيزي رسالة مفتوحة إلى بيجن، بدأها بقوله: "السيد رئيس الوزراء، هتلر مات". لكن هذا لم يمنع أرييل شارون من محاولة الخدعة نفسها عام 1989. وحاول شارون حينها أن يقنع الإدارة الأمريكية أن اتصالات عرفات بالخارجية الأمريكية كانت شبيهة باتصالات هتلر "الذي كان هو أيضاً يريد التفاوض مع الحلفاء في الجزء الثاني من الحرب العالمية الثانية". وأضاف شارون في حديث لصحيفة وول ستريت جورنال... "عرفات ينتمي إلى نفس النوع من الاعداء".

كما أن ممارسات الجيش الإسرائيلي ليس من السهولة أحياناً تفريقها عن ممارسات الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية. خلال مذابح صبرا وشاتيلا - عندما أرسلت إسرائيل ميليشيات الكتائب الغاضبة إلى المخيمات، بعد أن قالوا لهم إن الفلسطينيين قتلوا قائدهم المحبوب بشير الجميل - ذبح حوالي 17.000 فلسطيني. الجنود الإسرائيليون راقبوا ما يحدث، ولم يفعلوا شيئاً.
الروائي الإسرائيلي يهوشوا قال إنه حتى لو لم يكن الجنود الإسرائيليون يعرفون ما كان يحدث، "فإن ذلك مثل عدم معرفة الألمان الذين وقفوا خارج بوشنوالد وتريبلينكا ولم يعرفوا ما كان يحدث".
بعد الجرائم التي ارتكبت في جنين، قالت الصحافة الإسرائيلية إن ضابطاً إسرائيلياً اقترح على رجاله أن يدرسوا أساليب الجنود النازيين في القتال القريب في وارسو عام 1944.
وعليّ أن أقول أيضاً إنه بعد أن قتل أعداد كبيرة من اللاجئين المدنيين اللبنانيين على طرقات لبنان من قبل سلاح الجو الإسرائيلي في أعوام: 1996،1993،1982،1978، ومرة أخرى في الصيف الماضي، كيف نستطيع تجنب مقارنة ذلك مع هجمات النازيين على اللاجئين الفرنسيين عام 1942؟ قتل آلاف اللبنانيين بهذه الطريقة خلال السنوات الـ25 الماضية.

أما الحديث عن "دروع بشرية "فهو ليس أكثر من هراء. ماذا عن سيارة الإسعاف المليئة بالنساء والأطفال التي قصفتها طائرة مروحية إسرائيلية تطير على ارتفاع منخفض عام 1996؟ أو قافلة اللاجئين الذين تمزقت أجسامهم إلى أشلاء بسبب قصف طائرة مروحية إسرائيلية تطير على ارتفاع منخفض أيضاً، فيما كانوا يهربون على الطرقات بعد أن تلقوا أوامر بمغادرة منازلهم من الإسرائيليين؟
حان الوقت لنتحدث عن جرائم حرب ما لم يوقفوا هذه الهجمات ضد اللاجئين. من حق العرب أن يقولوا الشيء نفسه. يجب أن يفعلوا ذلك. لكن عليهم أن يناقشوا التاريخ اليهودي، ويأخذوا درساً، ربما، من المؤرخين الإسرائيليين الذين يقولون الحقيقة عن الوحشية التي رافقت إقامة إسرائيل.