جريدة الجرائد

’’حزب ولاية الفقيه’’ في لبنان: هل يعقل ويتعقل؟

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

علي حماده

التهديدات بالعصيان المدني وقطع الطرق وقفل المرافق العامة التي يطلقها أيتام النظام السوري لا قيمة لها، ما لم تقترن بانخراط "حزب الله" فيها، وهو الجهة الوحيدة التي تقدر على تحطيم البنيان الوطني اللبناني. من هذا المنطلق ليس السؤال عما يريده هذا او ذاك من أيتام هم في الحقيقة أشبه بـ"جنرالات بلا عسكر"، يقاتلون بجمهور غيرهم، ويصطنعون البطولات بقوة الآخرين.

لا يرمي هذا التوصيف للأيتام الى التخفيف من مسؤولية "حزب الله" الكبيرة عما آلت اليه الاوضاع الحالية من ترد على مستوى البناء الوطني المشترك. فـ"حزب ولاية الفقيه" في لبنان مسؤول في الدرجة الاولى عن تنفيذ انقلاب موصوف لأهداف خارجية لا يختلف عليها اثنان في لبنان والخارج. والمشكلة ذات شقين: الأول محاولة الحزب اجهاض المحكمة الدولية لحساب النظام السوري. والثاني محاولته مد هيمنة نظام ولاية الفقيه الايراني الى شاطئ البحر الابيض المتوسط وان كلف الأمر تدمير التركيبة اللبنانية الشديدة الدقة والحساسية. ولتحقيق هذا الامر استغل الحزب مكانته السابقة كحركة تحرير لبنانية عربية اسلامية للنزول الى ازقة بيروت، والتهويل على القوى الاستقلالية، وبتعبير آخر التهويل على غالبية الشعب اللبناني الرافض لعودة المافيا اللبنانية - السورية المشتركة، والرافض اكثر لاستبدال تلك الهيمنة بهيمنة نظام ولاية الفقيه الايراني بواجهات لبنانية.

وفي هذا السياق اثبت "حزب الله" انه قادر على تجييش جموع غفيرة من لون طائفي مذهبي واحد، وفي الوقت نفسه كان يخرج بسرعة البرق من قلوب الفئات الاخرى التي يتشكل منها النسيج اللبناني. ولعل الخسارة الكبرى التي ستتكشف يوماً بعد يوم هي الخسارة من المحيط الى الخليج، وربما على امتداد خريطة الانتشار الاسلامي. لقد انحدر الحزب من مرتبة الحركة التحريرية الى مرتبة القوة التي تسعى الى قهر الآخرين من المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. من هنا التقوقع المخيف الذي سيسقط فيه حزب كان حتى الامس القريب يسكن مخيلة ملايين العرب والمسلمين التائقين الى رفع التحدي في وجه اسرائيل والمشاريع الاميركية.

بالعودة الى لبنان، نقول ايضاً ان مسؤولية "حزب الله" ستكون كبيرة للغاية عما ستؤول اليه الاوضاع في المرحلة المقبلة من شقاق يجري زرعه في البلاد، ومن تهديد صريح لفكرة العيش المشترك، وقد بدأنا نسمع كلاماً صريحاً ينتشر عمودياً وأفقياً عن "استحالة العيش مع ما يمثله حزب الله". وهذا ليس كلاماً يمثل الوجه المستور من فكرة الانفصال التي تعتمل في نفوس بقية الطوائف اللبنانية. وما اسهل ان يفيق شبح ينام طويلا ولكنه لا يزول أبداً في بلاد مثل لبنان.

لقد أوصل تجبر "حزب الله" وطبقيته الفاقعة في التعامل مع بقية الفئات اللبنانية الامور الى مستويات حساسة جداً. وأديا الى انتشار نظرة ريبة سلبية جداً حيال ما يمثل الحزب وخصوصاً من يمثل! وهنا خطورة المسألة على وحدة لبنان مستقبلاً.

نعم يستطيع "حزب ولاية الفقيه" الايراني في لبنان ان يقفل طرقاً، وان يعطل مطار بيروت وربما مرفأها. ويمكنه ايضاً ان يعلن العصيان المدني في مناطقه. لكن عليه ادراك ان تحركه سيبقى ابداً تحركاً فئوياً لأن الواجهات التي يستخدمها اصغر من ان تخرج على بيئاتها المتمسكة بمنطق الدولة والشرعية. وليت الحزب يلقي قبل خوض مغامرة جديدة نظرة فاحصة على التحالفات التي نسجها للتغطية على فئوية انقلابه ليرى كم هي في عزلة في الجوهر عن بيئاتها باختلاف مشاربها.

ان الكرة اليوم هي في ملعب "حزب ولاية الفقيه" في لبنان. ففي يده العودة الى العقل واللبننة بالعودة عن الانقلاب الفئوي. كما بيده التسبب في اشتعال البلاد ولا سيما بوجهه.
فهل يعقل أهل "ولاية الفقيه" في لبنان ويتعقلون؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف