أسعار السلاح ترتفع في السوق السوداء وسط فوضى العراق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
سي. جيه. تشيفي - نيويورك تايمز
وضع متعهد الأمن الكردي الصندوق البلاستيكي الاسود على الطاولة، وفي داخل الصندوق كانت قطع من (غلوك 19)، وهو مسدس من عيار 9 ملليمتر كانت الولايات المتحدة قد ارسلت عشرات الآلاف منه الى الجيش والشرطة العراقيين. ولم يعد هذا المسدس في عهدة الجيش او الشرطة العراقيين. فاما انه سرق او بيع، ووجد طريقه الى واجهة بقالة في الهواء الطلق تقوم بممارسة نشاط تجاري مباشر في سوق سوداء تتاجر باسلحة الشرطة وقوات المشاة في الجيش العراقي. وقد اشتراها المتعهد من هناك.
بعد ذلك، عرض المتعهد مشتريات أخرى، بما في ذلك بندقية هجومية من طراز كلاشينكوف قصيرة الماسورة مع مقبض قابل للطي بحيث يسهل إخفاؤها تحت معطف او يمكن اطلاق النار منها من داخل سيارة. وقال عن البندقية "لقد اشتريت هذه بمبلغ 450 دولاراً، وهي تكلف الان 650 دولاراً. ان الاسعار مستمرة في الارتفاع".
يظهر هذا المسدس المورد اميركيا والبندقية الهجومية التي توجد في كل مكان وزمان كيف ان الخوف وسوء الادارة المؤذي باتا ينشئان سوق بيع الاسلحة الخفي في العراق. وفي الاثناء، ترتفع اسعار الاسلحة بحدة على إيقاع تصاعد وتيرة اتساع الحرب الطائفية، فيما يدفع اقبال المزيد من المشترين على رفع الاسعار عدة مرات مما كانت عليه زمن الغزو الاميركي للعراق قبل اربع سنوات. وقد شجعت الاسعار المرتفعة في المقابل نشوء نوع من الفساد العراقي الداخلي، والمتمثل في هجرة اسلحة الجيش والشرطة من مستودعات اسلحة الدولة العراقية الى مبيعات السوق السوداء.
ما فتئت كافة صنوف أسلحة المشاة من قاذفات القنابل المدفوعة بالصواريخ الى بنادق الكلاشينكوف الكالحة اللون تتداول داخل العراق منذ عقود. لكن هناك ثلاثة انواع من الأسلحة الأميركية الصنع باتت تشاهد حاليا في الحوانيت والاسواق، وهي مسدسات غلوك ورولدز عيار 9 ملليمتر وبنادق كلاشينكوف اصلية وغير مستخدمة مشتراة من دول اوروبية شرقية كانت في فلك الاتحاد السوفياتي السابق. وهي ثلاثة انواع من الانواع الاصلية وعددها 370.000 قطعة سلاح، والتي كانت الولايات المتحدة قد اشترتها لقوات امن العراق في اطار برنامج كان قد انتقده مفتش خاص هذا الخريف لفشله في توثيق الاسلحة بشكل مناسب من بين أمور اخرى.
من السهل العثور على الاسلحة المركونة مع اشياء اخرى في اسواق الشوارع شبه المخفية في السليمانية، تلك المدينة الكردية الشمالية حيث تباع الاسلحة في المقاهي مع الشاي، وفي الغرف الخلفية لاكشاك البقالة، وفي مخازن ادوات التجميل وحوانيت الملابس القديمة او في خزانات السيارات. ويعرض المالكون عينات للشراء الفوري ويقدمون عروضا لتلقي طلبات، ويقولون انه يمكن الحصول على مسدسين خلال ساعتين او في اليوم التالي.
يقول العميد حسن نوري رئيس مكتب التحقيقات السياسية في محافظة السليمانية "كل نوع من انواع المسدسات التي يصرفها الاميركيون يذهب الى السوق.. وهي تذهب من الجيش الاميركي الى الجيش العراقي ومنه الى المهربين. وقد عثرت على العديد من هذه المسدسات التي اشتراها الارهابيون".
ويمكن مشاهدة القوى التي تحرك التجارة في تقلبات أسعار اكثر أنواع الأسلحة وفرة في البلاد وهو بندقية الكلاشينكوف، حيث كان سعر بندقية الكلاشينكوف في اوائل عام 2003 في شمالي العراق يتراوح بين 75 و 150 دولارا، اعتماداً على حالة القطعة وأصلها وطرازها. وفي اعقاب الغزو مباشرة، وفيما تخلى الجنود الهاربون عن بنادقهم واسلحتهم، هبطت الاسعار بسبب تخمة السوق مقرونة بالقليل من مشاعر التفاؤل.
أما اليوم، فان نفس قطعة السلاح تساوي في العادة ما يتراوح بين 210 دولارات و650 دولارا طبقا لمقابلات اجريت مع سبعة متداولين في الاسلحة ومسؤولي امن اكراد رفيعي المستوى وعدة عملاء. وفي مناطق اخرى من العراق، ارتفعت الاسعار كثيرا ووصلت الى 800 دولار وفق فيليب كليكوت، وهو باحث يجمع بيانات عن اسعار الكلاشينكوف في انحاء العالم لصالح منظمة تتخذ من جنيف مقرا لها وتهتم بدراسة تجارة الاسلحة الخفيفة.
إن تفاوتات الاسعار لا تعكس حالة السلاح فقط وانما طرازه ايضا. إذ تكلف بندقية كلاشينكوف صنعت في احدى مصانع الكتلة السوفياتية السابقة اكثر مما تكلف نظيرتها الصينية او الكورية الشمالية او العراقية. وقد اصبحت اسعار الموديلات ذات الاخمص القابل للطي غالية الثمن بشكل استثنائي. ولا تشمل تفاوتات الاسعار بنادق الكلاشينكوف الأفضل توضيبا مثل تلك التي كان اسامة بن لادن قد صور وهو يحملها، والتي أصبحت الآن تساوي كلفة مسجد في العراق ويمكن ان تتكلف اكثر من 2000 دولار.
تقدم اسعار الاسلحة بطرق مختلفة دليلا على تاريخ موسوم بكثافة بانزلاق العراق في هاوية الفوضى العارمة. وكانت الاسعار قد بدأت بالاتجاه صعودا في صيف عام 2003 في وقت دخلت فيه عدة طبقات من الزبائن إلى السوق دفعة واحدة كما قال مسؤولو امن ومتعاملون عراقيون بالاسلحة. وسعى مقاولون امنيون غربيون ومجموعات متمردة من السنة ووحدات شبه سكرية شيعية ومجرمون كان صدام حسين قد اطلق سراحهم عشية اندلاع الحرب إلى الحصول على نفس الاسلحة في آن واحد معا. وقيل ان اسعار الكلاشينكوف وصلت الى حاجز المائتي دولار. ومنذ اواخر السنة الماضية، عاودت الاسعار ارتفاعها مرة اخرى مع انتشار رقعة الحرب الطائفية. وكانت الميليشيات ما تزال تنمو في نفس الوقت الذي اخذ فيه المزيد من المدنيين بالسعي للحصول على اسلحة للدفاع عن النفس. وأدى ارتفاع الطلب إلى رفع الاسعار إلى مستويات عالية جديدة هذا الخريف.
وفي الغضون، قال العميد ساركادت حسن جلال مسؤول الامن في محافظة السليمانية "الان يجد السنة في طلب الاسلحة لانهم يخافون من الشيعة، والشيعة يريدون الاسلحة لانهم يخافون من السنة .. لذلك، فان الاسعار ترتفع". لكن السيد كيليكوت يصف الأمر بطريقة أخرى حيث يقول "عندما يبدأ اصحاب المنازل بالدخول الى السوق، فإنهم يصبحون لقمة سائغة للجميع".
يبدو الارتفاع بيناً في طيف الاسلحة بكامله، حيث تضاعفت اسعار المسدسات ثلاثة اضعاف تقريباً منذ عام 2003. ويقدر ثمن المسدسات الغربية من عيار تسعة ملميتر الآن بما يتراوح بين 1000 الى 1800 دولار في اسواق السليمانية. وتكلف بندقية القناص ما يصل الى ما يتراوح بين 1100 و 2000 دولار وفق ما ذكره متعاملون. اما في الغرب، فان سعر المسدسات المماثلة يتراوح بين 400 إلى 600 دولار. ويقول المتعاملون بالاسلحة ان ارتفاع الاسعار قد افضى الى انتشار ظاهرة سرقة مستودعات الاسلحة التي تعود للدولة، بما في ذلك الاسلحة التي كانت الولايات المتحدة قد بعثت بها لضباط وجنود الشرطة العراقية.
وقال احد المتعاملين، وهو بائع بقالة في الواجهة الامامية من الكشك بينما يعرض أسلحة للبيع في الواجهة الخلفية "في الجنوب، اذا اعطى الاميركيون اسلحة للعراقيين فانك تستطيع شراءها منهم في اليوم التالي مباشرة". واضاف "ان الجيش العراقي كما الشرطة العراقية، كلهم يبيعون الاسلحة التي يتلقونها مباشرة".
وفي الاثناء، لم تكن هناك أي أسلحة معروضة عندما وصل زائران. لكن المالك وأحد أصدقائه سرعان ما أخرجوا بسرعة ست مسدسات ومنصة اطلاق قنابل مدفوعة بصاروخ وثلاثة بنادق كلاشينكوف من سيارة وغرفة اخرى عندما طلب إليهم ذلك. وكانت البنادق الثلاث ومنصة الاطلاق ملفوفة في اكياس ارز، وأخرج البائع بندقيتين من الكيس، ولم تكونا تشكوان من اي عيب أو بلى سواء من الداخل أو الخارج، وبدا انهما لم تستخدم من قبل. وكانت كلها قيد التخزين وسعرت كل واحدة منها بمبلغ 560 دولارا. وقال المتعامل انها قد اخذت مؤخرا من مستودع اسلحة عراقي، واضاف "ان كل الاسلحة تقريباً تأتي من الشرطة والجيش العراقيين، فهم افضل مزودينا". وكان احد المسدسات من نوع (نيو وولذربي 99)، وهو مسدس عيار 9 ملم قال المتعامل أن الأميركيين قد صرفوه لصالح الشرطة العراقية. وكان المسدس ما يزال في علبته. كما إن من السهل العثور على مسدسات غلوك. وقد عرض شاب عراقي يدعى ربوار مصطفى مسدس غلوك 19 كان قد اشتراه من السوق في كركوك في السنة الماضية مقابل 900 دولار، وقال ان خمسة من اصدقائه قد اشتروا موديلات مماثلة. وعندما سئل عما اذا كان قد فوجئ حين وجد الشرطة والجيش العراقيين يبيعون اسلحتهم، سخر وقال "إن كل شيء يذهب الى السوق". واضاف "ليست المسدسات فقط هي التي تباع، فهناك الكثير من سيارات الشرطة يتم بيعها. وقد جلب لنا المهربون ثلاث سيارات وسألونا اذا كنا راغبين في شرائها. كانت ابوابها ما تزال زرقاء وعلامات الشرطة ما زالت عليها وكانت الاضواء ايضاً ما تزال في مكانها في الاعلى".
وبالرغم من ان مستوى مبيعات الاسلحة ضخم بشكل لا يقبل الخطأ، فإنه يظل من المستحيل قياسه بالضبط. وفي الغضون، يتم التكتم على المبيعات في الغالب وعدم تسجيلها. كما أن تعقب الاسلحة المصدرة من اميركا للوحدات العراقية التي تقوم ببيعها بدورها هي عملية صعبة، لان الولايات المتحدة لم تسجل ارقاماً متسلسلة لمعظم قطع السلاح الخفيف التي اشتريت لصالح قوات الأمن العراقية، والتي قارب عددها 370.000 قطعة، طبقاً لتقرير وضعه المفتش العام الذي كلف بمراجعة ملف اعادة اعمار العراق.
وكان قد تم دفع ثمن الاسلحة البالغ 133 مليون دولار من صندوق اغاثة واعادة اعمار العراق. وكان من بينها على الأقل 138.000 مسدس غلوك، إضافة إلى 165.000 بندقية هجومية من طراز كلاشينكوف على الأقل، والتي لم يسبق لها ان استخدمت وفق ما ذكره التقرير.
وفي الاثناء، وافق اللفتنانت جنرال مارتن اي دمبسي قائد قوات الأمن الانتقالية متعددة الجنسيات في العراق على ان الاسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة قد تسربت من المخازن. وقال الجنرال دمبسي "إنني أعترف بالتأكيد بأن هناك اسلحة فقدت أو سرقت واعطيت لاشخاص بالخطأ". وكان المفتش العام قد قدر أن ما نسبته 4%، او حوالي 14.000 قطعة سلاح قد فقدت في الفترة ما بين وصولها الى العراق وتحويلها الى القوات العراقية. وكانت معظم تلك الاسلحة من المسدسات.
واشار الجنرال في الاثناء الى انه يعتقد بأن التقويم كان عالياً وان عمليات التسجيل اخذة في التحسن. وقال انه يجري حالياً تخصيص سجل للاسلحة "وانه يتم تسجيل ارقامها المتسلسلة".
لكن التقويم القائل بخسارة نسبتها 4% لم يشتمل على اسلحة فقدت او سرقت بعد ان تم تسليمها لوحدات عراقية، والتي قال متعاملون بالاسلحة انها كانت المصدر الرئيسي لسلعهم. وقد تحدث المتعاملون بالاسلحة عن عدة عوامل جعلت الاسلحة تتدفق من مخازن عهدة الدولة.
كانت بعض الأسلحة قد أخذت من المتمردين خلال الكمائن أو الغارات، وما تزال الانشقاقات وحركات الاستقلال شائعة في صفوف وحدات الجيش والشرطة العراقيين كما قالوا، وغالباً ما يغادر الجنود والضباط المستقلون ومعهم اسلحتهم التي تقدر اثمانها بأعلى من رواتب عدة اشهر. وفي الاثناء قال آرون كارب، الباحث في الاسلحة الخفيفة في جامعة اولد دومينيون ان العراق اصبح يشبه البلدان الافريقية التي كانت تواجه صعوبات استثنائية مع بيع قوات الشرطة مسدساتها. وقال "لقد أصبحت الاسلحة اثمن شيء في المنزل". واضاف "اذا حصل اي شيء لعائلة ضابط ما في الشرطة واحتاج الى اموال، فإنك تراه يذهب الى مكتبه في اليوم التالي ويقول "يا للهول، لقد سرق مسدسي".
وقال متعامل اسلحة آخر يقول مسؤولون اكراد انه ما فتئ يزودهم بالاسلحة منذ عام 1991 "ان آخر مبيعات في السوق السوداء اخذت منحى الطراز القديم. وشرح بقوله ان ضباط الجيش العراقي طيلة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين كانوا منخرطين في بيع الاسلحة للمهربين. وكانت تلك هي الكيفية التي حافظ فيها رجال حرب العصابات الاكراد على استمرار حصولهم على الاسلحة".
والان، يظل المهربون مواظبين على الاستمرار في خطهم التجاري، فيما أصبحت تجارتهم أكثر سهولة لان الوحدات لا يكون لديها في الغالب سجلات لمخازنها. وقال "انني اندهش احياناً من أعداد قطع الأسلحة التي تأتي أحياناً بالمئات".