جماعة لبنان ’’الإسلامية’’
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
خليل علي حيدر
برز في لبنان خلال العقود الأخيرة، وبخاصة بعد نكبة 1948 في فلسطين، ونكسة 1967، ونجاح الثورة الإيرانية 1979، العديد من أحزاب "الإسلام السياسي"، ورغم أن معظم الأضواء قد ركزت على "حزب الله" وحركة "أمل" وهما من القوى السياسية الشيعية الكبرى في لبنان، فإن في البلاد خمسة تنظيمات أو جماعات تمثل السُّنة: الجماعة الإسلامية، "حزب التحرير الإسلامي"، حركة التوحيد الإسلامية، جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية "الأحباش"، ثم الجماعات السلفية. ونود أن نخصص هذا المقال للحديث عن أهم هذه الأحزاب، ألا وهو "الجماعة الإسلامية"، التي قام أكبر مفكريها د. فتحي يكن، بإمامة صلاة الجمعة يوم 8/12/2006، مصلياً بالسُّنة والشيعة معاً ممن كانوا -ولا يزالون- معتصمين ضد الحكومة اللبنانية.
نشأت "الجماعة الإسلامية" في رحم جماعة سبقتها هي "جماعة عباد الرحمن"، التي أسسها محمد عمر الداعوق عام 1948، الذي بدأ نشاطه العام في بيروت تحت تأثير المأساة الفلسطينية، مندداً بالبعد عن الإسلام. وكان أبرز من انضم إلى الجماعة "فتحي يكن"، الذي ولد في عائلة متدينة إلا أنه درس في المدرسة الأميركية (الإنجيلية) في طرابلس مسقط رأسه.
بدأت رحلة "يكن" العقائدية مع اطلاعه على كتب سيد قطب وبقية كُتاب "الإخوان" و"الجماعة الإسلامية الباكستانية"، وبهذا خرج "من دائرة الإسلامي الوراثي إلى دائرة الإسلام الانتمائي القائم على المعرفة والإيمان والعمل". (الحركات الإسلامية في لبنان، د. عبدالغني عماد، ص 33).
كان "الداعوق"- يقول د. عماد، "يريد لجماعته أن تبقى تربوية، دعوية، أخلاقية، أقرب ما تكون إلى الخيرية والكشفية. كان يريد أن ينأى بجماعته عن إرث الصراع الناصري- الإخواني، إلا أن "يكن" ورفاقه، كانوا يرون أن الجماعة بهذا النهج "لا تستطيع الصمود". وهكذا قام "يكن" وفيصل المولوي ومحمد علي الضناوي سنة 1964 بتأسيس "الجماعة الإسلامية"، التي أصبحت ضمن جماعات "الإخوان المسلمين" في العالم العربي، وممثل تيار "الإخوان" في لبنان.
كانت لـ"الجماعة" عام 1958، قبل إشهارها، مشاركة في الحركة المعادية ضد الرئيس "شمعون" وتجديد ولايته وسياسته الموالية للغرب. كما أنشأت الجماعة بالتعاون مع إسلاميين مستقلين "جمعية التربية الإسلامية"، التي مهدت لسلسلة من "مدارس الإيمان" بهدف (إعداد الناشئة إعداداً إسلامياً صحيحاً. كما قامت هذه الشبكة التعليمية بدور رئيس في إعداد الشباب والكوادر للحزب. وعلى مدى عامي 1975- 1976، خاضت الجماعة غمار تجربة العمل العسكري أثناء الحرب الأهلية اللبنانية من خلال تنظيم "المجاهدون")، "ولم يعرف لهذا التنظيم قيامه بدور ملحوظ أو مؤثر في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي للجنوب".
وقع قائد "الجماعة" ومفكرها "فتحي يكن" كما ذكرنا، تحت التأثير الشديد للجناح المتطرف من مفكري "الإخوان" والجماعات الإسلامية، فطبع فكر الإسلاميين اللبنانيين من "الجماعة" وأدبيات الحزب، بما اقتبسه من أفكار ومصطلحات المودودي وقطب، من إعلان جاهلية المجتمعات المعاصرة، وتكفير الأنظمة والدول القائمة.
لقد ابتلع "يكن" وجماعته فكر متشددي "الإخوان" دون مضع أو هضم، ولم يحاول أن يدرسها أو يحللها من خلال الواقع اللبناني والواقع الديمقراطي التعددي. ولهذا، "كان الاتجاه نحو التلبنُن بطيئاً لدى الجماعة، فقد كان الأمر يتطلب قدراً من التسييس لم تكن الجماعة قد أعدّت نفسها له". (الحركات، ص 58).
تناولت "الجماعة" بعض مشاكل الواقع اللبناني في كتيب "الجماعة الإسلامية في الأزمة اللبنانية"، فاعتمدت برنامجاً من عشر نقاط من بينها تعديل الدستور وإلغاء الطائفية وتغيير قانون الجنسية والجيش، وتأمين التعليم المجاني. وفي كتاب "المسألة اللبنانية من منظور إسلامي"، 1979، ينطلق "فتحي يكن" من أن "الكيان اللبناني قام بإرادة استعمارية ليواجه في تاريخه القصير عشرات الفتن والكوارث لأنه في الواقع يفقد مبررات الحياة ككيان منفصل".
وبعد مجموعة من التحليلات الدينية العقائدية، يستنتج ما يلي: "إن الحل الذي يمكن أن يفتت التناقضات المتأصلة في الكيان اللبناني، هو أن يندمج في كيان أكبر منه، وأن يعود إلى ما كان عليه قبل عام 1920، جزءاً من بلاد الشام، وإن كان لا يغيب عن البال ما يعترض هذا الحل من عقبات"! ولا يرى "يكن" بأساً في فرض الجزية على المسيحيين اللبنانيين والعرب، ولكن "تُرفع عنهم إذا ما أرادوا أن يحاربوا مع المسلمين".
أدت ظروف لبنان السياسية إلى تغيير لغة "الجماعة الإسلامية"، وإلى إكثار الحديث عن فقه "الضرورة" و"المرحلة" وفقه "التمكين"، والذي توج في إقرارهم المشاركة بالحياة السياسية والانتخابات النيابية عام 1992. ولكن هذه المشاركة، كما يلاحظ د. عماد في دراسته الشاملة عن الحركات الإسلامية اللبنانية، "لم تترافق مع مراجعة نقدية وفكرية علنية للأطروحات السابقة القائلة بكفر الأنظمة الوضعية وجاهلية المجتمع".
ومثل هذه التحولات السياسية تكررت مع الإسلاميين في دول عديدة عندما اكتشفوا إمكانية الاستفادة القصوى من العملية الانتخابية. وقد أصدرت "الجماعة" لائحة تدافع فيها عن قرارها الدخول إلى المعترك الانتخابي ضد من اعترض من أعضاء الجماعة على هذا الدخول.
اقتحمت الجماعة البرلمان اللبناني عام 1992 بفوز ثلاثة مرشحين بينهم قائد الجماعة "فتحي يكن"، وفي دورة الانتخابات لعام 1996 دخلت الجماعة في تحالفات انتخابية قوية بعد أن أصبحت لاعباً انتخابياً أساسياً، وخاصة على مستوى الشمال. ولكن سرعان ما برزت في الجماعة خلافات حادة أعلن "فتحي يكن" إثرها نيته بالعزوف عن الترشيح، في الوقت الذي أعلنت فيه زوجته "منى يكن" ترشيحها. وقد تراجع حضور الجماعة في المجلس النيابي لعام 1996 إلى نائب واحد (خالد ضاهر عن عكار) بعدما كان ثلاثة نواب عام 1992. ولكن الصدمة الأقوى كانت تتمثل في فشل الأمين العام الجديد للجماعة السيد "فيصل مولوي" في الفوز، والأصوات المتدنية التي نالها مرشح الجماعة زهير العبيدي في بيروت. أما نتائج انتخابات عام 2000، فكانت كارثية، حيث لم يفز أحد من مرشحيها، كما لم يحصلوا إلا على نسبة ضئيلة من الأصوات. وكان من بين نتائج هذه الانتخابات تقديم المكتب السياسي استقالته الجماعية. ولم تشترك الجماعة في الانتخابات التي جرت في يونيو 2005، بعد الانسحاب السوري متذرعة برفضها لقانون الانتخابات، علماً بأنه القانون نفسه الذي خاضت الانتخابات على أساسه عام 2000. وكانت الجماعة قد شاركت قبل عام في الانتخابات البلدية لعام 2004، وحققت نتائج متواضعة في المدن.
طالبت "الجماعة" بشيء من التردد باستقالة الرئيس إميل لحود من رئاسة الجمهورية، واتخذت موقفاً أكثر تصعيداً إثر اغتيال الرئيس الحريري، ودعمت إنشاء لجنة تحقيق دولية ومحكمة دولية. ولكن تجربة الجماعة مع الانتخابات اللبنانية، وكل المناخ التعددي من حولها، لم تعمق إيمان قائدها التاريخي "فتحي يكن" بالديمقراطية وروح المشاركة والقيادة الجماعية. ففي كتابه المهم "نحو صحوة إسلامية في مستوى العصر"، الصادر عام 1998، بعد خروجه من الأمانة العامة للجماعة بما يشبه الانقلاب التنظيمي، بقي د. يكن، كما يورد د. عماد، مُصراً على أن الشورى "مُعلِمة" أي أنها استشارية فقط، وليست "مُلزمة" للحاكم. وكتب حولها الصفحات الطوال، "مشدداً على أن القيادة في الإسلام فردية وليست جماعية". ولا غرابة في ألا يجد إسلامي شديد الاتباع والإعجاب بسيد قطب والمودودي، مثل د. فتحي يكن، أي خير ومنفعة في قيود الديمقراطية ومزايا تداول السلطة. ولا يزال مثل هذا النمط من التفكير السياسي بين الإسلاميين يهدد الديمقراطية في العالم العربي، حيث حاولت جماعة لبنان الإسلامية أن تزداد انفتاحاً، ولكن ميراث "الإخوان" و"يكن" لا يزالا يثقلان كاهلها!
تصويب:
ورد في مقال "حول الإسلام السياسي في لبنان" المنشور بتاريخ 17/12/2006، خلط غير مقصود، إذ تم الخلط بين الجماعة الإسلامية ود. فتحي يكن، حيث ذُكر أنه "فشل فشلاً ذريعاً في انتخابات 1996". والصواب أنه انسحب منها. إلا أن النتائج كانت صدمة للجماعة وأنصارها، فقد تراجع حضور الجماعة في المجلس النيابي لعام 1996 إلى نائب واحد بعدما كان ثلاثة نواب عام 1992، كما فشل الأمين العام الجديد للجماعة فيصل المولوي في الفوز مما شكل صدمة أقوى.