جريدة الجرائد

منى فيـّاض : إيران تدعم المعارضة في لبنان

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

على سوريا تفسير عدم نشوء مقاومة في الجولان


حوار - منيف الصفوقي

لم تكن منى فياض تعلم ان مقالا نقديا لحزب الله في ظروف صعبة للغاية سيخلف هذا السجال الكبير، لكنها بادرت الى رمي الماء الراكد بحجر أدى إلى مجموعة من التساؤلات المدهشة حولها وحول فكرتها.المقربون من حزب الله اعتبروه طلقة في الخاصرة، فيما استقبله آخرون بتقدير واحترام كونه وضع النقاط على الحروف وكشف المستور في الحرب الأخيرة على لبنان التي دمرت لبنان وطالت مختلف قطاعاته.هذا الرأي كان مخيفاً لدرجة أن ممن عبروا عن امتنانهم لها لم يمتلكوا القدرة لاعلان مواقفهم تلك، لنكتشف واقعا مزيفا يرفض الوصاية الطائفية والحزبية، لكنه واقع يعيش تحت ضغط الاحتياجات اليومية ومخاطر الموقف المناهض والمعارض، ماذا تقول منى فياض وما موقفها مما يجري؟ كل ذلك يتضمنه في الحوار التالي:




* أثار مقال (أن تكون شيعيا الآن) جملة من الردود الغاضبة عليه، فما تفسيرك الآن وبعد انقضاء الحرب على لبنان لهذا السخط الذي طال المقال؟

- يظلم المقال إذا أشير فقط إلى الردود المعادية له والسخط الذي أثاره في أوساط معينة، المقال نال من السخط ما نال،لكنه استقبل بحفاوة بالغة من أوساط عديدة في لبنان والخارج؛ لكن لنكتفي بالردود في لبنان: كان هناك اتصالات عديدة بالهاتف والبريد الالكتروني وفي الشارع ومباشرة من شيعة يثنون على المقال ويوافقونني الرأي وعندما سألتهم لماذا لا يعبرون عن رأيهم علانية (كما فعل الغاضبون بكل حرية) قالوا لي حرفيا إنهم (لا يجرؤون على ذلك!). هذا يعني أن نسأل عن السبب وهذا يتطلب بحثا معمقا ولكنه بجزء منه يتعلق بأن حزب الله حزب مقاوم و مسلح وصحيح أنه لم ولا يستخدم هذا السلاح في الداخل لكن هذا السلاح يلعب دور التخجيل والقمع المبطن من ناحية ويثير شعور القوة ويفرضها من ناحية أخرى.
أما فيما يتعلق بالردود من الطوائف الأخرى، لاحظت أن هذا المقال طمأنهم وهناك من قال (أعطاهم بعض الاوكسيجين) والأمل بأن ليس كل الشيعة (عصبة وجماعة واحدة متراصة وتتبع حزب الله من دون تساؤل!)
أما عن رفض المقال فهذا أيضا طبيعي لأن الناس تعاني من مشاعر الهزيمة تجاه إسرائيل وتعاني من سياسات حكومات الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل وهم مع كل من يعلن حربه عليهما، فكيف إذا كان قد انتصر عليها في العام 2000 وأجبرها على الانسحاب؟ وهذا لا يعني أني ضد هذا الموقف بل على العكس كنت مع تحرير الأرض ومع المقاومة، لكن ما دور المقاومة بعد التحرير؟
ما تبقى من مزارع شبعا المتنازع عليها والأسيرين في إسرائيل يمكن العمل على تحريرهما بواسطة العمل الدبلوماسي وليس باستدراج حرب (والعدو معروف وردود فعله معروفة) هدمت آلاف المنازل وتعطل جزء كبير من البنية التحتية وتسببت بعجز اقتصادي إضافي. والسؤال الآخر إلى المتحمسين وإلى الغاضبين من المقال هو: هل علينا محاربة إسرائيل وحدنا وحصراً من لبنان؟ هل لدينا نحن فقط ارض محتلة يجب تحريرها؟ هل يمكن أن يتحمل جزء صغير من الأمة العربية والإسلامية مهمة محاربة إسرائيل وهزيمة السياسة الأميركية وحصراً من لبنان ؟

* هناك من يرى في آراء منى فياض أنها تنشر أو تحاول نشر ثقافة الذل وسط الشيعة واللبنانيين عموما ما الأسباب وراء مثل هذه التفسيرات في التعامل مع الآراء المخالفة؟

- نشر ثقافة الذل لماذا ماذا كان في المقال أصلاً؟ توصيف للحالة التي أصابت الشيعة فبدوا عليها كتلة متراصة تم توصيف سلوكها!! والدعوة إلى إعمال العقل وإدانة لحرب 12 تموز التي أكدت ثم الأحداث اللاحقة أنها تسببت في كارثة لا تزال تداعياتها قائمة حتى الآن.
إن من يصدر هذه الآراء ينظر عن بعد حقا ولا يعرف معنى المقاومة وأسباب نشوئها عدا عن انه يتمتع بكمية لا بأس بها من العنصرية. لماذا؟
نحن بلدان ندعي التسامح (المفهوم الذي يحتاج إلى نقاش، فالمتسامح يتنازل عن حقه ويتسامح بقبول الآخر المخالف له والمخطئ ضمناً) إذن ندعي التسامح الذي هو قابل للنقاش فلسفياً ولكن الأهم أننا لا نقبل الحوار ولا الرأي الآخر ونتعصب نخوّن كل من يخالفنا الرأي بدل أن نتبادل حوارا عقلانيا ونصل إلى ما هو مشترك أو نقبل بالاختلاف الحقيقي مستبعدين العنف.
على كل حال معظم من ردوا على المقال لم يناقشوه في العمق استخدموا منطق الشتم والمحاججة السطحية (أقول معظم وليس جميع) وكأن همهم كان إعلان الولاء للحزب الإلهي ليس غير، هل تجرؤ على أن تكون ضد الأقوى؟ هذا من ناحية. أما من ناحية أخرى فهذا الرأي يفترض أن الشيعة فقط هم من قاوموا أو يمكنهم أن يفعلوا ذلك؟!! وفي هذا ظلم للبنان وللبنانيين في معظم مكوناتهم وفئاتهم وللشعوب العربية الأخرى والحكم عليها بالنذالة والجبن.

المقاومة انطلقت من لبنان ومن مختلف الطوائف في البداية وحُصرت فيما بعد بيد حزب الله ولغايات معينة على ما يبدو، وتحمّل لبنان ككل مهمة المقاومة بالمعنى الواسع للكلمة؛ فالمقاومة لا يمكن أن تنجح في مهمتها في جو معاد أو غير حاضن ؛ وهنا علينا أيضا السؤال هل هي صدفة أن المقاومة نشأت ونجحت في لبنان؟ لماذا لم تنشأ في سوريا؟ إذا ما اعتمدنا على الخطابات يجب أن نقتنع أن النظام السوري هو من ضحى وحرر لبنان ( وحتى قبل أن يحرر الجولان!!!).

لقد كتبت مقالتي انطلاقا من حقي في إبداء رأيي في بلد يتمتع بحرية - هي التي أنجحت المقاومة تحديدا - كتبته لكي أقول إن المقاومة اختارت المناسبة والمكان واللحظة الخطأ للقيام بعمليتها فهل كانت تعي ذلك وتعمل لمصلحة لبنان؟ وعندما تحظى مقالة بكل هذا الصدى علينا أن نسأل لماذا؟ إن مقالة تنشر ثقافة الذل لا تستحق الرد أصلاً!!

إن من ينشر ثقافة الذل هو من يستبد بالآخرين ويجعلهم مقيمين في سجون الرأي ولا يسمح للآخرين بالنقاش أو بإبداء الرأي أو التداول على مستوى السلطة وغيرها. ما جدوى جر اللبنانيين إلى حرب دون أن يسألهم رأيهم أو أن يهيئ لهم شروط الصمود والمقاومة فاضطروا إلى الهرب بمئات الآلاف وترك قراهم ومنازلهم! وهل هناك أي كبرياء في فقدان المنزل والمدرسة والعمل؟ وهل الكبرياء هي في تحرير ارض وفي إعطاء الذرائع للعدو من اجل إعادة هدمها واحتلالها وقتل وجرح الآلاف من أبنائها؟ أم المقاومة هي في الحفاظ على ما تحرر منها وعلى أمن الناس والعمران؟ وبالتنسيق مع الشركاء في الوطن - بما فيهم الدول المجاورة - من أجل العمل سوياً لتحرير ما تبقى و مساعدة الفلسطينيين على ذلك. فهل ذلك كله مهمة الشيعة في لبنان واللبنانيين فقط ؟ لماذا لأنهم أقوى وأكثر كبرياء؟ هل الآخرون أذلاء؟ وإذا كان الأمر كذلك فلماذا وكيف؟؟

إن هذا المنطق العنصري يصب في إثارة التعصب والمشاعر المتحيزة، هل نحن في لبنان من طينة أخرى غير العرب أو المسلمين عامة؟ هذا تفكير سطحي لم يعد مقبولا علمياً يقوم بلصق مواصفات معينة بشعب أو طائفة معينة لأنه يغفل الشروط الموضوعية التي تساعد شعبا ما على تحرير نفسه. وإذا صحت هذه الفرضية فهل يعني هذا أن علينا تصدير حزب الله نفسه إلى سوريا لكي يحرر الجولان ؟ أم أن المهم هو إعطاء النموذج الذي عليهم التمثل به واتباعه؟ وكذلك من اجل إقناع الشعوب والأنظمة العربية أن الحل يمكن في تهيئة شروط المقاومة وأرضيتها وذلك في نشر التعليم وفي الإصلاحات السياسية والاقتصادية الجذرية وفي نشر الحرية المسؤولة وعدم اضطهاد الشعوب ومواطنيها!!

* الأطروحات التي أطلقها علماء دين شيعة في لبنان مثل الإمام موسى الصدر والإمام محمد شمس الدين كانت تنادي أن الشيعة اللبنانيين مواطنون مرتبطون بوطنهم فقط فهل تغيب هذه الأطروحات وعدم التذكير بها مقصود لذاته أم أن غياب هذه المرجعيات هو من غيب هذه الأطروحات؟

- يلعب الأشخاص - كأشخاص وكحاملي فكر - دوراً كبيرا في التأثير على الأحداث وفي بلورة اتجاهات؛ لكن تلعب أيضا الظروف الموضوعية والشروط التي قد توجدها أطراف عبر دورها أيضا؛ ففي لبنان عمل حزب الله على إنشاء كوادر للمقاومة المسلحة بدعم من سوريا وإيران لكن أيضا على تأطير كوادر حزبية مرجعيتها دينية ودينية خاصة تتبع ولاية الفقيه الطريقة المتبعة في إيران في فهم التشيع كما وخلق مؤسسات إعلامية وتربوية وصحية واجتماعية في وقت غياب الدولة ومعاناة المواطن من الفساد ككل دول العالم الثالث وعدم قدرة الدولة أو رغبتها في ملء هذه الفراغات ..وقام بذلك في بيئة شيعية وانطلاقا من كونه حزبا عقائديا شيعيا ويعلن تبعيته لإيران ويعدها مرجعه الديني والعقائدي.

وهذا لم يكن حال العلماء الآخرين مثل موسى الصدر أو محمد مهدي شمس الدين الذين لا يوافقون على نظرية ولاية الفقيه ولم يعملوا سوى على مؤسسات تعمل مع الشيعة لكن من ضمن أولوية الولاء للوطن والتعامل معه كبلد نهائي لهم. وربما لا يقصد حزب الله إلى العمل على إثارة النعرات الطائفية ولكنه حزب ذو طابع طائفي - وحركة أمل كذلك- ويتوجه إلى أبناء هذه الطائفة ويملك كل هذه القدرات التي تعادل قدرات دولة وبدعم واضح ومباشر من دولة أخرى. إن هذا يثير الخوف بشكل واعٍ أو لا واعٍ لدى المكونات الأخرى للمجتمع اللبناني ولو من دون قصد. فعندما تقوى العصبية عند طرف ما في المعادلة اللبنانية فان هذا يقوي العصبية عند الأطراف الأخرى طالما أن الدولة ضعيفة والولاء ليس للوطن بل للطوائف وبالتبعية المباشرة للخارج.

* كان غالبية الشيعة ـ (السياسيين) منهم في السابق أكثر اقترابا من الفكر اليساري ـ مهدي العامل مثلا ـ وأصبحوا بعد مجيء الخميني الذخيرة الأساسية لحركة أمل وحزب الله ما هو السبب في هذا التغير؟

- كان الشيعة بالطبع جزءا من النسيج اللبناني وأكثر الطوائف انفتاحاً على الآخرين ومن هنا نجد أن الكثير من مثقفيهم (مهدي عامل مفكر ومثقف وليس سياسيا بالمعنى الضيق) وكوادرهم توزعوا على جميع أنواع الأحزاب التي سادت المنطقة في الحقبة السابقة. لكن حركة أمل وحزب الله استتبعا من جهة جزءا منهم وأوجدت فئة أخرى من المثقفين غير الفئات العلمانية السابقة الذين لا يزال جزء منهم على مواقفهم وهم موجودون ويقومون بأعمالهم ولكنهم مهمشون على صعيد التمثيل السياسي الشيعي أو على صعيد الوظائف المهمة التي احتكرت من قبل الحزبين الشيعيين الكبيرين. كما ساهمت التحالفات الانتخابية الأخيرة (بين الأغلبية السنية والدرزية والمسيحية) مع أمل وحزب الله على المزيد من إضعاف هذه الفئة وتهميشها وعدم تمثيلها على المستوى السياسي. لكن ذلك لا يعني أنهم غير موجودين لكن صوتهم مغيب. ثم علينا أن لا ننسى أن غالبية الناس العاديين والضعفاء والممتثلين بالمعنى السياسي والاجتماعي يلتحقون بالأقوى، خاصة عندما يمتلك قدرات في العتاد والسلاح والمؤسسات الخدماتية.

* المؤسسات الثقافية والاجتماعية الإيرانية تؤثر وتسيطر على قطاع واسع من الشيعة في لبنان، ألا ترين أن هذا له أضراره البعيدة على الشيعة في لبنان؟

- إيران تتصرف كدولة إقليمية تسعى إلى تقوية نفوذها من أجل الحفاظ على مصالحها وهي تدعم اتجاهات سياسية معينة من ناحية ومن ناحية أخرى تدعم حركة حماس المقاومة في فلسطين ودعمت حزب الله اللبناني ولذا تحظى بإعجاب فئات متزايدة في الشارع العربي والسني عامة وليس فقط في لبنان. إن ما يساعدها في ذلك العجز العربي وعدم حدوث الإصلاحات الجذرية الضرورية.
أما الآن وخلال هذه الأزمة الأخيرة التي نعاني منها وتهدد وحدة لبنان وكيانه بعد النزول إلى الشارع في اعتصامات مطالبة بإسقاط حكومة منتخبة شرعيا نجد أن إيران لا تقف على الحياد وتدعم المعارضة التي هي ليست شيعية صافية، لكن غالبيتها أو عصبها الأساسي هم الشيعة. وللأسف هذا بدأ يثير الحساسيات المذهبية خاصة مع وجود الحرب الأهلية في العراق (ولو أنها تتخذ شكلا جديدا مختلفا عن الحرب الأهلية اللبنانية) وهذا يضر كثيرا بلبنان وبالدول المجاورة على المدى الطويل وفي هذا ضرر أكيد على الوجود الشيعي في العالم العربي في المستقبل لأنه يحيي نزاعات وقناعات قديمة ومواقف منحازة أثرية وتصورات ذهنية غير متسامحة ورافضة للآخر كما أنها تقوي الحساسيات والاتجاهات التعصبية.

وأرى أن هذا مضر للشيعة في لبنان وفي العالم العربي ككل والتالي مضر بنسيج المجتمع اللبناني والعربي ويزيده انشقاقا وتفسخا لمصلحة إسرائيل بالطبع؛ لان هذا كله لا يساعد على الوحدة والاندماج لكافة المكونات الاجتماعية.

* ثمة صدام بين السنة والشيعة يتضح في التنافس الإقليمي بين المحور الإيراني ـ السوري ومن خلال الخطاب الثوري الإيراني الحالي، ألا ترين أن هذا يؤدي إلى التفرقة والتمزيق بدل النقاط الجامعة بين الطرفين؟

- للأسف الصدام بين الفئتين بدأ في العراق بعد الاحتلال الأميركي بسبب العنف والممارسات التي حصلت والتي تتحمل الولايات المتحدة جزءا كبيرا منها لكن يجب عدم نسيان المثل المعروف: (دود الخل منه وفيه)، وما كان قد هيأ لها بشكل أساسي السياسات التفريقية والمنحازة التي كان قد اتبعها نظام الاستبداد لصدام حسين.

* الشيعة في لبنان يتعاملون بحدة حين يكون موضوع النقاش حول حزب الله أو رموزه فهل سبب ذلك ناجم عن أن شيعة لبنان باتوا موقنين أن حزب الله الضمانة الوحيدة لهم أم أن هناك أسباباً أخرى ؟

- لفهم ذلك يجب العودة إلى جذور المسألة الكامنة في أولوية الانتماء العضوي - أي البديهي والعاطفي للعائلة أو الطائفة أو الدين، وهو مختلف عن الانتماء الواعي والنشط والإرادي لمنظمات مدنية أو مؤسسات اجتماعية أخرى- إن الانتماء للطائفة يدافع من جهة عن الذات ومن جهة أخرى يقود إلى الهيمنة على الآخرين، يصبح الفرد متماهيا مع الجماعة ومتعصبا لها حتى ولو أدى الأمر إلى الدمار، وهذا هو المثال المتكامل المتعصب للغاية. وهذا ما قد يوصل الفرد إلى راحة الضمير بسبب انتفاء مسؤوليته الشخصية برميها على الآخر الكامل القوة فهو لا يقرر عن نفسه بل جماعته من يفعل ذلك عنه، متأملا أن ذلك سوف يؤدي إلى تحول سريع لظروف حياته. إن المسؤولية الفردية تتلخص في الإحساس الداخلي بالذنب الذي يحصن الفرد عند قيامه بعمل ما والذي يجعل منه فرداً واعياً ومسؤولاً.

أما الانقياد الأعمى خلف جماعة ما، فيجعل الفرد يتخلص من حس المسؤولية برميها بين يدي قائد الجماعة فيسقط في الاتكالية والتبعية المفرطة. فهل بإمكان أمثال هؤلاء بناء وطن طالما أن قيادات الجماعات المتنافسة على السلطة هي التي تحركهم؟؟
فبالنسبة للجمهور، أي أولئك الأفراد الذين يعيشون بعض الحرمان أو العجز عن تنفيذ أحلامهم الصغيرة أو الذين يعانون من القلق من المستقبل يعيشون من الآن وصاعدا بانتظار حل سحري ينبثق فجأة على يدي الزعيم الذي يعد الناس بإيجاد مخرج لكل المآزق مقابل عدم معارضته والانقياد الأعمى له.
وهذا ما يحققه الأفراد الملتحقون بالجماعة بحركتهم التعصبية؛ ذلك أن أكثر ما يخيفهم ويعذبهم أفق التغيير الممكن ولا سيما التحول السريع في حياتهم سواء أكان على الصعيد الديني أو القومي أو الاجتماعي.. فكيف الأمر لو اجتمعت هذه جميعها؟؟ . وهذا ما حصل على مستوى الطوائف اللبنانية وإن بدرجات وحقب مختلفة. ففترة الاحتلال الطويلة للجنوب وما رافقها والاضطهاد الذي مارسته الهيمنة السورية على فئات أخرى شكلت كلها ضغوطاً وتسببت بنفس التحدي أيضا موجدة وضعية يصعب تحملها. في مثل هذه الحالات تنكفئ الجماعات إلى حصونها الداخلية متخلصة من الصعوبات والمعوقات؛ ومما يزيد من تماسك الجماعة اعتراف الآخرين بمثل هذا الانتماء وهذا يشكل هدية أخلاقية واجتماعية تزيد من تماسك هذا النسيج الاجتماعي، وإذا كان في الانتماء إلى جماعة نوع من التخلي عن قدر من الحرية فإن ذلك يعوض عنه بإثبات الذات في شكلها الجماعي أي إثبات الهوية الجماعية لهذا الانتماء والتعصب له...

ويتميز التعصب في الاعتقاد وفي التعلق الغامض بأفكار لا يمكن إثباتها أو نفيها . فالمتعصبون سلموا أمرهم لزعيم يمتلك القوة بدلا عنهم في عملية يختلط فيها الروحي بالديني.. ومثل هذه القناعات موظفة نرجسيا بحيث أن أي تعرض لها يعتبر مسا ينال من الشخص نفسه بالكامل.. فهو لا يبحث عن توظيف ذاتي بل يكرس نفسه لمثال مفروض من الخارج ومقبول منه كأمر مفروغ منه وككتلة واحدة فهو يقبل هذا المثال كجزء من تاريخه ومثله الشخصية يرتبط بها بألف خيط وخيط بروابط عاطفية كما هي رمزية ومعرفية وفكرية.. ويصبح التعصب أقوى كلما ارتبط بالوعد بتحقيق رغبات دفينة مكبوتة.
وما يساعد المتعصبين على الانقياد الأعمى، قسمة العالم إلى قسمين، الجيد والرديء، الخير والشرير؛ أن ذلك هو جوهر الفكر المتعصب. فالمتعصب نفسه هو (الجيد)، بينما يجري إضفاء صفة الشر على الآخر، العدو الذي يرغم على خوض معركة دفاعية ثابتة لكي يصون نفسه.

لا يحدث تنفيس التوترات إلا باكتشاف الواقع من جديد، الواقع الذي لديه جوانب سيئة وأخرى جيدة. إذن يعيش المتعصبون في عالم لا واقعي منقسم إلى قسمين حصريين وخاضع لهوامات مرعبة، إن ما يقومون به هو الصواب وما يقوم به الآخرون هو الخطأ وعندما يقترن ذلك باليقين الديني فان الأمور تصبح صعبة ومعقدة وخطيرة. وهذا يحصل على مستوى الجماعات الدينية المتعصبة سواء أكانت شيعية أم سنية.

* هل حزب الله تابع وأن الشيعة يتبعون مراكز استقطاب سياسية ومذهبية مثل سوريا وإيران؟ ما انعكاسات ذلك على لبنان؟

- لا داعي لتفسير هذا الارتباط من قبل أحد، برهنت الأحداث الأخيرة أن حرب 12 تموز والتي كانت بحسب المحللين حرباً استباقية بين إيران وأميركا، كانت كارثة وطنية بما تسببت به بشكل مباشر وبما جرت البلاد إليه والانشقاق الوطني الحاصل الآن. تكاد البلاد أن تسقط في الهاوية فلم يسبق أن حصل في لبنان مثل هذا الانقسام المذهبي ولو على خلفية سياسية تحاول تمويه هذا الانقسام عبر غطاء شكلي من طوائف أخرى يستميلها حزب الله لأسباب ومكاسب شخصية. الواقع أن التجييش المذهبي خطير جدا وطال الشارع ودخل منازل العائلات المختلطة ويؤدي هذا إلى انقسام الشعب اللبناني بين فئتين يبدو الحوار بينهما أصبح أكثر صعوبة حيث تترسخ مرجعية التنابذ والتكفير والتخوين. لكن من الأفضل عدم استخدام كلمة الشيعة بل التعبير السياسي عن هذا الوضع وهو حزب الله وصحيح أن معظم فئات الشيعة تتبعهم الآن ظاهرياً وإن لأسباب مختلفة فليس أقلها أن الجماهير تتبع الأقوى وتتماهى معه عدا عن أن فئات عديدة لا تستطيع أن تجاهر برأيها بسبب انتمائها العضوي وميكانيزمات الامتثال المعروفة. هذا بالإضافة إلى الدعم المالي الذي تحصل عليه.

* هل تعتقدين أن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل كانت حربا على لبنان أو على حزب الله وحده؟ وبرأيك ماذا استفاد لبنان من الحرب وماذا استفاد حزب الله منها وماذا استفادت إسرائيل والدول الأخرى؟

- الحرب الأخيرة كانت بالطبع حربا على كل لبنان وهي أصابت كل لبناني بطريقة أو أخرى إن على المستوى الاقتصادي أو النفسي ويكفي أنها أفقدت اللبناني أي إحساس بالأمن من الآن وصاعدا كما أن الثقة بمستقبل لبنان يتم تبذيرها وإضاعتها عبر كل يوم توتير إضافي. لكنها لم تكن حربا بين لبنان كدولة أو حكومة وبين إسرائيل بل كانت حرباً إقليمية بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة وبين إيران وسوريا من جهة أخرى. ولو حاولت إسرائيل جعلها ضد حزب الله أو ضد الشيعة، ان هذا نفسه يصيب بلبنان ووحدته بأذى كبير نلاحظ حصوله الآن. أكبر الخاسرين كان لبنان بدليل الكارثة التي ننحدر إليها بخطى ثابتة وشبه أكيدة، حزب الله الذي صمد مقاتلوه واستبسلوا ولكنه لم يربح الحرب بدليل المنحى الذي يتخذه سلوكه الآن وكأن ممارساته اليومية ترمي إلى رفع مسؤولية الحرب عنه ورميها - متأخراً- على أكتاف الحكومة (التي يتهمها الآن بالخيانة العظمى ويريد مشاركتها رغم ذلك) وهي التي لم يكن لها أي مسؤولية في اتخاذ قرار ساعد على نشوء هذه الحرب طالما انه هو الذي قرر توقيت العملية وكيفية حصولها. لذا نلاحظ انه تحول إلى الداخل بأسلوب ولغة جديدين للتعويض عن خسائره من ناحية ولإثبات انه انتصر وللحصول على مكاسب في الداخل من ناحية أخرى عبر قلب موازين القوى لصالحه.

إذن الشعب اللبناني منقسم حول هذه المسألة وبشكل خطير يكاد يفوق في خطورته كل المراحل السابقة التي مرّ بها لبنان لأن ما يحصل نوع من الانقلاب على العرف وكل الثوابت السابقة. أميركا خسرت أيضا في هذه الحرب وإسرائيل لم تربح لأنها لم تفرض شروطها في القرار 1701 وهي تحاول عرقلة هذا القرار. الرابح الوحيد هو إيران التي تسوق ربحها الآن على جميع الصعد وخاصة على صعيد امتلاكها للسلاح النووي وسوريا ربحت وهي لذلك طالبت منذ أول يوم انتهت فيه الحرب بإسقاط حكومة لبنان.

* ما السبل التي من الممكن أن تهيئ للبنان تعدداً ديمقراطياً متفرغا لعمليات التنمية والتطوير بدلا من التشنجات السياسية والطائفية؟

- في لبنان هناك بعض العوائق أمام تحقيق مواطنية كاملة والعائق الأساسي هو مسألة الطائفية، ففي وقت ينص الدستور اللبناني على أن اللبنانيين متساوون أمام القانون ويتمتعون بالحقوق السياسية والمدنية من دون أي تمييز، ومتساوون في الواجبات أيضا، ما يفترض التساوي في المواطنة بحسب النص نجد أن اللبنانيين يعاملون في المقابل بوصفهم أعضاء في طوائف تتمتع بحقوق سياسية مختلفة ومتفاوتة. ذلك أن الوصول إلى الوظائف العامة والإدارية والسياسية يخضع لتوزيع طائفي... كذلك فان قانون الانتخاب الموضوع لتنظيم توزيع مقاعد المجلس النيابي بين مختلف الطوائف يجعل هذه الأخيرة وسائط إلزامية بين المواطن - الفرد وبين المجتمع والدولة والنظام السياسي. ويؤدي هذا الأمر إلى إعادة إنتاج العلاقات التقليدية على حساب الفرد والمواطنة.

فإذا كانت كلمة مواطن قد أصبحت في صلب الدستور اللبناني، وفي صلب التداول القانوني والسياسي باعتبارها تحيل إلى المفهوم الذي أشرنا إليه سابقا، أي ذلك الذي انبنى تاريخيا في إطار دولة القانون في القرن العشرين، وتطور في جدلية دائمة مع المجتمع المدني، فإن هذا المفهوم لا يزال بحاجة إلى إعادة بلورة وتطوير .

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف