جريدة الجرائد

العصيان والسنيورة «الملك»

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك




زهير قصيباتي


فلينعَم اللبنانيون في ما تبقى لهم من هدنة الأعياد، قبل الفصل الآخر من اشتباك كل السلطات و"الشوارع"، بتمني الوهم... أن يتاح لهم استفتاء نزيه على تغيير النظام الذي حدد أطره اتفاق الطائف، وعلى الرغبة في عسكرة أبدية للمجتمع (المجتمعات بكل تمايزاتها وثقافاتها) بانتظار "محو اسرائيل" الذي يعدنا به الشقيق الإيراني ليرتاح لبنان من العدو... واستفتاء على المحكمة التي يفترض ان تقتص من أفعى الاغتيالات وتصفية كل من يقول لا، فلا تبقى الديموقراطية مجرد نعمة لفظية، في وطن تحول الى ساحات للقتل، إما بقنابل الإسرائيلي وإما برصاص "الأشباح".

... وأن يتاح للبنانيين استفتاء على أصل الفساد الذي يرفع بعض زعاماتهم شعار محاربته مبرراً لإسقاط الحكومة، ويمعن في جلدِها الى الحد الذي يكاد ان يشيع وهماً بأن الفساد في العالم لبناني المنشأ (!)، ما يقتضي حرباً ضروساً ولو كلّفت وطناً.

مجرد ضرب خيال للحظات تمنٍ، في هدنة محاصرة بكابوس الانفجار الكبير الذي لا ينفع للاطمئنان الى وهن احتمالاته، التحريم اللفظي لـ "الاشتباك" في الشوارع، أو حديث المعارضة عن "أطر ديموقراطية" لعصيان مدني يطاول إغلاق الطرق الرئيسة ومحاصرة مطار بيروت ومرفأها. وتبدو هذه الأطر أقرب الى تهديد الديموقراطية، حين يستحضر التعبير عن الرأي أدوات تشدد الخناق على البلد - فضلاً عن المخاطرة القصوى بتجييش المذهبية إلى عنانها الأعلى - وتدفعه سريعاً الى الإفلاس.

أيمكن مثلاً، افتراض قبول أي سلطة في أي بلد في المنطقة (ولو حليف للمعارضة) أو في الديموقراطيات الغربية، بإغلاق المتظاهرين المطارات والمرافئ، للتعبير عن مطالبهم... أي الإضرار بمصالح البلد بذريعة محاصرة السلطة؟ الأقرب الى الواقع اللبناني، ان قوى 8 آذار ستسعى الى تحييد الجيش من خلال تحدي الحكومة وقدرتها على إعطائه أوامر بالتصدي لمحاولات من ذلك النوع، بالتالي لا تتردد المعارضة في قبول المخاطرة باحتمال انقسام الجيش، ليكتمل انفراط عقد المؤسسات وشرعيتها الموحدة.

لكل ديموقراطيته: في إحدى ساحات ويستمنستر في قلب لندن، رفِعت لشهور لافتات تندد بالحرب على العراق، وتجمع محتجون لم يعطلوا حق غيرهم في العبور أو مظاهر الحياة العادية، ولم يتعمم الرعب من احتمالات الصدام أو الاشتباك. أما في لبنان حيث الديموقراطية "توافقية"، فهناك فريق يتوعد الآخر لقبول كل ما يطلبه وإلا... أي توافق بالإرغام؟ أي ديموقراطية حين تجند الزعامات السواد الكبير من الناس في معسكرين، وكل ما عداهما نشاز؟

وما يثير الريبة ان المعارضة إذ تلوّح بالتصعيد بعد الأعياد، بعدما منّت على المواطنين فوهبتهم هدنة، تسابق ما تبقى من الوقت لإسقاط حكومة فؤاد السنيورة، كأنها تعتقد بأن هذه الحكومة باقية الى الأبد إذا ضاعت "الفرصة" الوشيكة، أو ترى ان السنيورة توَّج نفسه ملكاً ابدياً، لا ينازعه أي خلفٍ من سنّة المعارضين. ويذكر كثيرون من اللبنانيين ممن يشككون في ان تكون الحكومة ورأسها هما الهدف الصافي لهجمة المعسكر الآخر، حقائق لم تطمسها حملات الاتهامات بالعمالة والتواطؤ مع الخارج ومع العدو. حقائق من نوع قديم - جديد في عصب الأزمة:

- ان قيادة المقاومة التي شككت بوطنية الحكومة ورئيسها هي ذاتها التي أشادت بحكومة "المقاومة السياسية" قبل وقف الحرب الهمجية الإسرائيلية وبعدها. فجأة انطلقت حمم التخوين.

- ان الأمين العام لـ "حزب الله" السيد حسن نصر الله هو نفسه الذي تحدى العرب خلال الحرب، طلب وقف النار والسعي لدى أميركا.

- وإحدى عثرات المعارضة التي لم تنتفض قبل الحرب وخلالها لطلب "المشاركة"، هجمة على كل دور عربي، ثم مطالبتها الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى باستكمال جهوده لعدم نعي مبادرة الجامعة! وإذا كانت في رياح التأثيرات الإقليمية حقائق تفسر تخبط قوى 8 آذار وبلوغها مأزق السقف الأعلى، فالأكيد أن لكلٍ من المعسكرين شوارعه، وأن تصعيد ما بعد رأس السنة لا بد من ان يقود الى خسارة مثلثة لجميع اللبنانيين:

- المحكمة ذات الطابع الدولي، إذ يترك النزاع المحلي عليها، ذو البصمات الخارجية، المبادرة لمجلس الأمن كي يشكّل محكمة دولية من دون قضاة لبنانيين، ستوجه الاتهامات في قضية اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

- وحدانية الشرعية والسلطة التنفيذية، إذا مضت المعارضة في مغامرة الحكومة الانتقالية للتخلص من مأزقها مع السنيورة "الملِك".

- ضياع "باريس 3" الذي يبدو الأمل الأخير لتفادي كأس الانهيار الاقتصادي الشامل. إذ ذاك يسهل تطويع الشوارع وإيديولوجياتها لرغبات من يموّل ويسلّح.

رئيس المجلس النيابي نبيه بري زعيم حركة "أمل"، لم يشأ مع مغادرة عمرو موسى بيروت تاركاً اللبنانيين لهدنتهم، إلا ان يبشرهم ببصيص أمل، داعياً الى أخذ العِبَر لحماية "العيش المشترك". فأي عبرة في إصرار بعض زعاماتهم على اقتياد البلد الى انتحار جماعي، فيما هؤلاء الذي يصرّون علناً على الديموقراطية "التوافقية" لا يمارسون إلا معادلة وحيدة: إما أنا وإما أنا... وعلى لبنان السلام.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف