جريدة الجرائد

تدخل بلير يمكن ان يزيد الأمور سوءا في فلسطين

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


رونالد ماكنتاير - الاندبندنت

جاء اكثر الفصول جدارة بالملاحظة خلال مهرجان حماس الاخير يوم الجمعة قبل الماضي في مدينة غزة عندما تم تحويل الجدال السياسي المركزي بين حماس وبين حركة فتح إلى عرض موسيقي، حيث انبرى عضوان بارزان من مجموعات محترفة مفوهة، يمثل كل منهما أحد الفصيلين، بأداء حوار غنائي ثنائي امتاز بخفة الروح، وتم بث الشكاوى الرئيسية المتعلقة بالمقاطعة الدولية للسلطة الفلسطينية بقيادة حماس على الهواء وبصراحة تبعث على الدهشة. وترنم رجل "فتح" بالسؤال: "ألا تستطيعون الاعتراف بإسرائيل ولو بالحد الأدنى؟ إننا لا نتقاضى رواتب، وأنتم تحولوننا إلى شحاذين".

بدا العرض الموسيقي المسلي نغمة نشاز في وقت كان فيه مسلحون من فتح وحماس يطلقون النار على بعضهما البعض في الشوارع. ولكن ربما لم يبلغ ذلك حد الخطر إلا عندما اعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس في اليوم التالي عن نيته اعادة مراجعة اختيار الشعب الفلسطيني لحركة حماس في انتخابات كانون الثاني-يناير الماضي.

أن يكون السيد عباس مضطراً إلى محاولة حل النزاع الذي يزداد دموية من خلال الدعوة الى اجراء انتخابات جديدة بعد اقل من مرور سنة على اخر انتخابات، هو شيء قالت حماس التي تتولى الحكم في الواقع إنها لن تقبله. وبحيث بات يبدو بالكاد الوصفة المناسبة لتحقيق التناغم.

صحيح أن الرئيس الفلسطيني هو الان في موقف ضعيف، لكنه ليس بالشخص الساذج. وقد جاءت تلك المقامرة نتيجة لحنقه من فشل المفاوضات مع حماس حول تشكيل حكومة "الوحدة الوطنية" التي ربما تتمكن من رفع الحصار الاقتصادي الدولي المكبل، والموجه نظريا ضد السلطة الفلسطينية، ولكنه موجه عمليا ضد الشعب الفلسطيني برمته. ولا بد أنه قد ادرك بان تلك المقامرة ستجتذب بعض الدعم الدولي على الاقل. وفي الحقيقة، بدا توني بلير نافد الصبر في مؤتمره الصحافي الذي عقده مؤخراً في غزة، لأن بلدانا اخرى لم تقدم دعما كافيا ماديا ومعنويا على حد سواء للسيد عباس بعد كلمته "العصماء" بالسرعة وبالعلنية اللازمة على النحو الذي فعله هو.

لكن هذه هي النقطة حيث تبدأ المعضلات. إذ يدرك السيد بلير، كما هو مفترض، انه في حال تم إظهار بريطانيا- وربما الولايات المتحدة، على أنهما أكبر داعمي السيد عباس وخطته، فان ذلك لن يساعد موقف اي منهما. ولا يبدو هذا الأمر متعلقاً بالعراق، حيث يبدو السيد بلير مخلصاً وصادقاً فيما يتعلق برغبته بالتوصل الى حل للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي. كما يبدو مخلصاً في الاعتقاد، وعلى نحو عادل، بان الاثر الحميد لمثل ذلك سيمتد الى ما وراء هذه المنطقة. وكان قد ابلغ احد اعضاء الوزارة الاسرائيلية عن رغبته لعب دور في صنع السلام في الشرق الاوسط بعد ان يترك منصبه، ولو أنه لم يحدد طبيعة هذا الدور بعد.

وفي الاثناء، فإن ثمة دلائل على وجود جهد لاشراك جيران عرب ليقوموا بالتحاور نيابة عن الفلسطينيين. لكن صدقية بلير في الكثير من اجزاء العالم العربي كما في الوطن تتحسن بالكاد بسبب موقفه من حرب لبنان، ومن السهل رؤية السبب في رغبته رؤية آخرين يقدمون الدعم لعباس بالحماسة التي يبديها هو نفسه.

غير ان استراتيجية السيد عباس ليست سهلة التسويق. وقد اوضح السيد بلير هذه النقطة في الثامن عشر من كانون الثاني عندما قال بان عباس يمتلك أيضاً تفويضاً ديمقراطياً بوصفه رئيساً، وأن عليه واجب استخدام هذا التفويض في أوقات الأزمة. لكن ذلك لن يوقف حماس عن استغلال شعور سائد أصلاً في شوارع غزة والضفة الغربية بان العالم الغربي يؤيد وجود ديمقراطية في الشرق الاوسط حتى تؤدي تلك الديمقراطية الى نتيجة لا يحبذها الغرب.

لكن هناك اسئلة اخرى حول الخطة. فبافتراض ان حماس قررت في النهاية مقاطعة مثل هذه الانتخابات، فانه ليس من الواضح إن كانت فتح ستفوز فيها. ومع أن معظم استطلاعات الرأى العام تعطي لفتح تقدما طفيفا، إلا أن خليل الشقاقي، اكثر مستطلع فلسطيني لآراء الناخبين احتراما قد تكهن مسبقاً بان النتيجة ستكون "متقاربة إلى حد يائس". وحتى مع الكيد السياسي المرتد على أصحابه لكل الكائدين، فإن أيلولة الرئاسة والمجلس التشريعي لحماس تظل أمراً "لا يمكن استبعاده".

ولكن.. وعلى افتراض ان فتح ستفوز، فهل ستقبل حماس بقسمتها وحسب؟ ان جزءا، ولو أنه يظل جزءاً، من تاريخ الأسابيع القليلة الماضية التي شهدت سفك دماء بازدياد، إنما يشير الى ان عناصر من فتح ما تزال ترفض قبول نتيجة كانون الثاني الماضي. فلماذا يفترض أن تختلف حماس عنها، خاصة عقب انتخابات لم ترغب بها أبدا؟ ولماذا لا تعمل عندذاك على تقويض اي حكومة جديدة تتعهد بالتفاوض على حل يقوم على اساس الدولتين، على الاقل من خلال استئناف الهجمات على اسرائيل كما وعلى حكومة فتح؟

وثمة سيناريو بديل وضعه بعض المسؤولين البريطانيين، والذي يقول إن التهديد باجراء انتخابات قد يقنع حماس اخيرا بالموافقة على تشكيل حكومة "وحدة وطنية" من الأكاديميين المستقلين، والتي تكون قادرة على رفع الحصار. وهناك بالتأكيد مؤشرات على ان بريطانيا ما تزال احرص بعض الشيء على الوصول الى هذه النتيجة اكثر من الولايات المتحدة. لكن اسماعيل هنية كان قد قال في مهرجان غزة مؤخراً ان المنح التي جمعها من ايران وسورية وقطر قد "رفعت الحصار"، ويعني هذا في حد ذاته ان حماس باتت اقل اهتماما بعقد صفقه حول حكومة وحدة وطنية قياسا مع ما كانت عليه قبل شهر او نحو ذلك عندما عرض السيد هنية الاستقالة من رئاسة الوزراء.

وفي الأثناء، يقول دبلوماسيون ان الفكرة التي طرحها بلير اخيرا تدعو الى تعزيز قوى عباس الامنية لتشكل "ردعاً". لكن من الصعب الهروب من الاستنتاج بان الولايات المتحدة لن تقف على الأقل ضد اقدام السيد عباس على اشعال فتيل حرب اهلية دموية ضد حماس التي تصر على انها، مثل حزب الله، مجرد امتداد للتطرف المدعوم إيرانيا. ومع ذلك، وحتى إذا ما كان هذا التحليل في افضل الحالات تبسيطا خطيرا مبالغاً فيه، فلماذا ينجح السيد عباس في تحقيق ما فشلت اسرائيل في تحقيقه طوال ست سنوات من النزاع، وهو ازالة حماس من الوجود؟

هناك الكثير من الاحتمالات بطبيعة الحال. وسينشأ نقاش طويل حول ما اذا كان من الافضل فرض شروط اقل تعنتا على حماس من الاعتراف المسبق باسرائيل ونبذ العمليات المسلحة المستقبلية كافية، مثل الطلب إليها ان توقف اعمال العنف الفعلية كافة. ويعرف السيد بلير تماما ان هذه تمثل شروطاً أصعب مما كانت المملكة المتحدة قد طالبت به في عملية السلام الخاصة بايرلندا الشمالية. وبدون مثل هذا الحصار القاسي، كان يمكن اختبار حماس وهي في موضع المسؤولية من دون ان تكون قادرة على استخدام الحصار كمبرر للفشل، ناهيك عن اجبارها على التعويل بشكل اكبر على ايران.

اما الموضوع الذي لا يعتبر محلاً للنقاش الآن بينما الجهود ما تزال تبذل مرة اخرى لتعزيز مركز السيد عباس، فهو انه كان بالإمكان فعل أكثر بكثير مما تم عندما اصبح رئيسا اول الامر في عام 2005. ولو كانت اسرائيل سخية على نحو ما كأن تقوم باطلاق سراح السجناء كما ناشدها السيد عباس، لكان السيد عباس قد أصبح في موقف اكثر قوة الان.

وفي سياق الدفاع عن السيد بلير، أقول إن اي انخراط دولي في هذه المنطقة يستحق الترحيب. كما أن السيد عباس هو رجل دمث، يزداد حنقه وفق كل الاعتبارات بسبب اعتقاده بأن السيد اولمرت قد يكون مهتما فعلا بالقول الان بان سياسته فيما يتعلق بالانسحابات احادية الجانب من الضفة الغربية قد تلاشت مع تلاشي الامال باحراز نصر كلي في لبنان.

ينبغي ان يكون الامل منصباً على امكانية حل الازمة الفلسطينية التي تزداد تعمقاً بشكل خطير. ويبقى مكمن القلق ماثلا في ان تكون الجهود التي الزم السيد بلير نفسه ببذلها قليلة جدا ومتأخرة جدا في الوقت ذاته.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف