هل عام 2007 هو عام الحرب في الخليج؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
الأربعاء 27 ديسمبر2006
محمد الرميحي
المؤشرات الحسية واضحة، وهي تقترب من الحسم العسكري إذا لم يتدارك العقلاء في اللحظة الأخيرة دفع هذه الحرب المدمرة إلى بعيد. والسنة الحالية تلفظ أنفاسها الأخيرة نجد أن هناك أصواتاً تقربنا من الحرب التي لا يريدها احد، إلا أن الأحداث تأخذنا إليها وبسرعة من الدفع الذاتي لا يستطيع احد أن يتقيها، فهي تبدو وقد استحوذت على الميكانيكية الخاصة بها.
المؤشرات تعتمد على اثنين واضحين، الأول هو التوجه لإصدار قرار من مجلس الأمن بفرض عقوبات اقتصادية على إيران وتحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو القرار الذي تم التلكؤ حوله لفترة طويلة من الزمن، والبند السابع يعني قمة الجدية في تطبيق القرار والسير به نحو نهاياته المحتومة، إذا يعرض الدول التي لا تطبقه إلى عقوبات، وقد يتيح استخدام القوة.
والمؤشر الثاني هو دخول عمارة حربية ضخمة تابعة للولايات المتحدة وتتبعها بريطانيا إلى الخليج، عبارة عن حاملات للطائرات وبوارج وكاسحات ألغام، في عرض للقوة العسكرية غير مسبوق منذ ثلاث سنوات على الأقل إبان الإعداد للحرب على العراق.
الأدبيات الأميركية والغربية -بشكل عام- تبرر هذا الحشد وذلك الإصرار على اتخاذ قرارات حاسمة من عدد من الزوايا، أولها أن إيران في سياساتها الحالية هي مربط الفرس في الاضطراب الحاصل في المنطقة، على الأقل هذا ما يؤمن به كثير من المحللين والسياسيين القريبين من البيت الأبيض ومن مقر رئاسة الحكومة البريطانية وبعض الدوائر الغربية.
ويشار غالبا إلى أن إيران بجانب طموحها في الحصول على السلاح النووي- الذي قد يغير جذريا من توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط ويعطيها نفوذاً واسعا في مجالها الحيوي- هي ليست كباكستان، تحتاج إلى الرادع النووي لأسباب خاصة بها، بل هي تتوق إلى ذلك النوع من التسليح من اجل تأكيد النفوذ وإشاعة تصورها لنوعية الحكم المطلوب في المنطقة. فالثورة الإيرانية كونها ثورة لا بد أن تجاهد لتصدير ما تؤمن به، فهي كما يقول احد المعلقين كراكب الدراجة، أن توقف عن تحريك قدميه توقفت الدراجة وسقط راكبها على الأرض!. فوق ذلك فان الشكوى من أن إيران تضغط بشدة من جهة أخرى على "الديموقراطيات الناشئة" في المصطلح الغربي، وهي الديموقراطيات في لبنان وفلسطين والعراق.
حقا أو باطلا ترى الدوائر الغربية أن إيران تحت علم "مناصرة العرب ضد إسرائيل" تتقدم بسرعة في نشر تصورها وتجد لها موضع قدم في كل المناطق الثلاث، بل وفي صفوف آخرين تحت غطاء سياسي، ليس بالضرورة مماثلين لها في المذهب، ولكن مناصرون لها في السياسة.
بناء على هذا التحليل فان كلفة تأمين السلم في الشرق الأوسط التي يتوجب أن يدفعها الغرب وخاصة الولايات المتحدة، وان كانت كلفة باهظة مالاً ورجالاً، إلا أن التراجع أو التراخي في دفع تلك الكلفة السياسية قد ينتج عنه أضرار اكبر بكثير مما هو ظاهر حاليا مالا ورجالا ونفوذا.
تقرير بيكر-هاملتون الأخير، الذي يبحث عن مخرج لتقليل مقاومة السياسة الأميركية، الذي وجد أمام اقتراحاته اصطفافات مختلفة داخل المنطقة، وفي أروقة المؤسسة الأميركية الحاكمة، والذي أشار إلى حكمة الحوار مع كل من سورية وإيران، وأهمية النظر إلى القضية الفلسطينية وذلك من اجل تخفيف الضغط على القوات الأميركية في العراق من جهة، وتقليل الاستقواء على الديموقراطيات الناشئة من جهة أخرى... هذا التقرير وجد في واشنطن من يقرأه قراءة معاكسة، مفادها أن إيران هي صلب عدم الاستقرار في المنطقة لا غيرها من العواصم، ومتى ما طُوعت إيران بشكل ما لن يبقى لأي من العواصم أو الجماعات السياسية الأخرى ملاذ تلجأ إليه، كون إيران هي صاحبة النفوذ المعنوي، وهي صاحبة "كيس النقد" الأهم في التمويل وهي أيضا صاحبة القول الفصل لمن يتبعها من قوى إقليمية.
بناء على هذا التحليل المبالغ فيه الذي صاحبه تحليل آخر وهو أن كلفة التراجع الأميركي سواء في العراق أو في غيرها من المناطق، هي كلفة باهظة ماليا وسياسيا، ليس في الوقت الحالي ولكن أيضا لعقود مقبلة، ولأن كل المحاولات التي تمت سياسيا لإيجاد مخرج أو باب خلفي لتخفيف المواجهة، لم تجد لها آذانا صاغية في نهاية المطاف، فان العض على الأصابع عملية غير مجدية وتستنزف الطاقات، لذلك فالتوجه إلى أساس المشكلة من اجل التعامل معها تعاملا جذريا هو الأجدى.
لا احد يعرف على وجه اليقين كيف سيتم مثل هذا التعامل إلا أن المؤكد أن مشروع القرار الاممي لحصار إيران وزخم تدفق العمارة العسكرية إلى الخليج -كل ذلك مقرونا بصيحات تغير الاستراتيجية الأميركية والغربية التي سادت في الثلاث سنوات الأخيرة- ينبئ للمتابع بأن شيئا كبيرا يمكن أن يحدث، ومركز ذلك الشيء هو الخليج.
عودتنا إيران في ربع القرن الماضي انها تجيد المناورة وتستفيد من أخطاء الآخرين ولكنها تقيم حساباتها على ميزان دقيق. لقد تخلصت من عدوين كبيرين في الشرق والغرب من حدودها، هما حكم طالبان المتشدد وحكم صدام حسين العدواني، وسقط في كفها ثمرتان ناضجتان هما كابول وبغداد،كما استطاعت أن تقنع الشارع العربي بجديتها في الوقوف أمام الصلف الإسرائيلي، ليس بشكل مباشر ولكن بدعم واضح للمانعة العربية "الفلسطينية أو اللبنانية" عن طريق دفع المال والسلاح والتدريب. كما انها تمددت في الجانب العراقي بسبب علاقاتها القديمة مع بعض اطراف المعارضة العراقية السابقة، أو بسبب حاجة بعض القوى الجديدة العراقية إلى المساندة. إلا أن بداية العام الجديد ربما يشهد بداية تقلص امتداد النفوذ، وهو أمر طبيعي فهناك دائما حدود لاستمرار القوة والنفوذ لأي قوة،حتى لو كانت بمثل القوة الإيرانية.
المساحة الزمنية التي تفصل بين تراجع القوة والنفوذ الإيراني وبين الاستفادة القصوى مما تحقق من نفوذ ستبقى عالقة في يد متخذ القرار الإيراني، ولعل أول ما يمكن التفكير فيه هو مراجعة "الاستقواء على الديموقراطيات الناشئة" بخاصة في العراق ولبنان، ومن ثم فلسطين بالمساعدة في إيجاد مخارج محلية للازمات.
لو تم هذا فان الأطراف الداخلة في اللعبة الصعبة في الأشهر الأولى من العام المقبل يمكن أن تقلل الخسائر الهائلة المتوقعة من الصدام المباشر، فتكلفة السلم هي اقل كثيرا من تكلفة الحروب وأفضل مردودا للشعوب، بخاصة إذا كانت حروباً مفتوحة على الزمن وعلى الأدوات المستخدمة فيها. وما على الأطراف الداخلة في اللعبة إلا النظر بعين حكيمة لما يمكن أن توفره لشعوبها جراء التواضع في رسم الأهداف المرادة.
يبقى العرب والخليجيون الذين ستضطرم منطقتهم بحمم النار الممكنة على هامش التغييرات الكبرى التي تُرسم.