جريدة الجرائد

الولايات المتحدة تريد تسليم الأمن للعراقيين، لكن ذلك قد يعني احيانا تجاهل جرائمهم

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

ظهور أميركي مختلف في العراق



مارك كوكيس - التايم

يعد الكابتن "آدم غريم" رجاله لشن غارة ليلية على ضاحية الميكانيك الرملية التي تقع في جنوب بغداد. والهدف: ملجأ آمن لمن يشتبه بأنهم ميليشيات. ومع ذلك، فان فصيلة غريم لن تقود الغارة. وبدلا من ذلك، سيقوم الأميركيون بدعم القوات العراقية بقيادة قائد شرطة نحيل يدعى العقيد صالح هاشم. ويعرف هاشم الضاحية جيدا، وقد اختار الهدف بنفسه. ويناقش الرجلان الخطة معاً لآخر مرة. حيث سيقوم هاشم ورجاله باقتحام المنزل بينما تؤمن فصيلة غريم الشارع من الخارج وتوفر التغطية.

ينبغي ان تكون هذه الغارة مثالا على التعاون الاميركي-العراقي، وان تفضي الى أسر الاولاد السيئين في نفس الوقت الذي يتم فيه تعزيز ثقة ومهارة الشرطة العراقية. لكن ثمة مشكلة واحدة: فلدى غريم مبرر للاعتقاد بان هاشم "يلعب على الحبلين" في الصراع اليومي الدائر بين القوات الاميركية والجماعات الشيعية المسلحة التي يشك بأنها تنفذ كافة عمليات الاعدام في المنطقة. وبالتأكيد، لا يثق غريم بهاشم، بل هو يشك على اقل تقدير، في ان الأخير يزود المسلحين الشيعة بالذخائر، ويسمح لهم أحيانا بالنوم في ثكنات الشرطة العراقية حيث تقابل القوات الاميركية هاشم خلال ساعات النهار.

والان، هناك اكثر من 4000 جندي اميركي يعملون كمستشارين لقوات الأمن العراقية. واذا وضعت التوصيات التي اقترحتها مجموعة دراسة العراق قيد التنفيذ، فإن ذلك الرقم سينمو بشكل جوهري. ويدعو تقرير لجنة بيكر - هاملتون الى زيادة عدد القوات الاميركية المرافقة للوحدات العراقية الى 20000 جندي في السنة المقبلة. ويقول التقرير ان تعزيز عدد المستشارين سيؤدي الى تحسن في نوعية القوات العراقية ويمهد الطريق امام انسحاب كافة القوات الاميركية من الخطوط الامامية مع حلول عام 2008.

لكن، واستناداً الى حيث تقف القوات العراقية اليوم، فإن مثل هذا الجدول الزمني يعتبر مفرطاً في التفاؤل. ذلك أن القوات الامنية العراقية التي يبلغ عدد افرادها 300000 رجل - وبشكل خاص قوات الشرطة الوطنية باشراف وزارة الداخلية - ما تزال مخترفة بالكامل على يد المليشيات لدرجة ان على بعض المدربين الاميركيين ان يجلبوا مجندين جدداً ويعيدوا تدريب القسم الأكبر من الدفعة الحالية قبل ان يسلموا المسؤوليات القتالية للعراقيين. وثمة مخاوف اصلاً من ان الهرولة نحو تعزيز قوة العراقيين قد تدفع القوات الاميركية الى تجاهل الممارسات العبثية التي يرتكبها نفس الاشخاص الذين تدربهم. ويقول السناتور باترك ليهي، وهو ديمقراطي من فيرمونت ويرأس لجنة التخصيصات المالية التابعة لمجلس الشيوخ الاميركي "انني جد قلق من ان تكون المساعدات الاميركية، بما فيها الاسلحة، قد ذهبت الى قوات الأمن العراقية التي انتهكت حقوق الانسان". وشدد ليهي على القول "إننا نريد بناء قوات عراقية. لكن ذلك لا يعني انه يجب علينا دعم اناس يرتكبون اعمال عنف".

ولعل تجربة تشكيل قوات معدة لغزو ضاحية الميكانيك، والتي تضم خليطاً من قوات جيش المهدي الشيعية ومجموعة مليشيات سنية تدعى كتيبة عمر تلقي بعض الضوء على طبيعة المأزق الاميركي. وقد شهدت الضاحية اشهراً من عمليات القتل بين السنة والشيعة قبل ان تتوصل الى حل، وهو: لكي توقف الجرائم، دع افراد الشرطة الذين هم شيعة في اغلبهم جانبا. ويقول اللفتنانت كولونيل جيفري بترسون قائد القوات الاميركية في الميكانيك "عندما نتحدث إلى السكان المحليين عن (العنف)، فانهم دائما ما يتهمون الشرطة الوطنية بالبدء به. ولم استطع ان اثبت صحة ذلك اطلاقا. لكن الأساس، سواء كان صحيحا ام غير ذلك، هو ان الناس لا يثقون البتة في الشرطة الوطنية".

في اوائل تشرين الاول - اكتوبر، أنشأ الاميركيون ما اسموه منطقة عازلة، وامروا كافة افراد الشرطة بالخروج من منطقة الميكانيك. لكن ثماني جرائم وقعت قبل ان يحكم الطوق الاميركي في منطقة تضم 50000 مواطن، وهوجمت المساجد السنية غالبا من قبل مسلحين شيعة. ويقول الجيش انه فور مغادرة الشرطة للضاحية، فان معدل الجريمة في الميكانيك قد هبط بنسبة 60% فيما توقفت الهجمات على المساجد تماماً.

والسؤال الآن هو ما إذا كان باستطاعة الولايات المتحدة ان تعيد بناء قوة تحظى بثقة كافية لتولي المسؤولية في ضمان أمن الضاحية. وتقوم القوات الاميركية التي تعمل مع القوات الامنية العراقية بالتحقيق احيانا، بل وحتى باعتقال افراد شرطة عراقيين. وفي الاثناء يشير البنتاغون - وزارة الدفاع الاميركية - الى ان وزارة الداخلية العراقية سرحت او علقت خدمات 3000 ضابط بسبب ارتكابهم مخالفات تتراوح بين الفساد و"انتهاك القانون". لكن ضابطا رفيعا في الوزارة تحدث لمجلة التايم شريطة عدم الكشف عن هويته، وقال ان عمليات التسريح كانت اكثر قليلا من مجرد تمثيليات الأحجيات. ويقول أيضا ان الضباط الذين تركوا لاسباب خاصة بهم بلغوا اكثر من 500 حالة من اصل عمليات التسريح المفترضة.

اما معظم الآخرين الذين سمحت لهم الوزارة بترك العمل، فكانوا اما يعانون من مشاكل طبية او انهم كانوا على وشك التقاعد. ولم يتم فعلياً اتخاذ اي اجراء لتغيير مسؤولي الوزارة المتورطين في ممارسات فساد تتفاوت بين اساءة معاملة المعتقلين او العمل مع فرق الاعدام.

كل ذلك يترك مهمة مداهنة السلوك الجيد من الشرطة العراقية في جزء كبير منه الى الضباط الصغار مثل غريم الذي يبلغ من العمر 28 سنة. ويقضي غريم ذو الفكين المربعين وخريج ويست بوينت وهو من اورانج بارك في فلوريدا حاليا مهمته الثانية في العراق. ويقول ان مهمته موازية "للعمل الاجتماعي المسلح"، ويقول انه يشعر بأنه مسؤول ليس فقط عن الاعتقالات واسداء النصح للجنود العراقيين، وإنما أيضا عن حماية المدنيين في الميكانيك. لذلك، وفي الوقت الذي يقول فيه انه يثق بمعظم الضباط، فان من الواضح انه يتعايش بصعوبة مع احتمال قيام أحد العراقيين بالتآمر على قتله عندما يكون وحده.

لقد كانت الغارة مع هاشم - وهي الاولى المشتركة من نوعها منذ السماح لقوات الشرطة العراقية بالعودة الى المنطقة - مزعجة تماما. فقد كان المنزل، كما تبين، فارغا. وخرج غريم والجنود الاميركيون الآخرون وهم غير متأكدين مما حدث. ربما يكون ما حدث خطأ حميداً، لكن الاميركيين لم يستطيعوا الا الاعتقاد بان هاشم كان يبحث حقيقة عن "ارهابيين" كما ادعى. ويقول غريم انه ربما كان يبحث عن عائلة سنية ليتعامل معها بفظاظة، او ربما كانت الغارة مجرد تحويل للانتباه لاشغال القوات الاميركية بينما كان يتم ارتكاب جرائم أخرى في مناطق أخرى من الضاحية.

وفي الاثناء، يظل مستوىِ عدم الثقة بين القوات الاميركية والعراقية عاليا لدرجة ان بعض الجنود الاميركيين يتحدثون صراحة عن احتمال ان يقادوا الى كمين او ان يتعرضوا مباشرة للهجوم من قبل قوات الشرطة التي زودوها بالاسلحة ودربوها. ويقول غريم انه لا يشارك في ذلك القلق لان هاشم ورجاله يدركون بان فصيلة غريم مستعدة لاي حالة. ويضيف غريم "إن المسألة متروكة للثقة في رفيقك الجندي الاميركي لتغطية مؤخرتك وابعادك عن المشاكل. واذا انقلبت الشرطة علينا خلال الدورية، فان ذلك يكون ثالثة الاثافي بالنسبة لهم".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف