زيارة لخط التماس الشائك قرب سرايا السنيورة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
مبارزة بين أقوياء ولعبة أكبر من اللاعبين والمفاتيح في عواصم قريبة وبعيدة
بيروت - غسان شربل، الحياة
بضعة أمتار فقط تفصل الخيمة المتقدمة للمعتصمين في ساحة رياض الصلح عن سور السرايا التي يتحصن فيها رئيس الوزراء فؤاد السنيورة وعدد من وزرائه. وفي تلك المسافة الصغيرة التي يصعب اجتيازها يمتد الشريط الشائك ويقف عسكريون في أصعب عملية انتظار يعرفها لبنان.
تعمدتُ الذهاب إلى تلك النقطة لفرط ما سمعت عن خط التماس الجديد. ثمة من قال إنه خط التماس بين المعارضة والسلطة. وقال آخرون إنه خط التماس بين "المحور الإيراني - السوري والحكومة التي تدعمها أميركا". ولم يخف فريق ثالث اعتقاده بأن الشريط الشائك هناك "هو خط التماس الجديد بين الشيعة والسنّة، وأن حضور تيار العماد ميشال عون يلوّن المشهد ولا يغيّر من طبيعته". ويرى فريق رابع أن ملفات كثيرة معلقة على ذلك الشريط: موقع لبنان ومستقبل نظامه، ومستقبل القرار 1701 والمحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ومن السهل أن تسمع في لبنان أن اللعبة أفلتت من أيدي اللاعبين المحليين، وأن المفاتيح الحقيقية تقيم في طهران ودمشق وواشنطن وباريس، وأن عمرو موسى تيقن في ختام وساطته "أن اللعبة أكبر من اللاعبين المحليين".
عند الشريط الشائك تشم رائحة مأزق كبير وخطير. نجحت حكومة الرئيس السنيورة في إقناع العرب والعالم بأنها حكومة شرعية ودستورية. وعلى رغم تمتعها بدعم ما يزيد قليلاً عن نصف اللبنانيين لن تكون قادرة على إدارة شؤون البلاد في غياب الطائفة الشيعية عن مقاعدها. يمكن القول إنها مصابة بعطب أساسي يمنعها من ضمان الأمن والاستقرار والقدرة على التحدث باسم الجميع.
في المقابل، تبدو المعارضة، التي يشكل "حزب الله" عامودها الفقري، قوية هي الأخرى. إنها قادرة على اغراق الساحات بالمتظاهرين المستعدين للإقامة طويلاً في الشوارع والساحات وربما للذهاب أبعد من حدود الاحتجاجات الحالية. إنها تمثل ما يقل بعض الشيء عن نصف اللبنانيين. وهذا غير بسيط على الاطلاق. لكن المعارضة مصابة بعطب أساسي، فهي تحاول اسقاط السنيورة من خارج طائفته وبعدما منعت اسقاط الرئيس اميل لحود من داخل طائفته وخارجها.
ماذا لو تقدم المعتصمون واقتحموا السرايا؟ تسأل وتنهمر الاجابات. هذا يعني أن إيران قررت تصعيد هجومها الشامل في المنطقة ومعاقبة إدارة جورج بوش في لبنان بعد معاقبتها في العراق. إسقاط حكومة السنيورة هو "الرد الإيراني - السوري على القرار 1701 الذي خطف جبهة الجنوب من اللاعب المحلي واللاعبين الاقليميين، وهو الرد على تسليط سيف المحكمة على عنق النظام السوري". وتسمع أيضاً من يقول ان الاقتحام "يعني معاقبة الطائفة السنّية على مواقفها بعد اغتيال الحريري وقراراً بكسر التوازنات الداخلية في لبنان". وفي صفوف الأكثرية يقولون "إن الغرض الفعلي من مطالبة المعارضة بحكومة وحدة وطنية تمتلك فيها الثلث المعطل هو افراغ الـ1701 من مضمونه وضرب المحكمة أو إفراغها من الداخل".
عند الشريط الشائك يخالجك شعور بأن احتجاجات المعارضة حققت حتى الآن عكس ما رمت اليه. شعارات المحتجين وقبضاتهم أطلقت في المعسكر الآخر موجة تضامن غير مسبوقة مع السنيورة. يكاد رئيس الوزراء "الناعم الحازم" يغرق وسط الوفود التي تتقاطر على السرايا مبايعة ومحذرة. وإذا كانت حركة الاحتجاجات رمت الى ضرب زعامة سعد الحريري، فإن الواضح انها عززتها. يمكن القول ببساطة إن رصيده داخل طائفته بات يفوق الرصيد الذي كان لوالده فيها، هذا فضلاً عن رصيده في معسكر 14 آذار (مارس). في الوقت نفسه، يمكن القول إن "حزب الله" أظهر قدرة استثنائية على استقطاب الطائفة الشيعية وقرارها مرفقة ببراعة تمثلت في اشراك التيار العوني في الاحتجاجات. أما العماد ميشال عون فقد اثبت انه قادر على الذهاب بعيداً وإن بدا ان السباحة من ضفة الى أخرى أفقدته بعض أنصاره وطرحت تساؤلات عن "الثمن الباهظ للطموحات الرئاسية".
"لن نغادر قبل سقوط حكومة الاملاءات الاميركية". قالها الشاب الواقف قرب خيمته بلهجة حاسمة. انه المأزق. ليس سهلاً على المعارضة الرجوع من احتجاج تسبب في خسائر اقتصادية باهظة وأيقظ حساسيات مذهبية من دون نتائج تبرر الخطوة. ليس سهلاً على الأكثرية تسليم مفاتيح مصير الحكومة للمعارضة من دون ضمانات. وثمة من يرى ان الضمانات كما المفاتيح تقيم في عواصم قريبة وبعيدة.
قبل ثلاثة أشهر وقفتُ قرب الشريط الشائك عند الحدود اللبنانية - الاسرائيلية. شعرت يومها بأن لبنان قوي. لا أعرف لماذا هجمت عليَّ عند الشريط الشائك قرب السرايا صور قطاع غزة وصور بغداد وصور نزاع الاشقاء في الصومال.