جريدة الجرائد

لبنان... خيارات الهدنة والتسوية

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

السبت30 ديسمبر2006

غازي العريضي

شكراً لكل من ساهم في، ووافق على، هدنة الأعياد في لبنان! ولكن، لماذا الهدنة؟ ألنعطي اللبنانيين فسحة من الأمل؟ وفرصة للفرح واستذكار معنى ميلاد رسول المحبة والخير والإنسانية، ومعنى التضحية من أجل الخير والإنسانية والإيمان بالله، ومن أجل الوقوف وقفة ضمير أمام الذات والوطن والمواطنين الآخرين لتقويم أحداث عام نودعه، والاستفادة من كل دروس وعبر الماضي، وكان العام حافلاً ومليئاً بالأحداث؟ وبالتالي للإطلالة على عام جديد نؤكد فيه الشراكة الوطنية الحقيقية في معالجة الهموم والقضايا المشتركة الجامعة بين اللبنانيين، فنذهب معاً إلى كشف حقيقة مسلسل الاغتيالات والإرهاب عبر المحكمة الدولية دون أي تردد، ونذهب معاً إلى المؤسسات نجعلها سليمة ومعافاة وأساساً ومرجعاً لحل كل الخلافات، ونبني معاً الأطر التي تحمي الإنجازات، وتصون البلاد من كل العواصف والحسابات والمخططات وما أكثرها، وكلنا يحذر منها؟

للأسف. قال البعض للبنانيين: "وافقنا على هدنة أعياد. افرحوا. لكننا مصممون على التصعيد بعدها"! "سنقطع الطرق. ونقفل المطار والمرافئ ونحاصر كل شيء، ونعلن العصيان المدني. وهذه بعض الخطوات التي يمكن الإقدام عليها"! فأي فرح يمكن أن يتولـّد؟ وأي أمل يمكن انتظاره؟ وأي عيد؟ وأي راحـة بال؟ وما قيمة الهدنة؟

أليس في ذلك كله ما يشغل البال ويزرع الخوف والقلق في نفوس الناس؟ فلماذا هذا الوعيد والتهديد؟

هذا البعض كان يهدد حكومة ويتوعد فريقاً سياسياً آخر بأشكال مختلفة يقف اليوم مهدداً فرح واستقرار ومستقبل وأمن اللبنانيين، فهل في ذلك مسؤولية وطنية، وحرص على تصويب الأمــور، واستقامة في التفكير والممارسة، وسـلامة فـي الخيارات؟ أية خيارات هي تلك التي تقطع الطرقات بين اللبنانيين وتؤدي إلى قطعها على بعضهم بعضاً، فينغلقون ليس في المناطق فحسب، بل في الأحياء والزواريب والبنايات الواحدة ربما؟ فهل في ذلك تفتح طرقات الحلول ويستفاد من الهدنة؟

وأية خيارات هي تلك التي تدعو إلى إقفال المطار والمرافئ؟

وأية خيارات هي تلك التي تدعو إلى ذلك وتدعي الحرص على المقاومة، والمطار أقفله أولمرت والمرافئ حاصرها جيشه يوم كانت المقاومة تتصدى له وفرضت الحكومة والمقاومة والمجلس النيابي والشعب اللبناني فك الحصار في موقف وطني استثنائي جامع!

وهل ثمة خدمة لإسرائيل بصورة أو بأخرى أكثر من ذلك عندما تتطلع بعد أشهر من حربها المدمرة على لبنان، إلى مجتمعنا يتفكك

و"انتصارنا" يتهاوى، ومؤسساتنا وحدودنا ومعابرنا وطرقاتنا التي فتحناها بالقوة يوم أغلقتها هي، يقفلها بعضنا اليوم ويهدد بعضه الآخر ويستقوي عليه؟

إن للمعارضة حق ممارسة حريتها في اتخاذ القرارات التي تراها مناسبة، ولكنني أرى في هذه الخيارات معارضة للحرية الحقيقية، ولا أرى فيها حرية معارضة! لأن الحرية يجب أن تتوقف عندما تلامس ممارستها الخيارات الوطنية أو الثوابت الوطنية أو المصلحة الوطنية العليا. وهذا ما نحن فيه اليوم أمام توجهات بعض المعارضة، ولا أدري إذا كانت تلك التصريحات التي أطلقها بعض رموزها، وهي موضوع تعليقنا اليوم تعبر عن توجهات جماعية!

قد تكون تمنيات. وقد تكون قمة التصعيد للخروج من مأزق! وقد تكون قمة العناد والعبث عند بعض الذين لا يقيمون وزناً واعتباراً حقيقيين لمشاعر الناس ومصالحهم الحقيقية بل يقدمون مكابرتهم وغرورهم وادعاءهم وربما حقدهم على أي شيء آخر. وأنا من المقتنعين والذين يكررون دائماً أنه لا مكان للحقد والغرور والمكابرة في رسم الخيارات والسياسات الوطنية الكبرى وفي تحديد مصير الأوطان. ولا أقول هذا الكلام انطلاقاً من خوف من خطوة أو مشروع أو فكرة، بل من خوف حقيقي على البلد وعلى الحرية، وبالتالي على مبدأ المعارضة الذي هو أساس ممارسة الحرية وتكريس الديمقراطية في لبنان.

نعم. تداول السلطة يجعلك يوماً في المعارضة ويوماً في موضع ممارسة السياسة والمسؤولية من داخل مؤسسات الحكم. وبالتالي لا يجوز أن تقبل لغيرك ما لا تقبله لنفسك. أو أن ترفض لغيرك ما تعتبره حقاً لك. أو أن ترفض طرح غيرك ثم تمارسه هو نفسه عندما تكون في موقعه.

وعلى هذا الأساس ومن هذا المنطلق ينبغي التوجه إلى حل الأزمة السياسية الكبرى العاصفة بالبلاد.

الحياة عموماً، تجارب نتعلم فيها الكثير الكثير. والحياة السياسية في لبنان خصوصاً هي أم المدارس السياسية التي نتعلم فيها يومياً الكثير من الدروس والمواد. وأبرز ما فيها حتى الآن من ثوابت تعززه وقائع وظروف تكوين لبنان السياسي ومحيطه أن التسوية هي الحل الدائم الذي يحمي التنوع والصيغة الفريدة التي تميز هذا الوطن. فلتكن الهدنة باب التسوية المفتوح. ولا لتسوية الهدنة فقط! وليكن عام 2007 عام التسوية لا عام السقوط من الهدنة إلى الهاوية!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف