جريدة الجرائد

ترهل الفكر السياسي العربي المعاصر

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الأحد:05. 02. 2006

مسعود ضاهر


لا شك في أن الانتصار الكبير الذي حققته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الانتخابات التشريعية الفلسطينية أحدث ldquo;انقلاباً ديمقراطياًrdquo; على مستوى الشعب والسلطة معاً، وبالإضافة إلى الدوي السياسي الهائل الذي أحدثته في الأوساط العربية والعالمية، فإن النتائج المعلنة تؤهل ldquo;حماسrdquo; منفردة لتشكيل الحكومة المقبلة في فلسطين.

لكن المدلول السياسي لهذا الانتصار الذي وصف بأنه ldquo;تسونامي ديمقراطيrdquo; على الساحة الفلسطينية، يرتدي أبعاداً كبيرة على المستويين العربي والدولي. فبعد الهزائم المتكررة التي مني بها ldquo;الفكر الثوريrdquo; العربي منذ عام ،1967 حيث تم اعتماد سياسة المساومات والصفقات المنفردة مع ldquo;إسرائيلrdquo; والولايات المتحدة. بات الاحتكام إلى القواعد الشعبية مسألة حيوية بالنسبة لقوى التغيير الحقيقي. ففساد القوى المسيطرة، وترهل أحزاب السلطة والمعارضة معا على امتداد الوطن العربي، ألقى عبء التغيير على القوى الشعبية التي لم تتلوث بممارسة السلطة وما أسماه الرئيس سليم الحص ldquo;ثقافة الفساد والإفسادrdquo;. وذلك يتطلب التبصر ملياً بالمهمات المطروحة أمام الشعوب العربية، ومنها الشعب الفلسطيني، وعلى مختلف الصعد.

أولا: حماية الانتصار الكبير الذي حققه الشعب الفلسطيني عبر انتخابات ديمقراطية وشفافة، اعترفت بها جميع أجهزة الرقابة، بما فيها الأمريكية والأوروبية وrdquo;الإسرائيليةrdquo;. فقد كان الجميع بحاجة ماسة إلى معرفة التوجهات الحقيقية للشعب الفلسطيني، وذلك بهدف التعاطي معها، بصورة سلبية أو إيجابية. وأثبت الشعب الفلسطيني أنه قادر على ممارسة الديمقراطية من دون أي تدخل من الخارج. وبعد هذا الانتصار الكبير للمسار الديمقراطي، عليه أن يثبت قدرة المنتصرين على إدارة الحوار بين الفلسطينيين أولا، تمهيدا للحوار مع الأشقاء، والأصدقاء، والأعداء التاريخيين. وهذا ما أكده خالد مشعل، زعيم ldquo;حماسrdquo;، بثقة حين قال: ldquo;يخطىء من يراهن على فشلنا. فقد نجحت ldquo;حماسrdquo; في المقاومة وستنجح في السياسة والاصلاح والتغييرrdquo;. وأعرب عن استعداد ldquo;حماسrdquo; لتوحيد السلاح الفلسطيني وفق مخطط توافق عليه جميع القوى الفلسطينية، وتشكيل جيش موحد لاسترداد الحقوق الفلسطينية المشروعة.

ثانياً: تدرك حماس جيداً أن الضغوط الصهيونية والأمريكية وحتى العربية ستزداد على الشعب الفلسطيني لإفشال ldquo;حماسrdquo; ومنعها من تثمير الانتصار الديمقراطي الذي حققته في الانتخابات.

ثالثاً: هناك شكوى دائمة ومزمنة لدى الفلسطينيين من سوء إدارة السلطة الفلسطينية، وسرقة وتبديد المال العام، وكثرة التنازلات التي قدمت مجاناً ل ldquo;إسرائيلrdquo;. فشكلت نتائج الاستفتاء الأخير صفعة قوية وجهها الشعب الفلسطيني لتلك السياسة، وإسقاط الرهانات التي ترى بأن الشعب الفلسطيني منهك، أو أنه مل النضال ويريد الصلح مع ldquo;إسرائيلrdquo;، وبأي ثمن. لكن على حماس تحصين الانتصار، ومنع الفوضى والصراعات الداخلية التي تضيّع الفرصة لتأسيس مسار ديمقراطي حقيقي عن طريق الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وليس إلى فوضى السلاح والاستعراضات الفارغة.

رابعاً: حركة ldquo;فتحrdquo; هي الخاسر الأكبر في هذا الاختبار الديمقراطي. فقد بدأت كثورة حقيقية استمالت إليها كتلة كبيرة من الشعب الفلسطيني قبل أن تتحول إلى سلطة تحمل كل أمراض السلطات العربية من بيروقراطية، وترهل، وصفقات، ومساومات، وفساد وإفساد. ولعل أحد أبرز السلبيات التي أدت إلى فشل ldquo;فتحrdquo; في هذا الاستفتاء الشعبي أنها كانت تتصرف كسلطة قبل أن تنتصر الثورة وتحقق أهدافها التامة في تحرير أرض فلسطين، وعودة اللاجئين إلى ديارهم.

وقد مارس بعض قادتها نوعاً من التسلط في عمّان، وتونس، وبيروت. وقدموا نماذج سلبية للغاية عبر إبراز مظاهر الفساد، وجمع الثروة، وسلوك البذخ وحياة الترف، والابتعاد عن صورة المناضل الحقيقي، والنهج الثوري الذي يكسب صاحبه والحركة التي ينتمي إليها احترام شعبه أولاً قبل أن ينال احترام أحرار العالم ومناضليه.

خامساً: لقد انقلبت الآن الأدوار بصورة جذرية. فباتت حركة ldquo;حماسrdquo; في موقع السلطة، وحركة ldquo;فتحrdquo; في موقع المعارضة. وذلك يطرح تساؤلات كثيرة حول قدرة ldquo;فتحrdquo; على تجديد نفسها بعد الزلزال الذي أصاب فكرها، ومؤسساتها، وقياداتها. واعترف بعض قادتها علنا بأن ابتعادها عن جمهورها، وغياب قيادتها التاريخية التي تمثلت بالرئيس الراحل ياسر عرفات، ونفور جيل الشباب الفلسطيني من ممارسة قادتها التاريخيين الذين أصابهم الترهل على مختلف الصعد، لعبت مجتمعة الدور الأساسي في تراجعها المستمر. فاستفادت ldquo;حماسrdquo; من ذلك التراجع أكثر من باقي الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تشكو أيضا من الأمراض التي فتكت بحركة ldquo;فتحrdquo;.

إن الانتصار الذي حققته ldquo;حماسrdquo; كان كبيراً فعلاً. إلا أنه يبقى جزئياً ما لم يتم احتضانه فلسطينياً، وعربياً ودولياً. وإذا كان من غير المقبول التقليل من أهمية ذلك الانتصار، لا يجوز أيضا تضخيمه، أو المبالغة في مفاعيله المستقبلية. فقد أعلن بعض قادة حماس عزمهم على ldquo;دفن أوسلو، إلا أن الحركة لا تريد إزالة ldquo;إسرائيلrdquo; فوراًrdquo;. ورأى قائدها أن ldquo;من مصلحة الجميع ركوب القطار الذي تقوده ldquo;حماسrdquo;. فقد نجحنا في المقاومة وسننجح في الاصلاح والتغييرrdquo;.

ختاماً، إن ldquo;الانقلاب الديمقراطيrdquo; الذي أحدثته ldquo;حماسrdquo; يمكن أن يفسح المجال أمام المزيد من ممارسة الديمقراطية في أكثر من بلد عربي. ومن أول واجبات القوى المنتصرة أن تعزز من حضور الديمقراطية في الفكر الفلسطيني وفي الفكر السياسي العربي المعاصر، وفي المحافل الدولية. فهناك قوى عربية محدودة جداً تتبنى شعارات الثورة المسلحة دون أفق ديمقراطي واجتماعي. وما حصول ldquo;حماسrdquo; على هذا التفويض الديمقراطي الساحق لقيادة المشروع الوطني الفلسطيني سوى مؤشر جديد على أهمية ممارسة الديمقراطية السليمة في الوطن العربي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف