من يمول الإرهاب في بنغلاديش؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
الأحد:12. 02. 2006
د. عبدالله المدني
تعتبر بنغلاديش ثاني أكبر الديمقراطيات في العالم الإسلامي بعد إندونيسياmiddot; ليس هذا فحسب وإنما هي أيضا كبرى الدول الإسلامية من حيث عدد منظمات المجتمع المدنيmiddot; وتتوزع هذه المنظمات من ناحية الارتباط السياسي والإيديولوجي بين التيارات العلمانية والدينية، ومن ناحية الأهداف والوظائف بين التنمية والعدالة الاجتماعية ومكافحة الفقر وتحسين الخدمات الصحية والتعليمية وتحقيق المساواة بين الجنسينmiddot; من بين هذه المنظمات عدد كبير نسبياً من تلك التي تحصر أنشطتها في بناء المساجد والمدارس الدينية ودور الأيتام ونشر الدعوةmiddot; وإلى وقت قريب لم يكن هذا النوع من المنظمات يثير أية تساؤلات أو شكوك، لا سيما أن معظمها ظل بعيدا عن التسييس ويؤدي خدمات اجتماعية وثقافية مطلوبة بإلحاح في هذا البلد المصنف دوليا ضمن الدول الأكثر فقرا في العالمmiddot;
غير أن سلسلة التفجيرات الإرهابية الخمسمائة التي وقعت بالتزامن في 63 مقاطعة من مقاطعات البلاد الأربع والستين في 17 أغسطس الماضي، جعلت هذه المنظمات لأول مرة تحت الأضواء الكاشفة، وفتحت أعين الأجهزة الرسمية ومخابراتها عليها، خاصة مع إصدار ما يسمى بـ''جماعة المجاهدين'' بياناً تتحمل فيه مسؤولية التفجيرات وتتوعد الحكومة بالمزيد منها ما لم تقم الدولة الإسلامية المطبقة للشريعةmiddot; هذا الحدث غير المسبوق في اتساعه ودقته دفع السلطات ومخابراتها التي ظلت طويلا تنفي وجود أية حركات إسلامية متطرفة في بنغلاديش إلى القيام بتحريات واسعة استغرقت أكثر من خمسة أشهر حول أمور كثيرة، كان من بينها أنشطة وصلات المنظمات المدنية ذات التوجه الإسلاميmiddot; وقد تبين من هذه التحريات وجود علاقة ما بين تزايد موجة العنف والتطرف في البلاد وأنشطة عشرة تنظيمات هي بمثابة فروع لجمعيات ومؤسسات أجنبية موجودة في دول شرق أوسطية، أو أنها تعتمد في مواردها المالية على الأخيرةmiddot; من هذه الجمعيات- طبقا لما توصلت إليه التحقيقات- جمعية ''الإصلاح الاجتماعي'' وجمعية ''المنتدى الإسلامي'' ووكالة ''الإغاثة الإسلامية'' و''مؤسسة الفرقان'' وغيرها، لكن أهمها وأخطرها كان جمعية ''إحياء التراث'' التي كانت الخارجية الأميركية قد وضعتها على القائمة السوداء في عام 2002 بسبب ما قيل عن روابطها مع تنظيم ''القاعدة''middot;
ويقول تقرير أعدته أجهزة المخابرات البنغلاديشية إن أكثر من مائة أجنبي تابعين لهذه الجمعيات، وجدوا يعملون مع المنظمات المحلية الدينية ويعيشون في البلاد بطريقة غير شرعية بعدما دخلوها بتأشيرات سياحيةmiddot; ويضيف التقرير أن من بين هؤلاء عدداً ممن تم طردهم في وقت سابق من الجنسيات السودانية والمغاربية والمصرية وتمكنوا من العودة بأسماء ووثائق جديدةmiddot; والإشارة هنا- كما فسرتها الصحف المحلية- هي إلى الذين تم ترحيلهم في عام 2004 على إثر إغلاق فرع ''مؤسسة الحرمين'' في دكا، على خلفية اتهامات بضلوع بعض منسوبيها في أنشطة ميليشاوية متشددةmiddot; وطبقا للتقرير المشار إليه آنفا، فإن ''جمعية إحياء التراث'' قامت في أوقات متفرقة بتحويلات مالية كبيرة من الخارج لصالح مؤسسة محلية بعينها هي جماعة ''أهل الحديث أندولون'' بقيادة المدعو أسد الله غالب الذي كانت السلطات قد اعتقلته في فبراير من العام الماضي، على خلفية قيام أتباعه بهجمات وأعمال تخريب ضد المراكز الثقافية ومقار بعض التنظيمات المدنية ذات الصبغة العلمانيةmiddot; وقتها كتبت الصحف البنغلاديشية تحقيقات مطولة عن أنشطة هذه الجماعة التي تبين أنها لئن وظفت الأموال المرسلة إليها من الخارج في بناء أكثر من ألف مسجد ومدرسة إسلامية، فإنها أيضا قامت بتمويل حملات لتجنيد الشباب وإعدادهم لعمليات جهادية مسلحة، ناهيك عن تقديمها مساعدات مالية معتبرة لـ''جماعة المجاهدين'' المحظورة حالياً من أجل تمويل شراء الأسلحة وإعداد مخيمات التدريب على القتال وزرع المتفجراتmiddot; ويقول كريس بلاكبورن أحد المتخصصين في شؤون الإرهاب، إن ما تحدث عنه تقرير المخابرات البنغلاديشية، وما كشفت عنه الصحافة المحلية، هو أكبر دليل على صحة ما قيل قبل وقت طويل من أن تنظيم ''القاعدة'' والجماعات المرتبطة به أوالمتعاطفة مع نهجه، يحاول أن يجعل من بنغلاديش مركزاً بديلاً لتجمع مقاتليه ومنطلق لعملياته الجهادية ضد المصالح الغربية في العالم، بعدما ضاق الخناق عليه في أفغانستان وباكستان وإندونيسيا ودول الشرق الأوسط، وصار من الصعب عليه إيجاد أماكن آمنة للتدريب والإعداد والاختباء في هذه الدولmiddot; ويتفق عدد من أبرز المحللين في منطقة جنوب آسيا مع هذا الطرح، مذكرين بأن بنغلاديش تمثل إغراء لا يقاوم لتنظيم ''القاعدة'' وأشباهه لأسباب كثيرةmiddot; من هذه الأسباب الكثافة السكانية لبنغلاديش والتي تسمح بذوبان المطلوبين وسط بحر من البشر، ووجود مساحات شاسعة من الغابات والأحراش التي توفر ظروفاً مثالية لحرب العصابات، ناهيك عن وجود الشارع المعادي للغرب والالتزام الديني والطبيعة المحافظة لمسلمي بنغلاديش وغير ذلك مما يمكن التسلل عبره بسهولة لبناء النفوذ وكسب الأنصار وتجنيد المقاتلينmiddot; أما الخبراء الأمنيون الهنود الذين تراقب بلادهم تطورات الأوضاع في بنغلاديش عن كثب منذ وصول حكومة السيدة خالدة ضياء إلى السلطة في عام ،2001 بفعل مخاوفهم من تأثيرات المد الأصولي في جارتها الشرقية على أمنها واستقرارها، خاصة في ظل وجود عدد يتراوح ما بين 10- 20 مليون بنغلاديشي ممن يقيمون ويعملون في الهند بطريقة غير مشروعة، مستفيدين من تداخل حدود البلدين وصعوبة ضبطها ومن روابطهم العرقية مع أبناء ولاية البنغال الغربية الهندية وإجادتهم للغة المحليةmiddot;middot;middot; لذلك يتحدث الخبراء الأمنيون الهنود عن عوامل أخرى مساعدةmiddot; من هذه العوامل ما يقال عن وجود متعاطفين داخل دوائر السلطة وأجهزة الأمن البنغلاديشية مع التيارات والجماعات الإسلامية المتشددة، لا سيما أن الحزب الحاكم (حزب بنغلاديش الوطني) يعتمد في بقائه في الحكم على تحالفه مع حزب ''جماعت إسلامي'' وأحزاب دينية صغيرة أخرىmiddot; ومنها أيضا سيطرة الإسلاميين على العديد من المصارف المحلية التي تعمل كقنوات لضخ الأموال والمساعدات من الخارج وتوجيهها وتنميتها في ظل رقابة حكومية هشةmiddot; ونختتم بالتأكيد على أن قيام بعض الجمعيات الإسلامية والخيرية في الخليج، من تلك التي لا تخفي وراءها أجندة سياسية مشابهة لأجندة تنظيمات إسلامية أجنبية متشددة، بمد يد العون والمساعدة لمسلمي بنغلاديش وغيرها، هو عمل إنساني مطلوبmiddot; غير أن المطلوب من هذه الجمعيات أيضاً في ضوء ما سبق سرده من أحداث ومعلومات هو أن تكون أكثر حذراً في اختيار من تتعاون معهم في تلك البلاد أو من توجه إليهم المساعدات، كي لا تجد نفسها بين ليلة ضحاها متورطة في أنشطة مشبوهة أو ملاحقة بتهم مثيرة من حيث لا تدريmiddot;