جريدة الجرائد

لبنان تحت ضغط أربع أزمات ومكان التقائها!

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء: 2006.02.14

خيرالله خيرالله

في ذكرى مرور سنة على أستشهاد رفيق الحريري، ليس سهلا على ذاكرة المرء أسترجاع كل ما شهدته تلك السنة من أحداث على الصعيد ألأقليمي أقل ما يمكن ان توصف به أنها تدخل في أطار التغييرات العميقة التي يشهدها الشرق الأوسط. على سبيل المثال وليس الحصر، من كان يتصوّر أو حتى أن يتجرّأ على الحلم بأن القوات السورية يمكن أن تخرج من الأراضي اللبنانية؟ ولكن من كان يتصوّر في الوقت ذاته أن المنطقة ستدخل في مزيد من التعقيدات كان يمكن أن تكون في غنى عنها لو وُجد من يعمل على تفادي المغامرات الخطرة والرهانات الخاسرة من نوع الرهان على أن اغتيال رفيق الحريري يمكن أن يمر مثله مثل الأغتيالات ألأخرى التي شهدها لبنان في السنوات الثلاثين الأخيرة. والمعني بالسنوات الثلاثين الأخيرة، تلك التي مرّت منذ بدء الحرب الأهلية اللبنانية في العام 1975 ، وهي حرب بين اللبنانيين أنفسهم، كما انها في الوقت نفسه حروب الآخرين على أرض لبنان.
في هذه المرحلة بالذات، وفي ضوء تفاقم الأوضاع على صعيد المنطقة، ثمة مخاوف حقيقية من أن يكون لبنان مرة أخرى ضحية التعقيدات الأقليمية في غياب القدرة لدى أي طرف معني، خصوصاً الطرف السوري، على البحث عن صيغة تضمن له مصالحه في المدى البعيد بعيداً عن سياسة التهور التي تضرّه بمقدار ما تضرّ لبنان. كل ما في الأمر ان ثمة أزمات اقليمية عدة يمكن ان تكون لها أنعكاسات سلبية على لبنان، وهي أزمات مرتبطة ببعضها البعض الى حدّ كبير ويخشى أن يكون لبنان من خلال الوضع الذي يعيشه منذ أغتيال رفيق الحريري نقطة التقاء في ما بينها.


في الأمكان الحديث أوّلا عن أزمة البرنامج النووي الأيراني وتأثيرها بطريقة أو بأخرى والى حدّ كبيرعلى الوضع اللبناني. شئنا أم أبينا، يعتبر النظام الأيراني لبنان ورقة من أوراقه الأقليمية خصوصاً أن لديه في هذا البلد أداة أسمها "حزب الله" قادرة على القيام بكل ما تطلبه منها طهران. أن لبنان تحوّل عملياً رهينة للنظام الأيراني الذي بات قادراً على القول أن بين الأسلحة التي في حوزته ميليشيا لبنانية على تماس مع أسرائيل لا تمتلك أسلحة خفيفة فحسب، بل تمتلك أيضاً كمية كبيرة من الصواريخ التي يمكن أن تهدد العمق الأسرائيلي. اكثر من ذلك، أن هذه الميليشيا اللبنانية قادرة على تهديد السلم الأهلي في لبنان بمجرد صدور أشارة من طهران. وقد اثبت "حزب الله" مدى قدرته على تنفيذ التعليمات الأيرانية بدقة متناهية لدى خطفه عدداً لا بأس به من الأميركيين والفرنسيين في لبنان في العامين 1985 و1986 متى دعت الحاجة الأيرانية الى ذلك. في تلك المرحلة، أثبت "حزب الله" الذي صار له لاحقاً نوّاب في البرلمان اللبناني، أنه مجرد ميليشيا تعمل لمصلحة النظام الأيراني. ما الذي تغيّر منذ ذلك الحين؟ لا شيء تقريباً بأستثناء أن الحزب بات الآن أكثر فاعلية وتنظيماً مما كان عليه في الماضي، كما انه أكتسب الثقة الكاملة للنظام السوري الذي تحوّل حليفاً عضوياً له يتعاطى معه منذ وصول بشّار الأسد الى موقع الرئاسة من الندّ للند. فضلاً عن ذلك، حقق الحزب اخيراً أختراقاً مهماً على الصعيد الداخلي اللبناني بالتوصل الى عقد "زواج متعة" مع العماد ميشال عون الذي يمتلك الكتلة المسيحية الأكبر من الناحية العددية في مجلس النوّاب.


وفي الأمكان الحديث ثانياً عن أزمة أخرى مرتبطة بالأولى أسمها أزمة سلاح "حزب الله" نفسه، وهو سلاح مرتبط عملياً بالأستراتيجية الأيرانية ولا شيء غير هذه الأستراتيجية، علماً بأن له بعداً داخلياً لبنانياً. هل في أستطاعة اللبنانيين البحث في ما الذي يجب عمله بهذا السلاح من دون الدخول في مواجهات لا تحمد عقباها؟ الملفت أن "حزب الله" يرفض في الواقع البحث في ما الذي يجب عمله بسلاحه ويعتبر القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن مؤامرة عليه ويدعو، وهو يطالب بالمستحيل، الى اعلان الحكومة اللبنانية أنها نفّذت القرار ، كما لو أن المجتمع الدولي جمعية خيرية لا يمكن الاّ أن تنصاع لما تطلبه منها الحكومة اللبنانية. أنّها أزمة تهدد السلم الأهلي في لبنان في غياب أي نية لدى الحزب في البحث الجدي في فائدة السلاح الذي يحمله بالنسبة الى لبنان. يرافق ذلك أصرار الحزب على افتعال قضية مزارع شبعا لتبرير وجود ميليشيا لبنانية بحجة أنها "مقاومة" لمنع لبنان من أستعادة وضع طبيعي بدل أن يكون مجرد "ساحة" للصراعات الأقليمية؟


أضافة الى أزمة البرنامج النووي الأيراني الذي ترفض طهران البحث في مخارج لها، وازمة سلاح "حزب الله" الذي يسمم الحياة في لبنان، لا بد من أشارة الى أن البلد الصغير يعاني من الأنعكاسات المباشرة لأزمة أقليمية ثالثة أسمها أزمة النظام السوري. لقد أختار هذا النظام الدخول في مواجهة مع المجتمع الدولي بعدما أخطأ في حساباته المرتبطة بالنتائج التي ستترتب على أغتيال رفيق الحريري. وقد وجد المجتمع الدولي بكلّ بساطة أن ثمّة ثمناً على النظام أن يدفعه. وفي أنتظار تحديد الثمن ومعرفة هل سيتجاوز تسليم العميد رستم غزالة الى العدالة الدولية بصفة كونه المسؤول الأوّل عن الأمن في لبنان لدى وقوع الجريمة، لا يمكن التكهن بما ستفعله الأجهزة السورية في لبنان. كل ما يمكن قوله حتّى الآن هو أن النظام في دمشق لا يزال يعتقد أن لا خيار أمامه سوى المواجهة وأن سلاحه الأول في المواجهة التي يخوضها مع المجتمع الدولي يكمن في قدرته على خلط الأوراق في لبنان وتهديد السلم الأهلي في البلد. من هذا المنطلق، يبدو لبنان في وضع لا يحسد عليه في مواجهة نظام يعتقد أن خط الدفاع الأوّل عنه يتجسّد في القدرة على التحكم بمصير البلد الصغير ومنعه من أستعادة عافيته أضافة الى أمتلاك ما يكفي من الأدوات لتوتير الأوضاع في المنطقة كلّها.


تكمن خطورة الأزمة ذات الأنعكاسات السلبية على لبنان التي يعيشها النظام السوري في أمرين: اوّلهما عدم قدرته على التعاون مع التحقيق الدولي والآخر أعتماده سياسة المكابرة ورفض الأعتراف بالأخطاء التي أرتُكبت، علماً بأن المكابرة لم تصلح يوماً كسياسة. على العكس من ذلك، يبدو أن هناك أصراراً ليس بعده أصرار على متابعة أرتكاب الأخطاء بدليل أن الجرائم لم تتوقف في لبنان بعد أغتيال الحريري. وما قد يكون أخطر من ذلك كلّه على لبنان، أن النظام السوري يظنّ أن في أستطاعته تكرار تجربة العامي 1983 و1984 عندما عادت القوات السورية الى معظم الأراضي اللبنانية بعد خروجها منها مع القوّات التابعة للمنظمات الفلسطينية في العام 1982. أن عقدة العودة الى لبنان ما زالت تتحكّم بالنظام السوري الذي يعتقد أن مستقبله ليس مرتبطاً بالقدرة على التكيف مع المعطيات الأقليمية والأصلاحات الداخلية الحقيقية بمقدار أرتباطه بمدى السيطرة على الجار الأصغر والتحكّم به.


تبقى الأزمة الأقليمية الرابعة التي لا يمكن الاّ ان تكون لها أنعكاساتها السيئة على لبنان. أنها أزمة أنسداد أبواب التفاوض بين الحكومة الأسرائيلية والسلطة الوطنية في ضوء فوز"حماس" في الأنتخابات التشريعية الفلسطينية. مثل هذا الأنسداد في فلسطين لا يمكن الاّ أن يزيد المواقف من مشكلة السلاح الفلسطيني في لبنان تشنجاً. الأكيد، بعد تشكيل "حماس" الحكومة الفلسطينية، أنه لن يكون هناك بحث في السلاح الفلسطيني داخل المخيمات أو خارجها بغض النظر عن الضرر الذي يلحق بلبنان بسبب هذا السلاح. ستعتبر "حماس"، حتى لو أدّى ذلك الى تضارب في وجهات النظر بينها وبين قيادة منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس الفلسطيني، أن السلاح في لبنان يخدم المعركة التي تدور على أرض فلسطين، نظراً الى أن هذا السلاح جزء لا يتجزأ من أستراتيجية المحور السوري- الأيراني الذي أنخرطت فيه الحركة الأسلامية الفلسطينية والذي تعتبر نفسها أمتداداً له، وهو محور يؤمن بأن التصعيد في أي بقعة من الشرق الأوسط يصب في خدمة المواجهة الدائرة مع السياسة الأميركية وما يسمّى المخطط الأميركي للهيمنة على المنطقة...
بعد مرور سنة على غياب رفيق الحريري، يجد لبنان نفسه تحت ضغط أربع أزمات أقليمية ومكاناً تلتقي عنده هذه الأزمات، وتبدو خياراته شبه محدودة ما دامت هناك رغبة لدى غير طرف خارجي في بقائه مجرد"ساحة" للصراعات الأقليمية. ربما كان الشيء الوحيد الذي يشفع بالبلد الصغيرأن الوضع الأقليمي لا يمكن أن يستمر كما هو الى ما لانهاية. لا يمكن ألاّ أن يحصل شيء ما في المنطقة. المهم أن تظل لغة العقل سائدة في لبنان وأن يظل التراشق مقتصراً على الكلام في أنتظار ما سيحصل في الشرق الأوسط. هل يستمرّ ضبط النفس في لبنان؟ المرجح ذلك، ذلك أن ضبط النفس يمكن أن يعتبر من الأشياء القليلة التي تعلّمها اللبنانيون من حربهم الطويلة... ومن طريقة تعاطي رفيق الحريري مع الأحداث!

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف