جريدة الجرائد

رفيق الحريري... و35 ألف حلم وكتاب

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء: 2006.02.14

العين الثالثة

حسن أحمد عبدالله


اليوم تحل الذكرى الأولى لاستشهاد رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري، واليوم لا يهم الى أين وصلت لجنة التحقيق الدولية في سعيها الى كشف حقيقة جريمة الاغتيال التي أودت برجل أخذ على عاتقه السير في نهضة لبنانية مغايرة ومجردة الى حد بعيد من الهدف السياسي، ولم نقول مجردة؟، أليس من حق رجل عمل على تيسير السبل أمام 35 ألف طالب اكمال تعليمهم في مراحل دراسية عدة أن يوظف ذلك سياسياً من أجل ايجاد مكانة مرموقة بين الزعماء؟ فرفيق الحريري الغائب أحلاماً حاضر بقوة في الشعار السياسي للمرحلة، ورفيق الحريري العامل في بساتين الزيتون والبرتقال والذي يعرف ماذا تعني معاناة العامل المتعلم، غائب اقله على المستوى الاسري عن احفاده وأولاده، غائب كرجل عادي يأوي آخر الليل الى فراشه كرجل عادي كما كان يأوي عندما كان عاملاً ومصححاً في احدى الصحف اللبنانية.


اليوم تحل الذكرى الأولى على اغتيال هذا الرجل الذي تختلف معه سياسياً الى حد لا يمكن الرجوع عنه وتتفق معه في الأحلام وفي أعمال البر، الملياردير العامل البسيط الذي قال يوماً "عندما اصبح عندي اول مليون دولار وقفت أمام المرآة ولم اصدق نفسي... والآن اقف أمام المرآة واقول صار لازم تنقص وزنك يارفيق". هل كان المطلوب انقاص وزن الاستقرار اللبناني باغتيال رفيق الحريري، أو اغتيال المشروع العربي باخراج الرجل من معادلة الاوزان في المنطقة، أم ان الحوارات التي فتح قنواتها الرجل حتى لحظة استشهاده كانت تقلق بعض الاطراف الاقليمية من بلورة رؤية لبنانية موحدة، وعلى الطريقة اللبنانية الفريدة من نوعها، تجمع بين المقاومة كخيار للدفاع عن الوطن وبين العفو عن عصابات عملاء اسرائيل، وأن تترك ما للمسجد والكنيسة للمسجد والكنيسة وما للسياسة للسياسة، وأن تجمع الى طاولات الدراسة كل أبناء الطوائف في لبنان وأن تنهي مرحلة التقسيم غير المباشر في التعليم والاقتصاد والجغرافيا تحت سقف وحدة الليرة لا أكثر ولا اقل؟


35 ألف كتاب من كل العلوم ومختلف الاقلام جمعت في هرم قرب ضريح الرجل، 35 الف طالب اي كل طالب بكتاب، فكم يحتاج لبنان من الرجال على شاكلة هذا الرجل لتعليم 35 الف طالب آخرين وغيرهم وغيرهم، لبنان الرازح الآن تحت وطأة 40 مليار دولار من الديون يحتاج الى أكثر من 60 مليارا لسد ديونه وخدمة الفساد والرشوة والمحاصصة، لكن الادمغة اللبنانية التي لا تنفك عن الخروج من البلاد لها أحلامها في وطن أكثر ازدهاراً فإذا تعلم 35 الف طالب آخرين الا يخدمون الاقتصاد الوطني تماماً كما يخدم "طلاب الحريري" الاقتصاد اللبناني الآن، ها هو الرجل ذهب ولم يحمل في جيبه أي فلس أو اي شهادة من شهادات الطلاب الذين تعلموا من ماله الخاص اذ ليس للأكفان جيوب، ذهب عارياً الا من الكفن، والسؤال: أليس بين المنفذين والمخططين والامرين في عملية اغتياله من استفاد يوماً من تبرعات الحريري واعمال البر؟!، ألم يستفد أحد اقارب هؤلاء، حتى وان كانت عملية الاغتيال مدموغة بخاتم"الموساد" أو "القاعدة" أو الاستخبارات السورية، او استخبارات جزر الواق واق، يقول المثل "اطعم الفم تستحي العين"، ولنجعل الامر بكل هذه البساطة أليس من فم اكل فاستحت العين، أم أن الفاجر يأكل مال التاجر وعلى "عينك ياتاجر"؟


لجنة التحقيق الدولية ستبقى تطلب مراحل تمديد لها، وستبقى تستدعي الشهود وتحقق، وكأنها باتت مسكونة بالذهنية العربية... التمديد... والتجديد... والبحث... والتمحيص... من دون نتيجة وان وصلت الى نتيجة تبقى نتيجة أولية وليست نهائية، وكأن الحال اللبنانية يجب أن تبقى تعاني من الحمى وتبقى المداواة بالمسكنات أو كما يقول المثل اللبناني "داوي الحمى بقشور البطيخ". وستبقى الحمى ترفع الحرارة مرة وتخفضها مرة الى ان يصل الامر الى حد الفالج السياسي الذي لا يعالج، فها هي قضية اغتيال الرئيس الحريري تتحول الى شعار تحته تدرج الكثير من المواقف السياسية التي لا تبشر بخير، فها هو أحد زعماء الأحزاب اللبنانية ينقل البارودة من كتف الى كتف ويعلن حالة الاستنفار وينقلب على ذاته وتاريخه وتاريخ حزبه وتاريخ مؤسس حزبه من دون أن يرف له جفن، وفي الوقت ذاته يحاول أن يدفع بلبنان الى شفير الفتن والقلاقل الامنية من دون، ربما، أن يتبصر ماذا تعني، الآن تحديداً، تعرية لبنان من ورقة توت الحماية والدفاع (المقاومة) وعدم تبصر ماذا يعني وضع البلاد في زنزانة المراوحة اقتصادياً، والسؤال هل كانت أحلام الرئيس الشهيد رفيق الحريري تقبل هذه المعادلة القائمة على التوتير في سبيل تحقيق الأهداف المرحلية التي لا تخرج عن اطار الصراع الانتخابي؟


كان الرئيس الحريري (رحمه الله) يسعى بهدوء الى كل شيء كان الرجل يحلم بوطن كتبت بعض عناوينه في صفوف الطلاب الذين تعلموا من ماله الخاص، والسؤال الآن وبعد سنة على غيابه: الا يستحق الرجل أن تحسم لجنة التحقيق الدولية الأمر وتنهي المعاناة اللبنانية وتعيد الى البلاد بعض استقرارها الذي كان الهم الأول والاخير للرئيس رفيق الحريري؟ هذا الرجل سعى الى تعليم 35 ألف طالب من أجل نهضة جديدة اقل ما يمكن أن يقال فيها انها بداية لحركة ثقافية تكون بحجم الامال المعقودة على لبنان الجديد، فمتى يخرج بعض السياسيين اللبنانيين من ذهنية لبنان المتراس ليدخلوا لبنان طاولة الدراسة والقصيدة والاعمار والازدهار؟


hasana961@yahoo.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف