جريدة الجرائد

الأخضر الإبراهيمي : فشلت في العراق

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

الأخضر الإبراهيمي: الشيخ زايد الوحيد الذي تجرأ.. وحذر جيران العراق من صب الزيت على النار

المستشار السابق للأمين العام للأمم المتحدة يتحدث لـ "الشرق الأوسط" عن تجربته (1)


غيدا فخري

وصف الأخضر الإبراهيمي، المستشار السابق للأمين العام للأمم المتحدة ورجل المهمات الصعبة في عدد من الأماكن الساخنة في العالم، تجربته في العراق بالمهمة المستحيلة في ضوء الفيتوهات المختلفة التي واجهها خلال قيامه بدوره. واعترف الإبراهيمي في حوار شامل أجرته معه "الشرق الأوسط" في نيويورك بأنه فشل في تلك المهمة وبات يشعر بخيبة الأمل وإحراج كبير لمشاركته فيها. وقال إن قرار ذهابه الى العراق كان قراراً صعباً للغاية ولم يأتِ إلا بعد تردد كبير، إلا أن أهم ما دفعه الى القبول بلعب دور في العراق، ما بعد الغزو الأميركي له، كان تأكيد الإدارة الأميركية أنها تسعى إلى إنهاء الاحتلال ومطالبتها بمساعدة دولية من أجل تحقيق ذلك. وأبدى الإبراهيمي تفهمه للانتقادات التي وجهها إليه البعض بسبب تعاونه مع "سلطات الاحتلال واستغلالها له"، وإن كان يرفض الاتهام بالتواطؤ معها.


وقال الإبراهيمي إن الولايات المتحدة لا تعمل على إيجاد حل لمشكلة العراق بقدر ما تبحث عن حل للمشكلة التي خلقتها لنفسها، واصفاً عملية الاحتلال بالخطيئة الكبرى التي ارتكبتها واشنطن. وتحدث عن وجود بعض الإشارات المشجعة في تصريحات السفير الأميركي في العراق، زلماي خليل زاد، الذي أكد ألا حلاً عسكرياً في العراق من دون حل سياسي يقوم على فتح حوار مع الأطراف العراقية كافة. وحذر بعض دول الجوار من خطورة صب الزيت على النار. وفي ما يلي نص الحديث:

* ما الذي يجب أن يشكل الأولوية بالنسبة للحكومة الجديدة في العراق ؟

ـ هناك أمران لا يمكن الالتفاف عليهما، الأمر الأول يتعلق بالدستور الذي يعارضه البعض بسبب النواقص العديدة التي يرونها في النص المتفق عليه، والأمر الثاني يتعلق باعادة البناء وتقديم الخدمات الأساسية للعراقيين، وهما موضوعان أساسيان بالنسبة للأمن والاستقرار ووحدة البلد.

* مطلب إعادة صياغة الدستور هو مطلب أساسي بالنسبة للعرب السنة؟

ـ إنه مطلب الناس الذين ليسوا في العملية السياسية التي تديرها أميركا.

* ما هي التعديلات التي ترونها ضرورية في الدستور؟

ـ أعتقد أن الدستور في وضعه الحالي لا يوحِّد البلد، وكل المراقبين يتفقون على أنه خلق حكومة مركزية ضعيفة للغاية، والحكومات المحلية العديدة الموجودة تتمتع بشبه استقلالية، كما أن هناك مسألة توزيع الثروات. ويمكن أن يؤدي كل ذلك الى تقسيم البلاد واستمرار الانقسامات الموجودة بدلاً من إنهائها. وقد وافق الأشخاص الذين صاغوا هذا الدستور على مراجعته بعد إجراء الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة، فإذا فعلوا ذلك وكانت للحكومة قاعدة واسعة سيتجه العراق في الطريق الصحيح.

* هل سيبقى العرب السنة مهمشين، في رأيكم، أم أن هناك مجالاً حقيقياً لإشراكهم في العملية السياسية؟

ـ بدأ عدد كبير منهم بالعودة للمشاركة في العملية السياسية، لكن الموضوع يتعدى مشاركة أفراد من السنة في هذه العملية أو عدم مشاركتهم، بقدر ما أن الموضوع يتعلق بوجود تيار واسع غير مرتاح للوضع القائم، وهو ما يبعث على القلق.

* هل أنتم قلقون من احتمال تفكيك العراق وتقسيمه، إذا استمرت الأوضاع على ما هي عليه؟

ـ لا أتصور أن العراق سيقسَّم، ولكن يجب معالجة هذه الأزمة معالجة صحيحة وإلا فهناك خطر حقيقي بأن تشتد الأزمة قبل أن تنفرج.

* ما هي المعالجة الصحيحة؟

ـ لو نظرنا الى الأطراف المختلفة في العراق لوجدنا أن هناك بعض الأطراف العراقية المختلفة التي تعتبر نفسها أحزاباً وحركات، من جهة، والقوة المحتلة، من جهة أخرى. ولكن مع الأسف الشديد لا يتحدث الإعلام في الولايات المتحدة أو العديد من السياسيين الأميركيين عن العراق فحسب، بل يتحدثون عن أميركا والمشكلة التي تواجهها بسبب ما يحدث في العراق. فهم يبحثون عن حل للمشكلة الأميركية، في حين أن مبالاتهم بالعراق تبدو قليلة. هناك دعوة للطرف الأميركي، وهو طرف أساسي، بالاهتمام بشكل أكبر بالعراق وان كانت هناك جهة أميركية واحدة مهتمة بالوضع العراقي ومتفهمة له، تتمثل في سفير الولايات المتحدة لدى العراق، زلماي خليل زاد. أما بالنسبة للأطراف العراقية المختلفة فنرجو أن ترتفع الى مستوى المسؤولية وتدرك أن هناك خطراً كبيراً. وهناك أيضاً طرف ثالث يضم دول الجوار التي تساعد في إيجاد حل أو تقوم بصب الزيت على النار.

* مَن تقصدون؟

ـ لا أود أن أسمي أحداً لكنني أقول إن دول الجوار قادرة نظرياً على المساعدة في تهدئة الأمور أو تقوم بصب الزيت على النار. ما من شك أن الأزمة في العراق إذا ما اشتدت لن تبقى داخل حدود العراق إذ أن النار التي تلتهب هناك، مهما طالت أو قصرت الأزمة، لا بد أن تتجاوز حدود العراق. ولذلك، فان هذه الأطراف لديها أيضاً مصلحة كبيرة في مساعدة الشعب العراقي بالقدر الممكن على حل مشاكله على النحو الذي يخدم مصالحه.

* إيران، هل تساعد على تهدئة الأمور في العراق أم أنها تسهم في صب الزيت على النار؟

ـ ايران لديها مصالح وانشغالات مشروعة ولكن لا بد لها أن تساعد العراق على حل مشاكله وليس على زيادة التوتر والانشقاق، وهذا الأمر ينطبق على دول الجوار كافة. ولا بد من الإشارة الى طرف رابع هو المجتمع الدولي الذي لديه مصالح كبرى في العراق باعتباره أحد أكبر منتجي البترول، والمجتمع الدولي مطالب أيضاً بالمساعدة على حل مشكلة العراق لمصلحة الشعب العراقي وليس لمصلحة أي طرف آخر.

* هل يترتب على الحكومة العراقية الجديدة أن تركز أولاً على الوضع الداخلي أو استمرار الوجود العسكري الأجنبي؟

ـ هذا موضوع واحد في رأيي. واذا كانت قاعدة الحكومة التي ستشكل واسعة وتمثل الشعب العراقي تمثيلاً صحيحاً يؤدي الى عودة الثقة بين أبناء العراق، لا بد أن يتضمن جزء من هذه العملية الداخلية النظر في وضع الاحتلال والوجود العسكري الأجنبي. هذا أمر ضروري ولا أرى فيه مسألتين منفصلتين بل مسألة واحدة تُحل بمعالجة الأمرين على حد سواء.

* كيف يبدو لكم مستوى السيادة في العراق، في ضوء الانتخابات الأخيرة؟ هل لا يزال الاحتلال قائماً برأيكم؟

ـ ما من شك في أن الاحتلال لا يزال قائماً، بل يمكن القول إن هناك، في أحسن الظروف، سيادة منقوصة في ضوء وجود 160 ألف جندي أجنبي في العراق من دون أي اتفاق على وجودهم هناك. فما هي هذه السيادة؟

* الى أي مدى أساءت الولايات المتحدة التقدير في السياسات التي اتبعتها في العراق؟

ـ من الطبيعي أن تواجه الولايات المتحدة الآن مشكلة في العراق إذ أن الأميركيين ذهبوا الى العراق لحل مشكلة، لكنهم لم يحلوها وخلقوا مشكلة لأنفسهم. ولا بد أن يعالجوا مشكلتهم الآن وإن كان من المستحيل أن تحل إذا لم يتم إيجاد حل لمشكلة العراق، إلا أن التركيز الآن هو على كيفية حل مشكلة أميركا بدلاً من التركيز على كيفية بناء الحكومة العراقية الجديدة وتقاسم السلطة بين الشيعة والسنة، ومعالجة مسألة الجيش العراقي والشرطة العراقية، وهو موضوع لم يتحدث عنه أحد، في حين أنه من الواضح الآن أن الميليشيات تغلغلت في هذه الشرطة، الى درجة أنها لم تعد شرطة وطنية. ومع ذلك، ليس هناك كلام حول هذا الموضوع. وإذا نظرنا الى الأجندة الأميركية نلاحظ أن الحديث ليس عن العراق إلا بقدر ما يمس الوضع الداخلي في الولايات المتحدة، في حين أن القضية العراقية لن تُحل بهذه الطريقة على الإطلاق.

* هل هناك تقصير أيضاً من قبل الدول العربية في محاولة إيجاد حل لمشكلة العراق؟

ـ هناك تقصير من قبل العالم كله.

* الى أي مدى أخطأت الحكومات العربية، برأيك، في البقاء بعيداً عما يجري في العراق، بينما انخرطت دول مثل إيران في عملية إعادة البناء بصورة مبكرة بهدف ضمان مصالحها؟

ـ لا شك أن الإيرانيين كانوا أقرب من الصورة وكانوا يتابعون عن كثب ما يجري في العراق. ويعتبر عدد كبير من الإخوان الشيعة في العراق أن هناك لوماً عليهم بسبب لجوئهم الى إيران، لكنهم كثيراً ما يتساءلون "أين الدولة العربية التي رحّبت بنا ورفضنا أن نذهب اليها؟ فلم يرحِّب أحد بنا عندما كنا نعاني من الاضطهاد". ولهذا السبب، كان لدى إيران لاجئين عرب، وعلى وجه الخصوص شيعة، أكثر من الدول الأخرى، والأمر الأكيد هو أنهم أظهروا اهتماماً ومتابعة أكبر مما أظهره الآخرون، إلا أن ذلك لا يبرر أي محاولة من قبلهم للانفراد بأي أمر في العراق.

* هل هناك ما يدعو للقلق من ذلك، لا سيما في ضوء تخوف بعض الدول المجاورة من زيادة نفوذ إيران في العراق؟ ـ أعتقد أن ما يدعو للقلق الشديد هو العلاقة بين العربي السني والعربي الشيعي. أما في ما يتعلق بأسبابه وعواقبه فهناك أمور كثيرة. أولاً، في ما يخص الشيعة، إذا كنا ندعو الشيعة العرب في العراق الى الاعتراف بأن هناك أناساً آخرين معهم في العملية السياسية ولا بد من إرضاء هذه الشريحة الهامة من العراقيين، وهم العرب السنة، فلا بد أن نعترف أيضاًَ بأن الشيعة كانوا مظلومين إذ أنهم كانوا يمثلون فقراء البلد وكانوا مهمشين في الكثير من الأحيان. وبالتالي، فان حديثهم بأنهم لن يقبلوا بعودة الوضع السابق هو حديث مشروع مائة في المائة. ولكن ليس معقولاً إذا كنت تقول إن نظام صدام حسين كان مضطهداً للشيعة أنه ينبغي الآن على الشيعة أن يضطهدوا السنة، وان كان لا بد لنا من الاعتراف بأن الشيعة كانوا مضطهدين وهذه المقابر الجماعية ليست افتراء بل حقيقة، كما أن القمع الشديد الذي قام مع حرب الكويت في جنوب العراق استند الى حقائق رأيناها. إذاً، الشيعة لهم مطالب مشروعة ولا يريدون العودة الى الوضع الذي كان قائماً، وهذا أيضاً أمر مشروع ويجب الاعتراف به. ولكن في الوقت نفسه، لا يمكن أن يحل محل السيطرة السابقة سيطرة جديدة. أما في ما يتعلق بإيران، من الضروري أن نعترف أولاً نحن في منطقتنا بأن الإيرانيين هم جزء من المنطقة، ولا بد أن نعترف أيضاً بأن لديهم اهتمامات ومخاوف مشروعة. واهتمامهم بما يجري في العراق هو أمر مشروع ولا بد من الاستماع الى رأيهم في هذا الموضوع. أما التدخل، فهو غير مقبول على الإطلاق.

* هل يشكل الدور الايراني في العراق اليوم تدخلاً في الشؤون العراقية؟

ـ أنا أتحدث عن مبدأ أن يكون لهم رأي وأن تكون لديهم مصالح وانشغالات، وهو مبدأ مشروع. كما أن الاستماع لرأيهم واعتبارهم جزءً من المشاورات التي تجري في المنطقة، هو أمر مشروع. أما التدخل فهو غير مقبول، لا من الإيرانيين ولا من غيرهم.

* الى أي مدى تتحمل برأيك الحكومات العربية وغير العربية المسؤولية في غض الطرف عما كان يجري في العراق تحت نظام صدام حسين؟

ـ المبدأ الذي كان متبعاً عند العرب وغير العرب لمدة طويلة كان مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية. وقد تغيرت هذه النظرية الأساسية في العلاقات الدولية بعض الشيء خلال الثمانينات والتسعينات في بقية العالم، وربما لم نساير نحن في المنطقة هذا الوضع واستمررنا في حديثنا بأن أهل مكة أدرى بشعابها وعدم التدخل المطلق في الشؤون الداخلية. وكان الشيخ زايد، رحمه الله، الوحيد الذي تجرأ، عندما كان هناك تهديد على العراق، وقال "خلّينا نطلب من صدام أن يمشي"، ولكن بقية العرب لم يشاطروا موقفه. وما من شك في أن الحكومات العربية مسؤولة عما يجري في منطقتنا، كما أنها مسؤولة عن التأخير الحاصل في مجالات عديدة. أما اذا ما كانت هذه الحكومات مسؤولة عما حصل في العراق، فالحقيقة هي أن الولايات المتحدة هي المسؤول الأول لعدم وجود أي مبرر لهذه الحرب. وأعتقد أن ذلك بدأ يظهر الآن بوضوح إذ بات من الواضح أن موضوع أسلحة الدمار الشامل هو كلام فارغ، كما بات من الواضح أن ذهاب الأميركيين لتغيير النظام في بلد بهذه الطريقة لم يكن صحيحاً. وهذا ليس تأييداً للنظام الذي كان قائماً في العراق، بالعكس.

* هل سترضى الولايات المتحدة الآن بتوسيع دور الأمم المتحدة في العراق، في ضوء المصاعب التي تواجهها هناك؟

ـ أعتقد أن الادارة الأميركية لا تزال تسعى الى الحد من هذا الدور في الوقت الحالي، إذ ترى أنه يجب أن يقتصر على المجال الإنساني وتقديم الدعم في الانتخابات. لكن، أعتقد أن هناك دوراً للمنظمة إذا ما اتجهت الولايات المتحدة بوضوح أكبر نحو محاولة خلق حوار مع المهمشين، سواء كانوا يحملون السلاح أم لا. ولا شك أن الأمم المتحدة مؤهلة أكثر من غيرها للقيام بهذا الدور. ولا بد من الإشارة الى الدور الايجابي الذي قامت به الجامعة العربية في الفترة الأخيرة مع زيارة عمرو موسى الى العراق والاجتماع الذي تم عقده في القاهرة والذي كان صورة للمؤتمر الوطني الذي اقترحته في العراق عام 2004. وإذا تمكنت الجامعة العربية من مواصلة هذا الدور وسُمح لها بذلك وتعاون معها الجميع فيمكن أيضاً أن نتصور دوراً مشتركاً بين الجامعة العربية والأمم المتحدة في محاولة لإنهاء الفتنة في العراق.

* هل يتضمن ذلك إمكانية أن تحل الجامعة العربية والأمم المتحدة محل القوات متعددة الجنسيات في العراق؟

ـ هذا موضوع أكثر تعقيداً. فمن أين نأتي بقوات لحفظ السلام؟ ثم إن الولايات المتحدة لن تسمح إلا بقوات تشارك معها، على الأقل في المستقبل المنظور. لكن الموضوع يمكن معالجته إذا ما كانت هناك عملية حقيقية لإنهاء الفتنة في العراق وموقف واضح من الولايات المتحدة مؤيد لذلك.

* هل بدأت الولايات المتحدة تدرك الآن أن الوقت حان للبدء في تطبيق استراتيجية للخروج من العراق؟

ـ الأميركيون باتوا يتحدثون كثيراً عن استراتيجية للخروج ولكنهم لا يزالون يتحدثون عن حل مشكلة الولايات المتحدة ولا يتحدثون كثيراً عن كيفية حل مشكلة العراق.

* الى أي مدى تدفع الإدارة الأميركية اليوم ثمن الأخطاء التي ارتكبتها خلال عهد بول بريمر؟

ـ من الواضح جداً أن حساباتهم كانت خاطئة وأعتقد أنه لا يوجد الآن في الولايات المتحدة مَن ينكر هذه الأخطاء التي تسببت في كثير من المتاعب التي يواجهها الآن كل من العراق والولايات المتحدة.

* ما هو الخطأ الأساسي الذي ارتكبه الأميركيون في العراق، في تقديركم؟

ـ الخطيئة الكبرى بكل تأكيد هي الاحتلال نفسه. فما الذي دفع الأميركيين الى غزو بلد واحتلاله؟ هناك الآن شبه إجماع في الولايات المتحدة على أن كل الخطوات التي اتخذت كانت مبنية على أخطاء كبيرة، بما في ذلك حل الجيش والشرطة. كما أن قرار حل حزب البعث، ليس باعتباره حزب بعث فقط بل باعتباره حزباً كان يمثل الدولة، أدى الى حل الدولة في العراق. وأعتقد أن هناك خطأ اليوم في التعامل مع مسألة بناء الجيش والشرطة التي تشرف عليها الولايات المتحدة، إلا أن أحداً لا يتحدث عنها، رغم أنه لم يعد سراً على أحد أن أجهزة الأمن والميليشيات تغلغلت داخل هذه الشرطة، وبات هناك خوف الآن بألا يكون ولاؤها للدولة العراقية وللشعب العراقي وإنما للميليشيات التي أتوا منها. وهناك خطر كبير في بلد مثل العراق إذا كانت قوات الأمن الوطنية لا تدين بالولاء للدولة وللشعب ككل، إنما تدين بالولاء لميليشيات وطوائف.

* الى أي مدى ساهم دور الأمم المتحدة بشكل عام، والدور الذي قمتم به أنتم شخصياً، في تكريس الطائفية في العراق؟

ـ لا أعتقد أننا خلقناها، بكل تأكيد، وإن كنا لم نعالجها. ولكنني لا أعتقد أن دور الأمم المتحدة في العراق كان واسعاً الى درجة أنه يستطيع أن يؤثر على الوضع الى هذا الحد، سواء تعلق الأمر بفترة وجودي هناك أو ما قبل ذلك وما بعده، على حد سواء. دورنا في العراق كان ولا يزال محدوداً جداً.

* لكنكم لعبتم دوراً بارزاً في وضع أسس الحكومة الانتقالية؟

ـ الدور الذي قمت به، أولاً، كان يتمحور حول الفتوى في إمكانية إجراء الانتخابات خلال شهرين، الأمر الذي كان غير ممكن في طبيعة الحال، وثانياً، تحديد التاريخ الذي يمكن أن تتم فيه هذه الانتخابات. وخلصنا الى أن الانتخابات يمكن أن تجرى في يناير (كانون الثاني) 2005. وكان مطلوباً منا المساعدة في تشكيل حكومة انتقالية من دون أن تكون لنا حرية العمل في تشكيل هذه الحكومة. ومع ذلك، ساهمنا في تشكيلها. وليس سراً أنني لم أكن راضياً تماماً على تشكيلة الحكومة، وقلت في حينها إن قاعدتها ليست واسعة بالقدر الكافي، ولذلك اقترحنا أيضاً عقد مؤتمر مصالحة وطنية في صيف 2004، إلا أنه تم بطريقة مخالفة تماماً لتصورنا. وما حصل هو أن أعضاء مجلس الحكم الذين أخرجناهم من الباب عادوا ودخلوا من النافذة، وذلك من خلال هذا المؤتمر الذي أفرِغ من معناه ومغزاه وفائدته.

* أنتم لا تعتبرون إذاً أن الأشخاص الذين أتت بهم الولايات المتحدة كانوا يمثلون الشعب العراقي تمثيلاً حقيقياً؟

ـ بالتأكيد. إن مشكلة العراق هي أن الأشخاص الموجودين في الداخل كانوا يعيشون تحت نظام قاهر، فلم تكن هناك شخصيات بارزة بينهم، وهؤلاء الذين جاءوا من الخارج، جاء بعضهم على ظهر دبابات أميركية، بكل ما للكلمة من معنى، وأظهرت الانتخابات الأخيرة أنهم لا يتمتعون بقاعدة شعبية على الإطلاق.

* كيف تعاملتم مع قرار واشنطن عدم الأخذ بالأسماء التي طرحتموها لتولي مناصب بارزة في الحكومة العراقية الانتقالية؟

ـ في الحقيقة، لم يكن هناك أشخاص نريدهم ويقبل بهم الجميع. وقد ذهب الأصدقاء الى حد المطالبة بتشكيل حكومة ناصرية تقريباً. أين نحن من ذلك؟ ما قمنا به هو تشكيل الحكومة الممكنة في عراق 2004 وليس حكومة الخيال التي كنا نحلم بها أنا وغيري.

* ما مدى صحة ما كشف عنه بول بريمر في كتابه الأخير بشأن وجود اتفاق بينكما على عرض منصب الرئيس على عدنان الباجه جي مع العلم المسبق أنه كان سيرفض هذا العرض؟

ـ هذا غير صحيح بالنسبة لي وإن كان هناك احتمال وجود اتفاق على ذلك بين بريمر وأناس آخرين، أو احتمال موافقة الباجه جي أيضاً على تلك الفكرة. ما أعرفه شخصياً هو أن الباجه جي كان حقيقة متردداً، ولكن عندما اقترحنا عليه منصب الرئاسة كان اقتراحاً جاداً بالنسبة لي وإن قال في النهاية إنه لا يريد المنصب. فلم يكن هناك أي اتفاق بيني وبين بريمر أو بيني وبين الباجه جي.

* الى أي مدى كانت هذه المهمة صعبة بالنسبة لكم شخصياً، علماً بأنكم لعبتم منذ الستينات دوراً بارزاً في دعم استقلال الدول النامية، وفي العراق كنتم تتعاملون مع سلطات الاحتلال؟

ـ كان الأمر صعباً للغاية بالنسبة لي، ولم أذهب الى العراق إلا بعد تردد شديد وضغوط كبيرة وتشجيع عدد كبير من الإخوان العرب بمن فيهم العراقيون. ورغم ذلك، كان من الصعب جداً الذهاب الى بلد عربي محتل والعمل فيه مع سلطات الاحتلال. ويبقى السبب الأهم الذي جعلني أقبل في نهاية الأمر بأن أذهب الى العراق هو تأكيد الولايات المتحدة على أنها تريد إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب العراقي من استعادة سيادته الكاملة والاعتراف بأنها لا تستطيع أن تقوم بذلك وحدها، وهي التي طلبت مساعدة الأمم المتحدة لتحقيق ذلك. ولم يكن باستطاعة الأمين العام أو باستطاعتي رفض طلب بلد استعماري يقول إنه يريد أن ينهي احتلاله ويطلب مساعدتنا. لكن في نهاية المطاف، لم يحصل ذلك بالشكل الذي كنا نتمناه. ومن هنا ينبع شعوري بخيبة الأمل وبحرج كبير لأنني شاركت في هذه العملية.

* هل شعرت بأنه تم استغلالكم الى حد ما؟

ـ نعم، الى حد كبير، لا شك في ذلك.

* لأول مرة وجه لكم الأعلام العربي انتقاداً لما اعتبره البعض استغلال الإدارة الأميركية لكم من أجل تحقيق أهدافها في العراق. هل كان هذا الانتقاد في محله؟ ـ معلوم، كان هذا الانتقاد مشروعاً، ولكن ما لم يكن مشروعاً هو الاتهام بالتواطؤ مع الاحتلال، الأمر الذي لا مبرر له. أما الانتقاد بأن العمل الذي قمت به لم يجدِ أو أنه كان في نهاية الأمر مخيباً للآمال، فهذا في محله مائة في المائة.

* هل يفاجئك اليوم ما يحدث في العراق أم أنك كنت تتوقعه؟

ـ لا يفاجئني ما يحدث إذ أن الاحتلال يجلب المقاومة والمقاومة تجلب القمع والتعذيب والسجون السرية، وهو ما حصل في كل مكان لأن الظروف نفسها تولِّد ردود الفعل نفسها.

* ما هي النصيحة التي قد تقدمونها الى المسؤولين الأميركيين وزعامات المتمردين من أجل وضع حد للعنف من الجانبين؟

ـ السفير الأميركي في العراق، خليل زاد، قال أكثر من مرة إن الاستقرار والأمن لن يعودا بالوسائل العسكرية وحدها. عندما تكلمت عن مقاومة مشروعة وقامت القيامة، كنت أستشهد بما قاله رئيس الولايات المتحدة نفسه عندما صرح بأنه كان بلده محتلاً لو لانخرط في المقاومة. فالأميركيون، طبعاً، يعترفون بأن هناك مقاومة ولها ما يبررها. من أهم الاقتراحات التي قدمناها خلال فترة وجودي في العراق والتي فشلت في الحقيقة ـ ومع الأسف فان كلمة حق تحولت الى باطل ـ هي الدعوة الى عقد مؤتمر وطني بعد تحقيق هدف أساسي وهو تشكيل الحكومة. كنت أتصوَّر، وكان واضحاً للجميع، أن هذا المؤتمر الوطني سيكون مؤتمر مصالحة وطنية لأن الحكومة التي تم تشكيلها بسبب الفيتوهات المختلفة كانت قاعدتها ضيقة الى أقصى الحدود. لكن ذلك المؤتمر استُغل من قبل بعض الأطراف ولم يكن مؤتمر مصالحة وطنية بل تحول الى مؤتمر انقسام وطني.

* مَن هم أصحاب الفيتوهات التي تتحدثون عنها؟

ـ السيستاني والولايات المتحدة والأكراد وبعض أعضاء مجلس الحكم، إذا ما اكتفينا بذكر أبرز هذه الأطراف.

* لكن، هل تعتقدون أنكم نجحتم في العراق أم أن مهمتكم باءت بالفشل الى حد كبير؟

ـ لا، لم أنجح، طبعاً. أولاً، لأن المهمة كانت مستحيلة، خصوصاً بعدما تم تدمير البلد واحتلاله. وجاء الأميركيون بهؤلاء الناس الذين أتوا بهم من الخارج مع العلم بأن العراقيين في الداخل كانوا مشتتين. ذهبت الى العراق في أواخر فبراير (شباط) من عام 2003. فهل يمكن للبلد أن يتحد في ثلاثة أشهر؟ إنها مهمة مستحيلة ولذلك قلت أن تشكيل حكومة ـ أي حكومة تقريباً ـ بهدف البدء في عملية استعادة السيادة وعقد المؤتمر الوطني، كان ينبغي أن يشكل أساساً للم شمل الشعب العراقي، إلا أن ذلك لم يحصل.

* هل حان الوقت في رأيكم لدخول الولايات المتحدة والحكومة العراقية في مفاوضات مع المتمردين والمسلحين؟

ـ لا بد من أن يتم الاعتراف أولاً بأن العملية السياسية يجب أن يكون من أولوياتها التعامل مع الوضع الأمني، ثم إن التعامل مع الوضع الأمني لا يمكن أن يتم بالوسائل العسكرية وحدها. يجب النظر أولاً الى الاتفاق على هذه المبادئ قبل النظر في كيفية تحقيقها. ولا بد من تحديد الجهة التي ستتعامل مع المقاومة والمتمردين، سمهم كما شئت. هل هم العراقيون أم الأميركيون؟ أو كلاهما؟ يتم الحديث في هذه الأمور بعد الاعتراف بالحقائق الأساسية.

* لكن، هل بدأت واشنطن فعلاً القبول بمبدأ الاعتراف بأن الأزمة لن تحل بالأساليب العسكرية وحدها بل أن حلاً سياسياً هو المطلوب لوضع حد للعنف؟

ـ من الأمور القليلة المشجعة أن سفير الولايات المتحدة في العراق، زلماي خليل زاد، طرح أكثر من مرة في الفترة الأخيرة هذه الفكرة، وقال إنه لا يوجد حل عسكري للوضع في العراق، وإنه لا بد من الاتصال بجميع الأطراف بما فيها تلك الأطراف التي لا تزال غير راضية عما يجري، حتى المقاومة. وأعتقد أنه يقصد كل هؤلاء الموجودين خارج النظام باستثناء جماعة الزرقاوي ومَن يريد عودة صدام حسين. أما كل مَن تبقى فيجب الاتصال بهم والبحث عن حل. هذا أمر مشجع وهو نفس الكلام الذي قلته قبل أكثر من سنة.

* بناء على تجربتكم في جنوب أفريقيا، حيث أشرفتم على عملية الانتقال من نظام الأبارتايد العنصري الى نظام ديمقراطي، هل تعتقدون أنه كان من الأنسب للعراق البدء بإنشاء آلية مشابهة للحقيقة والمصالحة قبل محاكمة بعض رموز النظام السابق، وفي مقدمتهم صدام حسين؟ ـ الحقيقة هي أن الأطراف في جنوب أفريقيا اختلفت وتشاجرت وتوقفت الاتصالات والمفاوضات بينها ثم بدأت من جديد لمدة خمس سنوات بلياليها، ثم عُقدت انتخابات بين أشخاص كانوا متفقين على كل الأمور. كما أن إنشاء لجنة الحقيقة والمصالحة تم على يد شخص في جنوب أفريقيا يمكن اعتباره رجل القرن العشرين. أين هذا الرجل في العراق؟ يا ليته كان موجوداً.

* أين مانديلا العراق؟

ـ نعم، أين مانديلا العراق؟

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف