جريدة الجرائد

مقامات الأئمة والفتنة بالعراق

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك


رضوان السيّد


جاء تفجير مقام الإمامين علي الهادي (العاشر) والحسن العسكري (الحادي عشر) ليزيد من التأزم السياسي والامني المتفاقمين بالعراق. وسامراء (سر من رأى) مدينة بناها الخليفة المعتصم العباسي الذي خلف أخاه المأمون، وانتقل إليها مع جنده الترك الذين كانوا قد بدأوا يؤذون اهل بغداد بعراضاتهم العسكرية ومواكبهم وقلة "تهذيب" عامتهم. وازدهرت المدينة في عهد المتوكل ابن المعتصم على الخصوص لطول عهده (232 ـ 248هـ)، ولأنه بنى فيها عدداً من القصور، وأتمّ نقل كل ادارات الدولة. وقد اشتهر المتوكل بأنه هو الذي تخلى عن المعتزلة لصالح السنة وأهل الحديث. والصحيح انه كان يخشى كل ذي زعامة جماهيرية، كما كان لا يحب جداليات المعتزلة التي ادخلته في مشكلات مع العامة، ومن ضمنهم جنوده الاتراك. ولذلك اطلق سراح احمد بن حنبل خصم المعتزلة اللدود حتى وفاته (241 هـ)، كما كان شديد الكراهية لشيعة الامام علي وأهل البيت، ولذلك نقلهم معه إلى سامراء ليكونوا تحت رقابته المباشرة، ولذلك توفي الامامان العاشر والحادي عشر بسامراء، وفي سن صغيرة (ما بين 25 و35 سنة)، والمعروف ان منظومة الائمة الاثني عشر ظهرت لدى عدد من الفرق الاسلامية في مطلع العصر العباسي (القرن الثامن الميلادي)؛ لكنها تحولت إلى عقيدة بعد القرن التاسع الميلادي لدى قسم من الشيعة القائلين بانحصار الامامة المعصومة في اثني عشر من نسل الامام الحسين بن علي، من اهل بيت النبي، وهم الذين عرفوا بالاثني عشرية، ويشكلون الاكثرية الساحقة بين الشيعة في العالم اليوم؛ بل ومنذ القرن السادس عشر الميلادي.
وأهمية سامراء لدى الاثني عشرية لا تنحصر بدفن الامامين الهادي والعسكري فيها؛ بل ان محمداً الملقب بالمهدي "غاب" فيها أو دخل في سرداب على مقربة من قبر والده الحسن العسكري، وهو طفل في الخامسة أو السادسة، وهو الامام الثاني عشر المنتظر، وقد زال الاضطهاد عن الجماعة الشيعية بأقطار الدولة العباسية قبل مجيء امراء بني بويه بقليل (وهم أسرة من الديلم من الشيعة الامامية في الغالب، وسيطروا على بغداد وسامراء مطلع القرن العاشر الميلادي)، وفي عهدهم بني المقام الأول أو المزار الاول للهادي ثم للعسكري وعلى ضريحهما، فقد دفنا في ما يبدو في مقر إقامتهما، والذي كان بمثابة موقع الاعتقال التحفظي.
وظلت مدينة سامراء في الغالب مدينة سنية، رغم خروج السلطة العباسية منها وعودتها الى بغداد منذ أيام البويهيين. وما قامت فيها حوزة علمية شيعية كبيرة، رغم بدء كثير من كبار المجتهدين فيها، وظلت ثالثة بعد النجف وكربلاء بين مزارات التقديس، كما بين الحوزات، وليست بين الشيعة والسنة مشكلات فيها حتى بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وبروز الانقسام الشيعي السني في البلاد. وأكاد أكون على يقين أن الذين قاموا بتفجير المقام ليسوا من سامراء، بل وليسوا من العراق. فالعراقيون أياً تكن اعتقاداتهم وحزبياتهم يدركون هول هذا العمل، وتأثيراته السلبية الكبيرة على الأوضاع الداخلية، وليس باستطاعة أحد فرداً أو جماعة تحمل مسؤولية ذلك، وما تلاه وسيتلوه من فظائع. وقد يكون المنفذون للجريمة من التكفيريين الذين يعتبرون زيارة القبور شركاً. لكن الجهة التي اخترقتهم ودفعتهم للقيام بذلك همها احداث الحرب الأهلية، وتدمير بقايا وحدة العراق، ومنع قيام حكومة وحدة وطنية. والمعروف أن نكسات عدة سياسية هذه المرة وليست أمنية، نالت من الأميركيين في الأسابيع الأخيرة فقد انهزم أنصارهم في الانتخابات، وازداد النفوذ الايراني، وعاد الجعفري الذي لا يحبونه ليكون المرشح لرئاسة الحكومة الجديدة. وهم يصرون الآن على أن لا تبقى وزارتا الداخلية والدفاع بيد الشيعة، من رجالات المجلس الأعلى أو حزب الدعوة، بعد أن ثبت ضلوع الحزبين في تنظيمات سرية، وفرق للاغتيال ضد السنة. لكنهم أيضاً لا يحبون مقتدى الصدر، الذي نصر عودة الجعفري لخصوماته العميقة مع آل الحكيم ولاة أمر المجلس الأعلى. فالصدر هو الزعيم الشيعي البارز الوحيد الذي يجاهر الأميركيين بالعداء، وشيعة سامراء بينهم كثرة من أتباعه.
المشهد مختلط ومعقد. ويصعب اتهام الأميركيين بالضلوع في التفجير. إذ كيف سيقنعون الزعامات الشيعية الفائزة في الانتخابات الآن بالموافقة على حكومة وحدة وطنية، وزير الداخلية فيها سني؟! ثم ان الأكراد الذين عملوا وسطاء بين الشيعة والسنة والأميركيين في الأسابيع الأخيرة، سيجدون أن الانفصال قد يكون أفضل لهم، بدون وجع رأس، ووقوف على الخواطر، وأين حريري العراق الذي يستطيع أن يكون قاسماً مشتركاً بين كل الأطراف؟ العرب ما يزالون ضعيفي الحضور أو غائبين. واللجوء الى الايرانيين فضلاً عن أنه سخرية سوداء، لن يحظى بموافقة الأميركيين الذين يريدون مواجهتهم الآن بسبب النووي وغير النووي. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف