جريدة الجرائد

سيناريو العار

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

الثلاثاء: 2006.02.28

فهمي هـويــدي



قد لايفاجئنا التواطؤ الدولي على حصار الشعب الفلسطيني بهدف تجويعه وإذلالهrlm;,rlm; وصولا إلي إفشال حكومة حماس وإجبارها إما علي الاستسلام أو الاستقالةrlm;.rlm; لكن حين تشترك دول عربية في ذلك الحصارrlm;,rlm; فذلك هو العار بعينهrlm;.rlm;
rlm;
(1)rlm; لم تخل من فجاجة تلك التصريحات التي مهدت لزيارة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس إلي القاهرة في الأسبوع الماضيrlm;,rlm; وذكرت أن من بين الموضوعات المدرجة علي جدول مباحثاتها تشجيع الديمقراطية في مصرrlm;,rlm; ومعاقبة الفلسطينيين لأنهم مارسوا الديمقراطية في بلدهمrlm;!rlm; ـ بطبيعة الحالrlm;,rlm; فإن الشق الأخير من الجملة لم يذكر بهذا الوضوحrlm;,rlm; ولكنه غلف بعبارات دبلوماسية أخفت القبح في المهمةrlm;,rlm; من قبيل مناقشة أوضاع مابعد نتائج الانتخابات الفلسطينيةrlm;.rlm; وكانت تلك المناقشة التي جرت بعد الانتخابات قد أسفرت في الولايات المتحدة عن قرار بوقف المعونات المالية عن السلطة الفلسطينيةrlm;,rlm; واسترجاع معونةrlm;(rlm; نحوrlm;50rlm; مليون دولارrlm;)rlm; كانت مخصصة للبنية التحتية في الضفة الغربيةrlm;.rlm; وتم ذلك بجرأة بدا فيها التناقض صارخاrlm;,rlm; في اعلان ضمني صريح عن أن الأمر حين يتعلق بالمصالح الإسرائيليةrlm;,rlm; فكل منطق يمكن إهدارهrlm;,rlm; وكل سياسة يمكن أن تنقلب إلي نقيضهاrlm;!rlm;

خلال رحلتها التي شملت بعد ذلك أكثر من عاصمة عربيةrlm;,rlm; شددت السيدة رايس علي أهمية محاصرة حماس والضغط عليهاrlm;,rlm; إلي أن تمتثل للطلبات الإسرائيلية الثلاثةrlm;(rlm; الاعتراف بالدولةrlm;,rlm; وإلقاء السلاحrlm;,rlm; وتأييد الاتفاقات المعقودة مع السلطة الفلسطينيةrlm;).rlm; وهي لم تكن وحيدة في ذلك بطبيعة الحالrlm;,rlm; لأن السفارات الأمريكية لم تقصر في أداء الواجب في مختلف أنحاء العالمrlm;.rlm;

هذه المهمة بادرت إليها الدبلوماسية الإسرائيلية منذ ظهرت النتائج الأولي للانتخاباتrlm;.rlm; ذلك أن تل أبيب أطلقت حملة تعبئة مضادة لمحاصرة الفلسطينيين وتجويعهمrlm;,rlm; فانطلق وزراؤها وبرلمانيوها ودبلوماسيوها في كل اتجاه داعين إلي مقاطعة الحكومة الفلسطينية الجديدةrlm;,rlm; ما لم تستجب للطلبات الثلاثةrlm;.rlm; وتابعنا في صحف الأسبوعين الأخيرين كيف نشطت تلك التحركات في بعض عواصم العالم العربيrlm;,rlm; مشرقه ومغربهrlm;.rlm; وأدهشتنا تصريحات المبعوثين الإسرائيليين التي أعربت عن نجاحات حققوها في هذا الصددrlm;.rlm;

لم يقف الأمر عند حد الإلحاح علي محاصرة الفلسطينيينrlm;,rlm; وإنما تجاوزه إلي تخويف دول العالم من الآثار الكونية الخطيرة التي يمكن أن تترتب علي فوز حماسrlm;,rlm; التي قد تؤدي في زعمهم إلي نشوب أول حرب عالمية من نوعها في القرن الحادي والعشرينrlm;,rlm; وكانت تلك هي الرسالة التي عبر عنها مندوب اسرائيل الدائم لدي الأمم المتحدةrlm;,rlm; داني جيليرمنrlm;,rlm; في خطاب ألقاه أمام جلسة لمجلس الأمن فيrlm;(2/22)rlm; خصصت لبحث موضوع الإرهابrlm;.rlm;
rlm;
(2)rlm; حملة التعبئة المضادةrlm;,rlm; الإسرائيلية والأمريكيةrlm;,rlm; استهدفت أمرا آخر هوrlm;:rlm; محاصرة حماس في الخارجrlm;,rlm; وقطع الطريق أمام محاولاتها مخاطبة عواصم العالمrlm;,rlm; وبالتالي اغلاق الأبواب أمام مساعي الاعتراف بحكومتهاrlm;.rlm; مشهودة الانتقادات التي انهالت علي موسكو لأنها وجهت دعوة إلي وفد من الحركة لزيارتهاrlm;.rlm; ولم تهدأ تلك الجهود إلا بعد الاعلان عن أن القيادة الروسية ستطلب من وفد حماس الاستجابة للشروط الإسرائيليةrlm;.rlm;

كما انه ليس معروفا بعد الضغوطrlm;,rlm; ما إذا كان الرئيس بوتين سوف يلتقي الوفد أم لاrlm;.rlm; ويبدو أن ضغوطا مماثلة مورست علي تركيا التي كانت قد دعت ممثلي الحركة لزيارة أنقرةrlm;,rlm; لمنع اجتماع رئيس وزرائها رجب طيب اردوغان مع خالد مشعل والوفد المرافق لهrlm;.rlm; ونجحت تلك الجهود في تحقيق مرادهاrlm;,rlm; حيث اقتصرت لقاءات الوفد علي الاجتماع مع وزير الخارجية عبدالله جولrlm;,rlm; ومع ذلك لم تسلم الحكومة التركية من الانتقاداتrlm;,rlm; التي ركزت علي انه ما كان لأنقرة أن توجه الدعوة أصلا إلي حماسrlm;.rlm; حتي إن بعض المحافظين الجدد في واشنطن تساءلوا عما إذا كانت تركيا تقبل باستقبال وفد من حزب العمال الكردستاني الانفصالي في البيت الأبيضrlm;.rlm; وتردد السؤال ذاته في اسرائيلrlm;(rlm; لاحظ التوافقrlm;!)rlm; ـ حيث وجهه مدير مكتب رئيس وزرائها إلي الأتراك علي النحو التاليrlm;:rlm; ماذا يكون شعوركم لو أننا استقبلنا عبدالله اوجلانrlm;.rlm; وقد وصف أحد المعلقين الأتراك السؤال بأنه وقحrlm;,rlm; فلا تركيا هي اسرائيل ولا الفلسطينيون كالأكرادrlm;.(rlm; إبراهيم كاراجول ـ صحيفة بين شفق فيrlm;2/17).rlm;

فيrlm;2/21rlm; نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية تحليلا لمحررها العسكري زئيف شيفrlm;,rlm; ذكر فيه أن تل أبيب مرتاحة للموقف العربي من حماسrlm;.rlm; وادعي أن وفدا للحركة كان في زيارة لإحدي العواصم العربية أخيرا لإجراء بعض الاتصالاتrlm;,rlm; وأن الوفد طلب الاجتماع مع رئيس الدولةrlm;,rlm; ولكن الطلب قوبل بالاعتذارrlm;.rlm; وكانت الصحف العربية اللندنية قد نشرت قبل عشرة أيام أن اتصالات جرت لترتيب زيارة يقوم بها وفد من حماس لدولة عربية أخريrlm;,rlm; بعد عودة رئيسها من الولايات المتحدة ـ وكان مقررا أن يكون علي رأس الوفد خالد مشعل رئيس المكتب السياسي للحركةrlm;.rlm; غير أن الوضع تغير بعد العودةrlm;,rlm; حيث اعتذرت الدولة المذكورة عن استقبال مشعلrlm;,rlm; الأمر الذي ترتب عليه الغاء الزيارةrlm;.rlm;

لم تحقق مساعي الحصار هدفها بالكاملrlm;,rlm; حيث التقي قادة حماس رؤساء ثلاث دول عربية حتي الآنrlm;,rlm; هي سوريا وقطر والسودانrlm;,rlm; وكانت لهم زيارة ناجحة إلي طهرانrlm;.rlm; مع ذلك أخشي أن تصبح تلك الزيارات استثناءات علي الطوق الذي تتحرك اسرائيل والولايات المتحدة بهمة مشهودة لفرضه من حول الحركةrlm;,rlm; مستهدفا اغلاق جميع الأبواب في وجههاrlm;.rlm;
rlm;
(3)rlm; ينتابني شعور بالخزي والحزن حين اقرأ الأخبار التي تتحدث عن تعاون بعض الأطراف الفلسطينية مع الإسرائيليين لإضعاف حكومة حماس وافشالهاrlm;.rlm; ولا أريد أن أصدق الأخبار التي يروج لها الإسرائيليون عن تعاون أمني مع بعض الدول العربية لمواجهة مرحلة مابعد تولي حماس للسلطةrlm;.rlm; ولا أتردد في وصف هذه التقارير والأنباء ـ إذا صحت ـ بأنها من مشاهد سيناريو العارrlm;.rlm;

يومrlm;2/19rlm; نشرت صحيفة الصنداي تايمز اللندنية أن مسئولين رفيعي المستوي من الفلسطينيين والإسرائيليين عقدوا اجتماعات سرية يوميrlm;8rlm; وrlm;9rlm;فبراير في معهد جيمس بيكر للسياسات العامة بمدينة هيوستنrlm;,rlm; تطرق البحث فيها إلي سبل اضعاف حركة المقاومة الاسلاميةrlm;(rlm; حماسrlm;)rlm; وتهميش دورهاrlm;,rlm; بعد فوزها في الانتخابات التشريعيةrlm;.rlm; وقال تقرير الصحيفة إن أربعة أشخاص مثلوا كل بلد في تلك الاجتماعاتrlm;,rlm; فكان جبريل الرجوب مستشار الأمن القومي للرئيس أبومازن رئيسا للوفد الفلسطينيrlm;.rlm; ورأس الجانب الإسرائيلي الجنرال اوري ساغوي الرئيس السابق للاستخبارات العسكريةrlm;,rlm; وأدار الحوار السفير الأمريكي الأسبق في كل من دمشق وتل أبيب ادوار جريجيانrlm;.rlm;

ذكر تقرير الصنداي تايمز أن الاجتماع كان معدا له قبل الانتخابات الفلسطينيةrlm;,rlm; ولكن فوز حماس طرح عنوانا جديدا علي جدول أعمالهrlm;.rlm;ومن النتائج المهمة التي أسفرت عنها المناقشات أنها فتحت قناة اتصال جديدة بين أبومازن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بالوكالة ايهود اولمرت والإدارة الأمريكيةrlm;,rlm; يمكن الافادة منها خلال المرحلة المقبلةrlm;.rlm;

علي صعيد آخرrlm;,rlm; نشرت صحيفة الشرق الأوسط تقريرا لمراسلها في تل أبيبrlm;(rlm; فيrlm;2/23)rlm; ذكر أن ناطقا عسكريا اسرائيليا كشف النقاب عن أن جيش بلاده مازال يقوم بأعمال التنسيق الأمني مع الأجهزة الأمنية الفلسطينيةrlm;,rlm; وأن ماتردد عن قطع ذلك الاتصال بين الطرفين ليس صحيحاrlm;.rlm; وأضاف الناطق أن لإسرائيل مصالح تقتضي اجراء الاتصال مع الفلسطينيين وإلا تعرضت تلك المصالح للضررrlm;.rlm; وحاول الناطق أن يخفف من صورة الاتصالات فقال إن اسرائيل تخطر الجهات الأمنية الفلسطينية بالاجتياحات التي تعتزم القيام بهاrlm;,rlm; ليتم ابعاد القوات الفلسطينية من طريقهاrlm;,rlm; لتجنيبهم احتمال الاشتباك معهمrlm;(!).rlm;

وكان شاؤول موفاز وزير الدفاع الإسرائيلي قد صرح فيrlm;2/14,rlm; عقب زيارته لإحدي العواصم العربية بأن مباحثاته مع مسئوليها تناولت أمورا كثيرةrlm;,rlm; كان تطوير التنسيق الأمني وتبادل المعلومات من بينهاrlm;.rlm; الامر الذي يدفعني إلي طرح السؤال التاليrlm;:rlm; في الظروف الراهنة ماهو الموضوع الذي يتطلب اجراء تنسيق أمني بين اسرائيل وأي دولة عربية مجاورة لها؟
rlm;
(4)rlm; في مواجهة الضغوط المكثفة التي تستهدف تجويع الفلسطينيين وحصار حكومتهم الجديدة سياسيا ودبلوماسياrlm;,rlm; يستدعي المشهد عديدا من الأسئلة المطروحة علي العالم العربي بوجه أخصrlm;,rlm; منها علي سبيل المثالrlm;:rlm; أين الدبلوماسية العربية من حملات التعبئة المضادة التي يقوم بها الإسرائيليون والأمريكيون في مختلف القارات والمحافل؟ ـ وما موقف الحكومات من قرار محاصرة الفلسطينيين وتخيير حكومتهم بين الاستسلام أو الاستقالة؟ ـ وأين صوت القوي السياسية ومنظمات حقوق الانسان؟ ـ ولماذا لايبادر الدعاة إلي تعبئة الناس وحثهم علي مساندة الشعب الفلسطيني في الصمود أمام الحصار؟ ـ وهل حسبت جيدا النتائج التي يمكن أن تترتب في الشارع العربي

في حال اتخاذ موقف الحياد بين الفلسطينيين والإسرائيليينrlm;,rlm; أو إذا اصطف أي طرف عربي في الجانب الإسرائيليrlm;,rlm; متبنيا مطالبه الثلاثة؟

لا تكفي في الاجابة عن الأسئلة تلك التصريحات الرسمية التي أطلقت في بعض العواصم العربية داعية إلي عدم معاقبة الشعب الفلسطينيrlm;.rlm; كما أن الكلام عن اعطاء حكومة حماس فرصةrlm;,rlm; الذي قد يعني الصبر عليها لحين اثبات النجاح أو الفشلrlm;,rlm; استقبلته اسرائيل بإيحائه السلبي الذي يتلخص في أن كلام حماس الآن ينبغي ألا يؤخذ علي محمل الجدrlm;,rlm; لأنهم سيفشلون في النهايةrlm;.rlm;

ولايستطيع المرء أن يكتم دهشته إزاء ذلك الصمت العربي الرسميrlm;,rlm; الذي لم يوجه كلمة إلي اسرائيل الضاغطة علي الجميع بقوةrlm;,rlm; تطالبها بأي استحقاق فلسطينيrlm;,rlm; كأنه لايوجد احتلال ولا مستوطنات ولا اجتياحات أو اغتيالاتrlm;,rlm; وكأن الطرف الفلسطيني وحده المطالب بطمأنة اسرائيل والاستجابة لأطماعها التي لاتقف عند حدrlm;.rlm;

في هذه الأجواء المحبطةrlm;,rlm; لا أخفي أنني فوجئت بالخطاب الذي ألقاه السيد عمرو موسي الأمين العام لجامعة الدول العربية في بروكسلrlm;(rlm; يومrlm;2/22),rlm; أمام لجنة العلاقات العربية بالبرلمان الأوروبيrlm;,rlm; ووجه فيه إلي مستمعيه السؤال التاليrlm;:rlm; لماذا تصمتون علي استمرار اسرائيل في بناء الجدارrlm;(rlm; الذي قضت محكمة العدل الدولية ببطلانهrlm;)rlm; وعلي توسيع المستوطناتrlm;,rlm; دون أن توجهوا إليها تساؤلا أو تضعوا شروطا؟ ـ وصارح موسي أعضاء البرلمان الأوروبي بأن هذا الموقف يجسد ازدواج المعايير الذي يسبب النقمة في الشارع العربيrlm;.rlm;

بدا أمين الجامعة العربية في ذلك الخطاب وكأنه طائر يغرد خارج السربrlm;,rlm; حتي إنني قلت بعدما فرغت من قراءتهrlm;:rlm; أخيرا وجدنا مسئولا عربيا تذكر القضية وتحدث عن استحقاق فلسطيني وانتقد الموقف الغربيrlm;.rlm;

نقلت هذا الانطباع إلي السيد عمرو موسي بعد عودته إلي القاهرةrlm;,rlm; وكان تعليقه انه لمس تجاوبا طيبا مع كلامه من جانب العديد من النواب الأوروبيينrlm;,rlm; وأن المجال لايزال مفتوحا في الغرب لوضع القضية في اطارها الصحيحrlm;,rlm; بحيث لا تظل الطلبات الإسرائيلية وحدها المطروحة علي الطاولةrlm;.rlm; وأضاف أنه قام بما يقتضيه فرض الكفاية في الموضوعrlm;,rlm; وان كان الظرف يحوله إلي فرض عين علي الجميعrlm;,rlm; الأمر الذي يعيد طرح السؤالrlm;:rlm; أين الدبلوماسية العربية في المشهدrlm;,rlm; ولماذا تلتزم الصمت إزاء المطالب الفلسطينية؟

لقد تحدث كثيرون عن مأزق حماسrlm;,rlm; ومأزق فتحrlm;,rlm; لكن الضوء لم يسلط بشكل كاف علي المأزق الذي تتعرض له الأنظمة العربيةrlm;,rlm; التي بات عليها أن تحسم موقفها بوضوح لا يحتمل اللبس ويجنبها الوقوع في براثن سيناريو العار ـ لذا لزم التنويهrlm;.rlm;

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف