بن لادن يبدل اسلوبه باستهداف منشآت النفط في «أوبك»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
بوش يغير تحالفات "يالطا" لمحاصرة ايران ...
سليم نصار
يوم الخميس (29 كانون الأول - ديسمبر) الماضي، أطل اسامة بن لادن، زعيم تنظيم "القاعدة" عبر شاشة قناة "الجزيرة" الفضائية، ليبث رسالة جديدة بعد صمت استمر 13 شهراً. كانت الصورة مستخدمة في مناسبة سابقة لأنها أبرزته في صحة جيدة بخلاف الانطباع الذي أعطاه صوته المتهدج البطيء الإيقاع، كأنه صوت طفل يحاول النطق.
استغلت مجلة "تايم" الأميركية (عدد 30 كانون الثاني - يناير) هذه الإطلالة الباهتة لتشير الى رجوعه بكلمتين: "اسامة... عائد". وكانت بهذا التنبيه تحاول استنفار الإدارة الأميركية التي اشاعت ان اسامة المريض فقد السيطرة على التنظيمات الخارجية، وان أبا مصعب الزرقاوي يقود الحركات الارهابية في العالم. ثم جاءت المفاجأة عبر رسالة بن لادن التي وصفها الخبير الفرنسي رولاند جاكرد، بأنها محاولة للفت الانتباه الى أهمية دور "القاعدة"، والى اعلان فصل عملياتها عن عمليات الزرقاوي في العراق والأردن.
وحول هذا الموضوع تقول رسالة بن لادن: "الواقع يشهد ان الحرب ضد اميركا وحلفائها لم تعد محصورة في العراق كما يزعم بوش. لقد استطاع المجاهدون بفضل الله، ان يخترقوا كل الاجراءات الأمنية التي تتخذها دول التحالف الظالمة مرة بعد أخرى. والدليل ما رأيتم من تفجيرات في أهم عواصم الدول الأوروبية. أما تأخر وقوع عمليات مشابهة في أميركا، فلم يكن بسبب تعذر اختراق الاجراءات الأمنية، فالعمليات قيد الاعداد، وسترونها في عقر داركم حال الانتهاء منها".
في ضوء هذا التهديد، أعلنت الاجهزة الأمنية الاميركية حال الاستنفار العسكري، تحسباً لضربة ارهابية داخل الولايات المتحدة، وكعادته في محاولات سابقة، فإن اسامة بن لادن يحرص على استعمال اسلوب التضليل بحيث يعلن عن نيته ضرب اميركا، ولكنه في الحقيقة يستهدف مكاناً آخر. وهذا ما فعله هذه المرة عندما اختار مصفاة "بقيق" في السعودية لإثبات سيطرته على عناصر التنظيم الذي أوجده.
يدعي وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد ان زعيم "القاعدة" حاول اكثر من خمس مرات القيام بعمليات ارهابية استهدفت مواقع صناعية وتجارية في جنوب الولايات المتحدة، ولكن اجهزة الرقابة الوطنية بالتعاون مع مكتب الاتحاد الفيديرالي اكتشفتها واحبطتها. لذلك اضطر بن لادن الى نقل نشاطه الى آسيا وأوروبا وبعض الدول العربية. كما جير القرار التنفيذي الى نائبه أيمن الظواهري بسبب الملاحقة المتواصلة التي يتعرض لها منذ أربع سنوات. وقد أرغمته ظروف التخفي الى تغيير مظاهر سحنته فإذا به يحلق لحيته الطويلة ويتنكر بأثواب رعاة الغنم المنتشرين في تلك المناطق الوعرة. وكان من الطبيعي أن يفقد خلال لجوئه الى مغاور الجبال الشاهقة الممتدة بين حدود افغانستان وباكستان، حرية الاتصال بقادة الوحدات، لذلك فرضت عليه ظروف المطاردة الاعتماد على نائبه الظواهري الذي تولى عمليات ارسال المقاتلين الى العراق. ولقد شغلت أخبار "المجاهدين" اهتمام بن لادن لاقتناعه بأن نجاحه في طرد القوات الأميركية من العراق سيرغمها تلقائيا على الانسحاب من افغانستان، الأمر الذي يفتح الطريق لعودة "طالبان" الى كابول وقندهار. كما يفسح المجال لعودة صديقه وحاميه الملا محمد عمر الذي فقد الحكم بسببه. ولكن ضياع الحكم لم يؤثر على معاملته لضيفه اسامة بحيث وفر له الرعاية الدائمة، وأمّن له حصة كبيرة من أموال "الضريبة" المفروضة على مزارعي الحشيشة والأفيون في جنوب البلاد. ولقد عوضته هذه الأموال عن فقدان المساعدات التي كانت تصله من مؤيدين عبر مصارف عربية وأجنبية.
يقول المراسلون في بغداد ان جماعة "القاعدة" لم تنجح في الالتحام مع عناصر قوات صدام حسين بسبب جهلها بقتال الشوارع والمدن، لذلك اعتمدت على توجيهات أبي مصعب الزرقاوي الذي منعه بن لادن لقب "أمير بلاد الرافدين". والملاحظ ان الزرقاوي سرق أضواء الاعلام بعد اعتقال صدام حسين (تشرين الثاني/ نوفمبر 2003)، وراح يصدر بياناته باسم "تنظيم التوحيد والجهاد". ويشاع في العراق، ان العمليات الدموية التي تستهدف الشيعة، وجدت قبولاً لدى عناصر الجيش العراقي المنحل الذي أعان الزرقاوي بالأسلحة والخبرة والحماية. ولكنها أزعجت بن لادن الذي كتب الى الزرقاوي يحضه على تركيز عملياته ضد المحتل الأميركي لأن قتل الشيعة سيؤدي الى حدوث فتنة طائفية تستوجب بقاء الاحتلال.
عقب اعتقال الرجل الثالث في "القاعدة" أبو فرج الليبي (4/5/2005) كثفت القوات الباكستانية والأميركية هجماتها على منطقة وزيرستان المتاخمة لحدود افغانستان. وذكر مراسلون اميركيون رافقوا الوحدات الباكستانية الخاصة، ان بعض الأسرى اعترف بأن اسامة بن لادن يعاني من مشاكل صحية ربما شغلته عن القيام بمسؤوليات القيادة. وقال ابو فرج الليبي في اعترافاته ان رئيسه بن لادن أوصاه كما أوصى حراسه، بضرورة اطلاق النار عليه في حال نجحت القوات المعادية في محاصرته واكتشاف مخبئه. لهذه الأسباب وسواها بث نائبه الأول أيمن الظواهري، رسائل عدة عبر الانترنت يؤكد فيها ان معلمه يتمتع بصحة جيدة تسمح له باستئناف دوره كزعيم لـ "القاعدة".
السؤال الذي طرحه المحللون عقب عملية "بقيق" الفاشلة، يتعلق بمحاولة الربط بين ما أعلنه أسامة بن لادن في رسالته الأخيرة، وبين عبارات التهديد التي وجهها الى بوش وتشيني ورامسفيلد وولفوفيتز!
ومن هذا السؤال ينبثق سؤال آخر: لماذا أرسل بن لادن آخر المطلوبين في قائمة الـ36 إذا كان يعرف سلفاً أن الحراسة المشددة حول منشآت النفط ستمنعهم من تحقيق الهدف المطلوب؟!
الجواب، كما شرحه خبراء الطاقة، يكمن في الأذى الاقتصادي المتوقع من وراء استهداف منشآت تنتج ما نسبته 7 ملايين برميل في اليوم، أي ما يشكل نسبة 8 في المئة من الاستهلاك العالمي يومياً. لهذا السبب قفز سعر البرميل في سوق نيويورك الى 62.40 دولار رغم التطمينات والضمانات التي قدمها وزير البترول السعودي علي النعيمي.
الإدارة الأميركية متخوفة من استغلال "القاعدة" لحاجة العالم المتزايدة الى الطاقة، الأمر الذي يدفع بن لادن الى تركيز عملياته المقبلة على استهداف منشآت النفط في السعودية والكويت والعراق والجزائر ونيجيريا. ومثل هذا التهديد يؤثر على ارتفاع أسعار النفط وعلى استقرار الاقتصاد العالمي بسبب اضطراب نسبة الطلب لدى الدول المنتجة والدول المستهلكة. صحيح أن الحراسة المشددة على هذه المنشآت تجعلها بمنأى عن الإصابات... ولكن الصحيح أيضاً أن مظاهر العنف ستبقي أسعار النفط مرتفعة. وهذا ما تؤكده الاضطرابات الأخيرة في نيجيريا بحيث ساهمت في رفع الأسعار بعد إعلان شركة "رويال داتش شل" تعليق انتاج 455 ألف برميل يومياً. وتعتبر نيجيريا ثامن أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، وخامس أكبر دولة تستورد منها الولايات المتحدة. ومع هذا كله، فإن الحماية العسكرية لم تمنع "حركة تحرير دلتا النيجر" من نسف الأنابيب واحتجاز ناقلات عملاقة وخطف رهائن يعملون في شركة "شل". وتؤكد الدولة النيجيرية أن "القاعدة" تغذي الحركات الانفصالية بالمال وتساعد على تأمين السلاح لكل الجماعات المعرقلة للانتاج.
وفي استعراض لمختلف الاحتمالات قدمته منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) برزت مؤشرات تنبئ بإمكان حصول ارتفاع حاد لأسعار النفط في حال نفذت واشنطن تهديدها بضرب المفاعلات النووية الايرانية. ويتوقع الخبراء ان يقفز سعر البرميل الى المئة بسبب اضطرار طهران الى خفض انتاجها بنسبة مليون برميل في اليوم الواحد. ومن المتوقع في هذه الحال، ان تبادر السعودية والكويت ودولة الامارات، الى زيادة الضخ بحيث تبقى الأسعار تحت مستوى الـ77 دولاراً للبرميل.
وفي تقديرات أخرى لخبراء الطقس، صدرت معلومات تشير الى احتمال تعرض خليج المكسيك والمدن الأميركية الصناعية لسلسلة أعاصير مدمرة مثل "كاترينا" و "ريتا". ومن المؤكد ان هذه الأعاصير المقدرة بتسعة ستؤثر على انتاج المصافي الأميركية، الأمر الذي يزيد عشرة دولارات على السعر الحالي. وفي دراسة حول هذا الموضوع صدرت دراسة في روما، ذكرت ان انتشار مرض انفلونزا الطيور يمكن ان يساهم في خفض أسعار النفط (10 دولارات) بسبب انخفاض عدد رحلات الطيران بين القارات. ومن شأن تدني عدد الرحلات انخفاض استهلاك وقود الطائرات العملاقة. وفي دراسة ثانية ما يبشر بهبوط أسعار النفط الى 50 دولاراً للبرميل، بعد أن تمتلئ مستودعات التخزين في الولايات المتحدة. وبما ان أسواق النفط متخمة بالانتاج، فإن التقديرات تعطي المستوردين فترة لا تزيد على الستة أشهر تنخفض بعدها الأسعار الى معدل معقول ومقبول.
خلال زيارته لكابول في مستهل جولته الآسيوية، تعهد الرئيس جورج بوش باعتقال المتآمرين وفي مقدمهم اسامة بن لادن والملا محمد عمر زعيم "طالبان". وربما شجعه على المجاهرة بهذا التعهد حرصه على تطمين الرئيس الأفغاني الخائف حميد كارزاي، ومن ثم حض الرئيس الباكستاني مشرف على مضاعفة جهوده من أجل اكتشاف مخبأ اسامة بن لادن والملا عمر. وتعتقد الادارة الاميركية ان مشرف - بواسطة قيادة الاستخبارات المتعاطفة مع "طالبان" - أمّن لأسامة بن لادن منافذ الهرب أكثر من مرة. والسبب - كما يعرفه رامسفيلد - ان اعتقال بن لادن أو قتله، يمكن ان يستثير حفيظة الأحزاب الدينية المتطرفة التي تطالب بعودة "طالبان" الى الحكم.
في نيودلهي وقّع الرئيس جورج بوش اتفاق التعاون النووي مع رئيس وزراء الهند منموهان سينغ. وكان بهذه النقلة النوعية يدشن استراتيجية جديدة في منطقة بالغة الأهمية، خصوصاً انها ألغت أكثر من خمسين سنة من تحالف نيودلهي مع موسكو. ويتردد في واشنطن ان السبب الذي دفع بوش الى الاقدام على هذه الانعطافة التاريخية، ظهور ايران كحليف استراتيجي للصين. وتصف مجلة "نيوز ويك" هذه المبادرة بأنها شبيهة بمبادرة نيكسون تجاه الصين سنة 1973. ولكنها تحفظت على نجاحها وربطت ذلك بحل قضية كشمير لكونها تمثل لب الخلاف بين حليفتي أميركا الهند وباكستان.
المراقبون في الأمم المتحدة يتصورون أن التحالفات الجديدة - روسيا والصين وإيران مقابل أميركا والهند وباكستان واليابان - تمثل تطوراً في العلاقات الاستراتيجية سينهي تلقائياً كل ما تأسس في مؤتمر يالطا، أي المؤتمر الذي رسم حدود النفوذ للدولتين العظميين - روسيا وأميركا - عندما منحهما حق الهيمنة على أفقهما الأمني في أوروبا الشرقية وأميركا اللاتينية. ولكن انهيار الاتحاد السوفياتي سنة 1990 نسف قواعد اللعبة السابقة فإذا بدول أوروبا الشرقية تعود الى حظيرة الكتلة الغربية. وكان من الطبيعي ان يصل صدى هذا التحول الى الأفق الاميركي بعد خمس عشرة سنة، فإذا بشافيز فينزويلا ولولا البرازيل وكير شينو الارجنتين وفاسكينز الأوروغواي وباشليت تشيلي، يحطمون قيود الهيمنة الاميركية ويلحقون بركب كاسترو.
كتبت مجلة "فورين أفيرز" تتهم ادارة بوش بالتخلي عن جاراتها في أميركا اللاتينية، مقابل الاهتمام بدول آسيا. وعلق هنري كيسنجر على هذا الاتهام بالقول ان الدولة العظمى للقرن الواحد والعشرين ستخرج من آسيا، وان الولايات المتحدة هي في صدد بناء تحالفات جديدة من أجل تطويق منافستها الجديدة، تماماً كما فعلت مع الاتحاد السوفياتي!
كاتب وصحافي لبناني.