الرأي والرأي الآخر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
أبعاد
سعيد الحمد
في فضاء الحديث العالمي عن الديمقراطية والحرية والتعددية خطف العرب شعار الرأي والرأي الآخر، وراحوا يديرونه في خطاباتهم ويكررونه كا لم تفعل غيرهم من الامم والشعوب الاخرى صاحبة هذا الشعار. وبنظرة وتقييم موضوعي دون انحيازات عاطفية وحماسية، نجد أننا أقل الشعوب وأقل الامم احتراماً وقبولاً للرأي الآخر، برغم اننا اكثر الشعوب استهلاكاً للشعار.
ولربما يعود تفسيرنا للظاهرة في احد اسبابه الى طبيعتنا الاستهلاكية الفجة.. فكما لا نأكل مما نزرع وكما لانلبس مما نصنع.. كذلك نحن نفكر بما لم نبدع ولم ننتج وبالتالي لم نفهم.
فأكثرنا وأعلانا صوتاً في الصراخ والزعيق عن احترام التعددية، واحترام الحرية اكثرنا قمعاً في محيط اسرته ومحيط اولاده، ناهيك طبعاً عن انه لم يفهم من التعددية سوى تعدد الزوجات شريطة ألاّ يخرجن عن طاعته.
وللطاعة في قاموس حياتنا ومفهومنا معنى واحد فقط لا غير.. هو الاستسلام دون مناقشة، ودون سؤال لاوامر الزوج او الاب او المدرس او المدير او الزعيم او القائد او الولي الفقيه او الشيخ الواعظ.
وبعد ذلك نرفع شعار الرأي والرأي الآخر.. وياويل الواحد اذا تجرأ وطرح رأياً آخر.. ستنهال عليه حجارة التأثيم والتخوين والتكفير والتسقيط من دهاقنة وحراس الاصوليات العربية المحنطة يسارية كانت أم قومجية.. دينيةً أم اسلاموية...!!
ثنائية "الصوت والصدى" ثنائية غير عادلة ككل الثنائيات العربية المزيفة.. فنحن نريد صوتاً لفردٍ واحد، فيما تتحول المجاميع الى مجرد "صدى" لهذا الصوت.. ولذلك اذا خرج "صوت آخر" فهو موعود بالالغاء والاقصاء.
فكيف لنا ان نتحدث عن الرأي الآخر، ونحن نتخذ منه كل هذا الموقف العدائي المتوحش.. ليست الاشكالية ازدواجية فقط.. ولكنها ثقافة وبنية وذهنية لا تقبل النقد.. ولا تقبل التغيير، ولا تقبل التطوير، فتدافع عن جمودها بلعن الرأي الآخر، وبتخوينه وتكفيره.. وبقتله اذا لزم الامر...!!
واذا كانت كل الاصوليات المتكلسة التي صدّعت رؤوسنا بشعار "الرأي والرأي الآخر" متورطة في الالغاء والمصادرة وقمع الرأي الآخر.. فينبغي الاشارة للتوضيح فقط.. إن هذه الاصوليات قد تختلف في درجة، وفي نوع الاقصاء والالغاء من حيث شراسته وعدوانيته ما بين الهجوم باللسان، وما بين الهجوم باليد.. علماً بان كلا الهجومين هو إقصاء وإلغاء يختلف كماً لاكيفاً...!!
ولعلنا نتذكر وإن كنا لم نتعلم للاسف ان بدايات الاقصاء تقود دائماً الى نهايات دموية وعدوانية مفجعة.. بدءاً من إقصاء الحلاج ونهايته مصلوباً، مروراً باقصاء تروتسكي ونهايته مفلوق الرأس بفأس غادر، وصولاً الى اقصاء سمير قصير وجورج حاوي وجبران تويني ونهايتهم جميعاً بتفجيرات سيارات مفخخة...!!
ولسنا بحاجة لتقديم قائمة بنهايات الاقصاء.. لكننا بحاجة لان نفهم ان الرأي والرأي الآخر ليس شعاراً نرفعه في ليل الندوات وننكره عند صياح الديك ثلاثاً...!!