تجربة الحوار اللبناني
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
السبت: 2006.03.018
غازي العريضي
يمكن التأكيد أن الجولة الأولى من مؤتمر الحوار اللبناني قد نجحت. وانعكس النجاح ارتياحاً في الأوساط الشعبية اللبنانية، كما في الأسواق المالية، والحركة الاستثمارية في البلاد. إذ، وبعد تعليق الحوار لأيام، طرحت أسئلة كثيرة حول انعكاسات ذلك، وعمق الخلافات بين اللبنانيين وصعوبة التوصل إلى اتفاق بين بعضهم بعضاً، وبدون تدخل خارجي. ولاشك في أن هذه الأجواء كانت واقعية. لكن إدراك كل القادة لنتائج الفشل السلبية والخطيرة من جهة، والمواكبة العربية والدولية لسير أعمال المؤتمر من جهة ثانية، ساهما في التخفيف من حدة المواقف وفي التوصل إلى تسويات بشأن القضايا التي تمت مناقشتها.
ركّز كثيرون بل كان ثمة شبه إجماع على مقولة: إنها المرة الوحيدة التي يلتقي فيها اللبنانيون وحدهم حول طاولة حوار. يتصارحون، يناقشون، يعبّرون عن مخاوفهم ومكامن قلقهم وهواجسهم ويطرحون أفكارهم واقتراحاتهم. وهذا صحيح وقد تناولته في المقالة السابقة، لكن الصحيح أيضاً أن كل أزماتنا في كل مكان باتت مترابطة. فالملفات التي كانت تناقش بين اللبنانيين مرتبطة بكل الظروف التي تعيشها المنطقة والعالم. فعندما نتحدث عن الموضوع الفلسطيني، فإن ثمة خيوطاً تبدأ من لبنان، لتمر بسوريا، وتصل إلى طهران، وتستقر في فلسطين بطبيعة الحال، لاسيما وأن لبنان احتضن الفلسطينيين منذ عام 1948، وكان للوجود الفلسطيني على أرضه أثر في كل النزاعات التي شهدها بمعزل عن المتسبب في كل نزاع. واليوم عدد من الفصائل الفلسطينية الموجودة في لبنان خصوصاً تلك المسلحة منها والموجودة خارج المخيمات تأتمر بأوامر سوريا. وسوريا في هذه الظروف تريد الاستفادة من هذه "الورقة". والموضوع الثاني هو مزارع شبعا. وهو أيضاً مرتبط بسوريا لأن تحديدها وتثبيت لبنانيتها يتطلب توقيعاً سورياً على محضر مشترك مع لبنان يرسل إلى الأمم المتحدة. وهي دائماً كانت ترفض هذا الشيء. لكن الإجماع الذي حظي به قرار "التحديد" في مؤتمر الحوار، وما أعلنه رئيس الجمهورية إميل لحود في تصريح له قال فيه: إن سوريا مستعدة للتوقيع إذا أجمع اللبنانيون على ذلك، يمكن أن يفتحا الباب أمام معالجة نهائية لهذه النقطة مما يعزز موقف لبنان وأمنه واستقراره.
وعندما يتناول المؤتمرون موضوع التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، ومسألة توسيع التحقيق ليشمل كل الجرائم التي ارتكبت بعد التمديد للرئيس إميل لحود، فإن ثمة حضوراً مميزاً لسوريا، لأنها متهمة سياسياً بكل ما ارتكب. وبالتالي فإن تعاون سوريا أو عدم تعاونها مع لجنة التحقيق الدولية، واعتماد هذه السياسة أو تلك مع لبنان أو في لبنان في سياق التعاون أو عدم التعاون، يؤثران في الوضع الداخلي اللبناني.
وبطبيعة الحال فإن ملف العلاقات اللبنانية- السورية ملف شائك ودقيق بعد ثلاثين سنة من الإدارة السورية المباشرة والمطلقة في مراحل معينة للشأن اللبناني، وبالتالي فإن هذا الملف يضع سوريا في قلب الحركة السياسية وتفاعلاتها السلبية أو تداعياتها بعد تطورات العام الماضي.
وعندما نقول سوريا، وبعد صدور عدة قرارات دولية، منذ التمديد للحود وحتى الآن، فإننا نتحدث عن عوامل خارجية في البحث عن حلول شئنا أم أبينا. من القرار 1559 إلى القرارات 1595 و1566 و1614 و 1636 و1644 إلى غيرها من القرارات وبالتالي أصبحت سوريا في مواجهة الأمم المتحدة ومجلس الأمن والدول الكبرى وغيرها. وباتت كل الأمور مترابطة ببعضها بعضا من لبنان إلى العراق وفلسطين وطهران وامتدادات الحركة السورية.
وإلى جانب سوريا ثمة دور لإيران، من خلال العلاقة مع سوريا، ومن خلال الحضور في لبنان والحضور في فلسطين بأوجه وأشكال وأدوار مختلفة. ويترابط ذلك مع الدور الإيراني في العراق، والملف النووي الإيراني. وهذه الأمور مرتبطة بالاستقرار الإقليمي في الخليج العربي وفي العالم. يعني باختصار، إن مؤتمر الحوار اللبناني الذي عقد في جولته الأولى في الأسبوعين الماضيين، كان يضم اللبنانيين وحدهم إلى الطاولة، ولكن كل ما كان يجري في الخارج كان ينبغي متابعته وأخذه بعين الاعتبار. من خطاب الرئيس بشار الأسد الذي هاجم فيه فريقاً أساسياً في البلاد وحدد نوعاً من الخطوط الحمر، جاءت وسائل الإعلام السورية لتعكسها بوضوح فتقول: لا يجوز بحث مسألة ترسيم الحدود بين لبنان سوريا (الأسد يعتبر هذا الأمر مطلباً اسرائيلياً!) كما لا يجوز تناول موضوع سلاح المقاومة!! إذاً لماذا اجتمع المتحاورون. كان الأسد يوجه رسالة إلى اللبنانيين وإلى الخارج الذي يطالبه بالالتزام بقرارات الشرعية الدولية. وحلفاؤه موجودون على طاولة الحوار وخارج الطاولة بطبيعة الحال.
في الوقت ذاته، كان وزير الخارجية الروسي لافروف يزور واشنطن ونيويورك. يلتقي الرئيس بوش ووزيرة الخارجية الأميركية والأمين العام للأمم المتحدة ويتحدث عن التزام بلاده بتطبيق القرارات ويشير بطريقة أو بأخرى إلى ضرورة مناقشة مسألة مزارع شبعا. وكان موفد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن في موسكو يتحدث في الموضوع ذاته واجتمع بالمعلم. ولا ننسى أن الزعيم اللبناني وليد جنبلاط كان حاضراً أيضاً في واشنطن ونيويورك ووسائل الإعلام العربية طارحاً كل القضايا والنقاط المذكورة.
كذلك فإن الرئيس الفرنسي كان يتابع بدقة كل تفاصيل الحوار والحركة الدولية الجارية باتجاه لبنان.
عربياً، فقد كانت المملكة العربية السعودية قد استقبلت قبل انطلاق أعمال المؤتمر الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وأجرى معه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز محادثات مطولة تناولت بشق كبير منها الموضوع اللبناني والعلاقات اللبنانية- السورية. وكان سفيره في بيروت الدكتور عبدالعزيز الخوجة، يلعب دوراً محورياً أساسياً في توفير ظروف انعقاد مؤتمر الحوار ثم العمل على إنجاحه من خلال لقاءات واتصالات معلنة وغير معلنة مع مختلف القيادات اللبنانية. كذلك كان الرئيس المصري يتابع بدقة، مباشرة ومن خلال سفيره في بيروت المواضيع ذاتها ويتواصل مع مختلف القادة، إضافة إلى دور عدد من الزعماء والمسؤولين العرب.
أقول ذلك لأشير إلى أنه ليست ثمة إمكانية واقعية للفصل بين ما يجري في لبنان وما يجري في الخارج. وهذه حال كل الدول في متابعتها لمصالحها. لكن الأساس يبقى الإرادة اللبنانية. والقرار اللبناني. بمعنى، إذا تمكنا من الإجماع على موضوع واتفقنـــا عليه، فلا أعتقد أن ثمة أحداً يستطيع منعنا من تنفيذه خصوصاً إذا كنا صادقين ونريد الالتزام باتفاقاتنا وهذا ما تعاهدنا عليه في مؤتمر الحوار الأخير. لذلك من حق كل الناس اليوم أن ينتظروا التطبيق لأن الجميع يقول العبرة في التنفيذ. المهـم التنفيذ. وهذه مسؤولية المتحاورين كلهم في كل مواقعهم.
إن النتائج الأخيرة للحوار تشكل أساساً يمكن البناء عليه لتعزيز الثقة بين أركان البلاد ومدخلاً للتوصل إلى تفاهمات حول القضايا الخلافية الأخرى العالقة، وفي طليعتها أزمة الرئاسة، حيث إن ثمة إجماعاً لبنانياً وعربياً وعالمياً على القول: ليس أمراً طبيعياً أن يدور حوار تاريخي في لبنان يأخذ هذا البعد وهذا الحجم من الاهتمام والمواكبة في العالم ويكون رئيس جمهورية لبنان غائباً عنه بعيداً عن كل مجرياته، بل كان موضوع نقاش من خلال اعتبار شريحة كبيرة من اللبنانيين أن وجوده غير دستوري وغير شرعي ولابد من انتخابات رئاسية جديدة حرة ونزيهة انسجاماً مع إرادة اللبنانيين من جهة، ومع قرارات الشرعية الدولية من جهة أخرى.
لذلك فإن التغيير في الرئاسة، هو الباب إلى بداية تغيير جدي في البلاد. وإذا حصل ذلك وتم تنفيذ ما اتفق عليه، تكون الآمال كبيرة في النجاح بما يعود بالنفع والخير على لبنان وسوريا وعلاقاتهما المشتركة.