«اسمي راشيل كوري»
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
عيون وآذان
جهاد الخازن
الذكرى السنوية الثالثة للحرب على العراق -1
بما ان جورج بوش رئيس الدولة العظمى الوحيدة في العالم فلن اقول انه مجنون، وانما أقول انني مجنون عندما لا اصدق ما اسمع وهو يتحدث عن انجازات الاحتلال في العراق، ففي ثلاث سنوات "خرج الشعب العراقي من العيش تحت حذاء طاغية وحشي الى التحرير والسيادة وانتخابات حرة واستفتاء دستوري وانتخابات لحكومة دستورية بالكامل...".
العراق اليوم ليس شيئاً مما يزعم الرئيس الاميركي. فالوضع فيه كارثة انسانية رهيبة، والناس يقتلون، كما لم يقتلوا ايام صدام حسين، والبلد يكاد يقسم، وقد خسر استقلاله وحريته، وسفير من المحافظين الجدد يفاوض لتشكيل حكومته، وحذاء الطاغية خلفه حذاء المحتل.
الرئيس بوش كرر الالتزام بالحرب الوقائية او الاجهاضية ضد الارهاب في وقت اصبح بلده متهماً بممارسته. وهو قرأ عدداً من الخطابات كتبت له في الذكرى الثالثة للحرب على العراق، واذا كان الخطاب الاول دليلاً على فكر الرئيس، فلا بد من انني مجنون وأنا اسمعه يقول "لن نخسر" مع ان الهزيمة حصلت فعلاً، وليس هذا رأيي بل رأي غلاة المحافظين الجدد الذين ايدوا الحرب في البداية، ثم تراجعوا امام الكارثة التي انتهت اليها.
سأعود الى المحافظين الجدد غداً وبعد غد، اما اليوم فأبقى مع الرئيس في الذكرى الثالثة لحرب غير مبررة قتلت مدنيين ابرياء، وأعترض بشدة كمواطن عربي من الشرق الاوسط على اختياره مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات لإلقاء خطابه، فهذه المؤسسة جزء من المعهد اليهودي لشؤون الامن القومي (جينسا)، أي جزء من عصابة اسرائيلية يقودها اعداء للعرب والمسلمين هي التي اوقعت بين الولايات المتحدة وبيننا.
بما ان الرئيس بوش ليس مجنوناً مثلي، فهو يقدّر عمل المؤسسات ويقول انها احدثت "فرقاً" حول العالم، فقد دربت نساء عراقيات وطلاباً ايرانيين في مبادئ الديموقراطية وممارستها، وترجمت مبادئ الديموقراطية الى العربية وساعدت نشطين في المنطقة على تنظيم حركات سياسية فعالة. وهو يرى "ان مهمة المؤسسة هزيمة الارهاب بالترويج للديموقراطية، وهي مهمة ادارتي ايضاً (هكذا بالحرف)". الرئيس الاميركي تحدث يوم قتلت القوات الاميركية اطفالاً في مدينة بلد، وهو وقف 13 فقرة من خطابه للحديث عن استعمال المقاومة متفجرات مركبة IEDS وقواته تستعمل القنابل العنقودية والفوسفور.
الرئيس بوش يقول ان اعداءنا الذين يتسترون على الارهاب الاسرائيلي كل يوم وهذا بقتل الاولاد وبنات المدارس هم الذين يساعدوننا، وطالما ان المساعدة من جينسا ومؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، فلا عجب اننا نواجه أسوأ اوضاع ممكنة من فلسطين الى العراق، وغداً ايران، فإدارة بوش اسلمت امرها وأمرنا الى اعداء لنا، واعتذاريين للارهاب الاسرائيلي. (وقبله نائب الرئيس ديك تشيني الذي خطب في وكر الجواسيس ايباك).
قبل وصول جورج بوش الى الحكم كانت الولايات المتحدة من اعرق الديموقراطيات وأكثرها رسوخاً، والآن اصبحنا نرى رقابة على حرية الكلام من نوع ما يُمارس في العالم الثالث.
هل يعرف القارئ ان مسرحية بعنوان "اسمي راشيل كوري" سحبت من العرض في نيويورك لأنها تحكي قصة نشطة اميركية في حقوق الانسان كانت تراقب الانتهاكات الاسرائيلية عندما دهمتها جرافة اسرائيلية وقتلتها؟ وهل يعرف القارئ ان امرأة بريطانية وقفت امام البرلمان في لندن وقرأت اسماء 80 جندياً بريطانياً قتلوا في العراق (هم تجاوزوا مئة الآن) فاعتقلت واتهمت وأصبح لها سجل قضائي، في حين لا سجل للقتلة الذين لفقوا وزوروا لدفع أميركا وبريطانيا نحو حرب على العراق.
الوضع في العراق يخلو من أي بارقة امل، فلا يراها احد غير الرئيس بوش، والتفاصيل معروفة الى درجة انني لا احتاج الى تكرارها هنا لمجرد اننا في مناسبة الاحتلال.
كيف هبطنا الى هذا الدرك؟ ربما كانت بذور الفشل في شخصيتي جورج بوش وتوني بلير اللذين يتحدثان عن الارهاب الاصولي الاسلامي، وكل منهما يزعم ان لديه خطاً مباشراً "مع فوق"، ويعمل بتفويض إلهي، ويريد ان يحاسبه الله لا البشر. وربما كانت بذور الفشل في المساعدين الذين اختارهما الرجلان، وديك تشيني وحده مثل كافٍ، الا انني تحدثت عنه بتفصيل قبل ايام، وأختار اليوم دونالد رامسفيلد وجون ريد، وزيري الدفاع الاميركي والبريطاني.
رامسفيلد صرح قبل ايام بأنه اذا وقعت حرب اهلية في العراق فالمسؤولية الاساسية على عاتق قوات الامن العراقية في مكافحتها بعد ان درب الاميركيون هذه القوات. والدكتور ريد علق على مطالبة وزير سابق بوضع حد للقتل في العراق بالحديث عن ثمن الديموقراطية والتضحيات اللازمة. وزاد ان القتل الآن "لا شيء بالمقارنة مع مئات الألوف الذين قتلوا في عهد صدام حسين".
نقول لرامسفيلد ان القوات الاميركية لم تدرب اعداداً كافية من العراقيين، وكل تقرير عسكري اميركي عن الموضوع اعترف بهذا، ونقول للدكتور ريد ان القتل لا يبرر القتل، واذا كانت بريطانيا خسرت مئة شاب، فإن العراقيين خسروا عشرات الألوف بسبب الاحتلال وفي ظله، وانه ما كان رأى موت مئة او مئة ألف "لا شيء" لو ان بين القتلى "ابناً له او بنتاً".
لا يمكن ان يكون كل هؤلاء الكبار مخطئين، وانني وحدي مصيب، وبالتالي فالأرجح انهم عقلاء وانني جننت، وأبقى عند هذا التفسير الجنوني حتى بعد ان ازدان غلاف مجلة "الايكونومست" الاقتصادية الاسبوع الماضي بصورة لجورج بوش يركب صاروخاً، في استعارة من الفيلم السياسي الساخر "الدكتور سترينجلوف او: كيف تعلمت ان اوقف القلق وأحب القنبلة".
بدل الممثل بيتر سيلرز وجنونه، معنا الآن جورج بوش وعقله الكبير، "والدنيا ربيع والاشيا معدن"، وأنا وحدي لا أرى شيئاً من هذا. وأكمل غداً.