جريدة الجرائد

الزرقاوي سيكوباتياً

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

محمد صلاح



في كل تجمع لخبراء في الطب النفسي، يفرض الحديث عن زعيم تنظيم "القاعدة في بلاد الرافدين" الأردني "أبو مصعب الزرقاوي" وسلوكه نفسه. وهذا ما جرى في جلسة جمعت في القاهرة أخيراً أطباء وسياسيين ومتابعين للتطورات في العراق، فكان المجال واسعاً للبحث في تلك الظاهرة، وصبت الآراء في اتجاه واحد وهو أن الزرقاوي شخصية "سيكوباتية" (مريض نفسي).

وقد شكل الاحتلال الاميركي للعراق فرصة للزرقاوي لتعزيز موقعه قائداً لـ"الشباب المتحمس"، فقطع رأس أولى ضحاياه من الرهائن الأجانب ورفع الرأس امام عدسة الكاميرا كأنها غنيمة، من دون أن يعبأ بادانات العلماء المسلمين التمثيل بالقتلى الذي لا يقره أي دين. ويؤكد أطباء نفسانيون ومتخصصون في الصحة النفسية ان ذلك الحدث كانت له تداعياته النفسية على الزرقاوي الذي بات مدمنا على العنف وعلى القتل بغرض القتل فقط.

ويقول المتخصصون ان الناس المستقرين نفسياً يشعرون بالندم بعد تنفيذهم جريمة قتل (سواء في شكل متعمد أو غير متعمد). اذ انهم يطورون ما يعرف بـ"حالة الضغط النفسي بعد الصدمة"، وغالباً ما يتلقون رعاية طبية ونفسية لسنوات عدة بعد ذلك.

أما السيكوباتيون (المرضى النفسانيون) فلا يشعرون بالندم عن أعمالهم المتسمة بالعنف. وهذه ناحية واحدة في حالتهم النفسية التي يمكن أن تفصل المرضى النفسانيين عن بقية البشر، والمثال لذلك جيم جونس في جوانا، الذي أجبر اتباعه على قتل انفسهم بدلاً من العودة الى أوطانهم، وهؤلاء الأفراد يتلاعبون بمشاعر الاخرين ويقنعونهم بقتل أنفسهم كما يقتلون آخرين. ويعرف الاطباء النفسانيون الزرقاوي بأنه شخصية نرجسية، وتغذي دمويته هذه النرجسية، وهو يسعى الى أن يكون له اتباع مخلصون يعملون بصرامة للحفاظ على هذه التبعية.

واللافت أن إسلاميين بارزين لا يختلفون مع هذا التحليل. فالمحامي الإسلامي منتصر الزيات أشار إلى أن كل عمليات العنف التي أقدمت عليها الجماعات الأصولية العربية وبينها المصرية وجدت مبررات في الصراع الذي دار بينها وبين الحكومات، لكنها لم تصل أبدًا إلى حد القتل من أجل القتل، والذبح أمام الكاميرات ومخالفة تعاليم الدين والنزعات الإنسانية بعرض مشاهد القتل على الملأ بهذه الطريقة البشعة. ولا يستبعد الزيات أن تكون لنشأة الزرقاوي تأثيرات في سلوكه، غير أنه يشير الى أن الرجل وجد لنفسه مبررات في قيام الطرف الآخر بأفعال مشابهة كما في سلوك الجيش الاميركي في سجن أبو غريب، أو ما يجري في غوانتانامو، ويعرب عن اعتقاده بأنه لولا غزو العراق ما كان الزرقاوي ظهر أساساً.

ويرى مسؤول المكتب السياسي في جماعة "الإخوان المسلمين" الدكتور عصام العريان أن الزرقاوي في حاجة إلى تحليل كامل يشارك فيه أطراف عدة. ويوضح: "ربما لعبت نشأة الزرقاوي الأسرية وتأثره بما تعرض له في السجون من تعذيب دوراً في صقل شخصيته استناداً الى نزعة انتقامية"middot; ولفت الى "اختلاف واضح" بين أسلوب زعيم "القاعدة" أسامة بن لادن والرجل الثاني فيها أيمن الظواهري، وبين أسلوب الزرقاوي في العراق. ويرى ان "هذا يدل على أن بعض الشخصيات التي تجتمع حول إطار واحد تختلف بحسب الطباع الشخصية أو النشأة".

ويعتقد المتخصصون أن الاضطراب الداخلي يفرز أعراضاً أخرى لدى من هم على شاكلة الزرقاوي، من بينها عدم القدرة على النوم والغضب. وهؤلاء يبدأون عادة بعلاج أنفسهم بأنفسهم بدلاً من طلب مساعدة متخصصين، وغالباً ما يلجأون إلى استخدام عقاقير تؤدي الى زيادة حالهم النفسية سوءا، ما يؤدي الى تصرفات غير عقلانية وارتكابهم اخطاء أخرى. ويعتقد ان التحول في أسلوب الزرقاوي الى العنف العشوائي كان بسبب اعتقال مستشاره "ابو مصعب السوري" في باكستان. اذ كانت نشاطاته تركز بشكل أساسي على العراق، لكن بعد اعتقال أبو مصعب في سورية بدأ الزرقاوي يندفع بعيداً عن العراق متجهاً إلى عدوه الشخصي، أي الحكومة الاردنية التي سجنته مرتين، ولا تزال في ذاكرته المضايقات التي تعرض الى حد أجبره على ترك الاردن.

وكشف الزرقاوي في تفجيرات عمان (9/11/2005) انه لا يتسامح مع وجود منافسين له داخل تنظيمه. فالفريق المكون من زوج وزوجة وهما حسين الشمري، أحد أهم معاوني الزرقاوي المــــوثوق بهم، وساجدة مبارك عطروس الريشاوي، نفـــــذا تفــــجير فندق راديسون. والعديد من أفراد اسرة الريـــــشاوي هم أعضاء في الدائرة المــــقربة من الزرقـــــاوي وجميعهم ماتوا الآن، واخوها تامر الريشاوي أو "الحاج تامر" قُتل في الفالوجا وكان مُعــــــينا "أمــــيراً" لمحافظة الانبار في جماعة الزرقاوي، قبل موته، وزوج اختها، نضال عربيــــــات، قُتل في الخالدية، وهو كان ايضاً مساعداً رئيسياً للزرقاوي، وحتى المرشد الروحي للزرقاوي، ابو انس الشاعر، أرسل ليموت ايضاً في العراقmiddot;

ويعتقد خبراء في الطب النفسي أن الزرقاوي مثل ضحايا الايدز الذين تؤدي بهم حالتهم النفسية الى ان جعلهم يحاولون نقل المرض الى اكبر عدد من البشر في محاولة لتخفيف الضغط بسبب موتهم الوشيك. ويعتقد اختصاصيون نفسانيون ان الحالة تشبه الى حد كبير Munchansem by proxy حيث يسعى شخص الى الحاق أضرار بآخرين لتحقيق لذته الشخصية، وهو ما يسمى في التشخيص الواسع بـ Serial Killer by proxy أي القتل بالوكالة، وهذه ربما تكون حالة الزرقاوي بالفعل، اذ انه قادر على التلاعب بمشاعر التابعين له الموثوق بهم لقتل اعداد كبيرة من البشر، ويموت كل من القاتل والضحية لتعزيز حاجة الزرقاوي للشعور بالقوة والسلطة الشخصية.

وفور أن يتخطى الفرد الحاجز المعادي للمجتمع الذي يمنع القتل يكون من السهل جداً القتل لمرة ثانية، وبالنسبة لكثيرين يصبح هذا القتل مصدراً للقوة والسيطرة الشخصية على الاخرين. ويعتقد الاخصائيون النفسانيون ان الزرقاوي يستمد الشعور بالسلطة الشخصية عبر التلاعب بمشاعر التابعين لجعلهم يقتلون الاخرين مثل ضحية الايدز الذي يسعى لنشر مرضه.

وفي التاريخ أمثلة مشابهة فجماعة الاغتيالات بقيادة "رجل الجبل العجوز" تعتبر مثالاً على كيفية عمل جماعة الموت، التي تطلب ان يقوم "المتمسك بفكرته" باغتيال آخرين على أن يموت اثناء العمل. وبالنسبة للشخصية السيكوباتية، فإن هذا الشعور بالسلطة والقوة الشخصية يمكن ان يفوق الشعور بالقوة من خلال قتل شخص بالفعل. ومن الناحية التاريخية، فإن جماعة الاغتيالات قتلت بالخنجر والسُم، وجماعة القتل التابعة للزرقاوي تقتل بالسيارات المفخخة والسترات المحشوة بمتفجرات، لكن النتيجة واحدة: الضحايا يموتون علاوة على القتلى الفعليين، في وقت تتلقى الشخصية السيكوباتية التي تسببت في القتل دعماً كبيراً لسلطتها الشخصية على الاخرين.


من أسرة "الحياة" في القاهرة

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف