جريدة الجرائد

إيران والعراق وأميركا: ثنائية الصداقة والعداء

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

أمير طاهري


من المتوقع ان تبدأ الولايات المتحدة وإيران محادثات حول ما يعتبرانه "خطوات تفيد الشعب العراقي"، إلا ان هذه العبارة الملطفة لن تنطلي على احد في الغالب. إذا ان سعى كل من واشنطن وطهران بالفعل هو معرفة النوايا الحقيقية لكل منهما في العراق.
ليس ثمة شك في ان كلا من إيران والولايات المتحدة استفادتا من سقوط النظام البعثي السابق بقيادة صدام حسين. فالولايات المتحدة تخلصت من عدو اصابته ولم تقتله عام 1991. ومع احتمال قيام نظام ديمقراطي تعددي في العراق يشكل الشيعة غالبية فيه، لن تواجه ايران ائتلاف انظمة عربية سنية يحاول تحديها في المنطقة.
ولكن فيما تتلاقى المصالح الاميركية والإيرانية في العراق، فإن للقوتين نظرتين متعارضتين تماما في ما يتعلق بمستقبل العراق، وبالتأكيد مستقبل منطقة الشرق الاوسط بكاملها.
الولايات المتحدة ترغب من جانبها في قيام نظام ديمقراطي موال للغرب في العراق، يتبنى نظام اقتصاد السوق الرأسمالي، ويكون منفتحا على توجهات العولمة الجديدة. وكان الرئيس جورج بوش قد تحدث في وقت سابق عن تحويل العراق الى نموذج للعالم العربي بكامله وللدول المسلمة ككل. وهذه بالطبع منافسة غير مباشرة لإيران التي تزعم ان نظامها السياسي هو الأمثل لكل المسلمين.
ايران من جانبها ترغب في وجود نظام حكم عراقي يتبنى على الأقل بعض جوانب النظام السائد في ايران، كي تثبت على الأقل ان الجمهورية الاسلامية في طهران ليست مجرد مفارقة تاريخية. كما تشعر طهران بقلق إزاء احتمال ان يؤدي ظهور ديمقراطية ذات اغلبية شيعية في العراق الى إشعال ثورة ديمقراطية في ايران، وبتحول السلطة الدينية للشيعة الى النجف يشعر القادة الايرانيون بمخاوف من احتمال خسارة الدور الديني الذي ظلوا يلعبونه على مدى الـ27 عاما السابقة.
ويبقى السؤال في السياسة الاقليمية الآن: هل ستجري إعادة صياغة العراق، ومنطقة الشرق الاوسط، على النحو الذي تريده الولايات المتحدة، ام يصاغ على النحو الذي ظل يحلم به قادة ايران منذ عام 1979؟
من المهم في إطار هذه الخلفية معرفة ما ستطرحه ايران على طاولة محادثتها مع الولايات المتحدة بشأن العراق. سجلت طهران نقطة لصالحها بتلقيها دعوة من واشنطن لإجراء محادثات. وعلى الرغم من ان ايران لم تفعل شيئا في تحرير العراق من صدام حسين، فإن هذه الدعوة تمنحها مكانة لا تتمتع بها سوى القوة المحررة. ففي نهاية الحرب العالمية الثانية، على سبيل المثال، لم توجه أي جهة الدعوة الى سويسرا او بولندا، كدول مجاورة لألمانيا، لمناقشة مستقبلها.
سجلت ايران نقطة اخرى لصالحها بوضع نفسها كقوة متحدثة باسم الشعب العراقي. إذ ان عبد العزيز الحكيم، زعيم المجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق، ساعد الجانب الايراني بإصداره دعوة "شفهية" للدخول في محادثات كجهات حامية للشعب العراقي. حقيقة ان الحكيم وحزبه ظلا يتلقيان دعم وتأييد ايران على مدى اكثر من ربع قرن لم يضعف اهمية هذه الخطوة.
الاستراتيجية الايرانية واضحة منذ البداية. فوزير خارجيتها منوشهر متقي قال ان اولوية ايران تتلخص في مناقشة سحب قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة من العراق. ويدرك متقي أن الولايات المتحدة والدول الحليفة لها توجد في العراق بموجب تفويض من الامم المتحدة تنتهي مدته الزمنية في ديسمبر (كانون الاول)، كما يدرك ايضا ان لا مجال لتجديد هذا التفويض إلا بموافقة البرلمان والحكومة المنتخبين حديثا في العراق. ويدرك متقي ايضا ان الرئيس جورج بوش يتعرض لضغوط من الديمقراطيين والجمهوريين بغرض وضع نهاية لما يجري في العراق. لذا، اذا بدأت الولايات المتحدة والدول الحليفة لها مغادرة العراق، وهو ما سيحدث في وقت لاحق من العام الجاري، فإن إيران ستكون قادرة على التظاهر بأن مساعيها وجهودها هي التي أدت الى إنهاء "الاحتلال".
الا ان ايران لديها طموحات اكثر اهمية في العراق. فمن الناحية الاستراتيجية، تعتبر عراق ما بعد صدام ممرا يمكنها من التواصل عبره مع سوريا ولبنان، التي تعتبرهما جزءا من المنطقة العازلة الكبرى. وفي الواقع، اذا ما دعمت ايران نفوذها في العراق كما فعلت في سوريا ولبنان، فإن ايران ستصبح قادرة على فرض سلطتها في شرق البحر المتوسط للمرة الاولى منذ القرن السابع الميلادي عندما طردت الامبراطورية الفارسية بقيادة كسرى ابراويز الامبراطورية الرومانية من بلاد ما بين النهرين.
وليس من قبيل المصادفة ان العلماء في ايران قد اعادوا اكتشاف مجموعة الاتفاقيات التي وقعتها ايران مع الامبراطورية الرومانية في القرن التاسع عشر. والمعروفة باسم معاهدات ارض روم وقد منحت هذه المعاهدات ايران حق السيادة على المراكز الشيعية الايرانية الاساسية وهي النجف وكربلاء والكاظمية وهي من ضواحي بغداد.
وقد مكنت المعاهدات ايران من "اتخاذ الاجراءات المناسبة" وهي عبارة رمزية تعني التدخل العسكري، اذا ما شعرت ان امنها، او مرور الزوار الايرانيين الى "الاماكن المقدسة" مهدد بوجود قوات اجنبية معادية في جنوب العراق. وإذا طبقت هذه الاتفاقيات فسيؤدي ذلك الى ظهور ادارة ايرانية في "الاماكن الشيعية المقدسة" وفيتو ايراني على الجوانب الاساسية للسياسة الخارجية العراقية. وقد استخدمت ايران تلك الاتفاقيات لإقناع الحكومة العراقية الجديدة لتوقيع اتفاقية تسمح بزيارة 600 الف ايراني للعراق سنويا بدون أي سيطرة من السلطات العراقية. والمجموعة الثانية من الوثائق التي تزيل عنها ايران الغبار معروفة باسم معاهدات الجزائر، التي تم التفاوض عليها وتوقيعها في الجزائر وجنيف وطهران وبغداد بين عامي 1975 و 1976. وقد منحت ايران والعراق سيادة متساوية على شط العرب الذي يعتبر منفذ العراق الرئيسي للبحار المفتوحة. وإذا ما طبقت هذه الاتفاقية، التي وقعها صدام حسين كتحرك تكتيكي لإنهاء دعم ايران للأكراد في السبعينات، فإنها تمنح ايران سيطرة على التجارة الخارجية العراقية بما في ذلك صادرات النفط.
ان ايران لا تريد فشل الولايات المتحدة في العراق. وهي تريد للولايات المتحدة النجاح في القضاء على كل احتمالات نظام حكم سني جديد في بغداد. ولكن ايران تريد من الولايات المتحدة النجاح بأعلى التكاليف الممكنة، سواء في الدماء او الاموال.
ومن غير المعروف لماذا تريد واشنطن منح ايران مكانة في العراق. ومن المؤكد ان الجمهورية الاسلامية ستستمر في القيام بما يمكنها لجعل الحياة صعبة بالنسبة لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة. ومن غير المتوقع ان يتوقف امداد العراق بالمتفجرات الجديدة من ايران، وعبر سوريا جزئيا. ولا من المرجح ان تنهي ايران برامج التدريب التي ينظمها عملاء حزب الله اللبناني.
ومن المرجح ان يؤدي قرار اشراك ايران في الشؤون العراقية الى اغضاب حلفاء الولايات المتحدة الاقليميين الذين لم يرفضوا ان يؤدي امكانية التوصل الى اتفاق ايراني اميركي الى وضعهم في موقف صعب. كما ان الدول العربية ستشعر بالقلق من امكانية ضعف الهوية العربية للعراق نتيجة للتدخل الايراني.
وربما أقدمت الولايات المتحدة على هذه الخطوة الغريبة بسبب تجربة افغانستان حيث ساعدت المحادثات مع ايران على الاسراع بهزيمة طالبان وتشكيل النظام الجديد في كابل.
إلا ان العراق ليس افغانستان، على الاقل لأنه يقدم المزيد من الامكانيات لإيران للتلاعب. كما ان دعوة العراق ستشجع ايران في تحديها للامم المتحدة في القضية النووية. وفي النهاية اذا ما تم التعامل مع ايران باعتبارها قوة اساسية في مجال ما، فليس من الممكن "ابتزازها" باعتبارها قوة ضعيفة في مجال اخر.
هل ارتكبت ادارة بوش اول خطأ لها في ما يتعلق بالعراق: من المبكر تحديد ذلك. ولكن هذا القرار ربما يصبح اسوأ من مجرد خطأ، فربما يصبح غير ضروري. وكما لاحظ تاليران قبل 200 عام، "القيام بشيء غير ضروري في السياسة أسوأ من ارتكاب الخطأ".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف