مصير لحود: الخلاف أبعد من الاتفاق
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
تباين في تقويم طرفي الحوار لمقاربة تنحية رئيس الجمهورية
نقولا ناصيف
اختلف تقويم طرفي الحوار الوطني لنتائج الجولة الثالثة الأربعاء الفائت، وخصوصاً حيال مصير رئيس الجمهورية، إلا أنهما التقيا على أن الأمر قد لا يكون بالسهولة التي يتوقعها البعض. ومبعث التباين في التقويم هو في الآتي:
1 - ان التعامل مع الجولات التي انقضت من الحوار استند الى حساب الأرباح والخسائر التي يمكن أن يخرج بها كل من الطرفين المعنيين. والى الآن ربح كل منهما في مكان من دون أن يشعر أنه خسر في آخر، مع أن تقديره للأرباح والخسائر يظل نسبياً: ربح فريق 14 آذار الإجماع على إقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا وتجريد المعسكرات الفلسطينية (خارج المخيمات) من سلاحها. في المقابل وجد الفريق الشيعي والرئيس ميشال عون أن مكاسب كهذه محدودة الأثر كون الموافقة على التمثيل الديبلوماسي اللبناني - السوري وردت في "وثيقة مار مخايل" في 6 شباط الفائت بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر"، وإن جمع السلاح الفلسطيني في غضون ستة أشهر يقترن بالحوار حتى إذا أخفق عاد المتحاورون الى الخوض في هذه المسألة. وهو موقف سبق ان طالب به عون وأقره ايضاً مجلس الوزراء.
وكما كسب فريق 14 آذار من لبنانية مزارع شبعا التشكيك في سيادتها حالياً، كسب الفريق الآخر أن جعل من لبنانية المزارع شرعية وطنية جامعة لحق المقاومة في الإحتفاظ بسلاحها الى حين تحريرها. وكما كسب فريق 14 آذار في طرح مصير الرئيس إميل لحود على طاولة الحوار بدءاً من جولة الأربعاء، كسب الفريق الآخر بأن جعل هذا الحوار ينتقل من الكلام على سلاح المقاومة الى مناقشة الاستراتيجيا الدفاعية لحماية لبنان من الإعتداءات الإسرائيلية.
في الحصيلة لم يعنِ كسب أحدهما أنه انتزع من الآخر ما لم يكن يريد التنازل عنه. وهذا يصح على الفريقين معاً نظراً الى حاجتهما الى استمرار الحوار، وإن من غير التوصل دائماً الى نتائج ملموسة أو مباشرة.
2 - دخول الدور العربي فجأة على خط المساعي الداخلية، وإن بدا انه اقتصر على إقناع رئيس الوزراء فؤاد السنيورة بالإنضمام الى الرئيس اميل لحود في القمة العربية في الخرطوم. ويبدو أنهما سيشاركان فيها، ولكن كلاً على طريقته: سيقيم لحود في الفندق الذي يقيم فيه رؤساء الوفود العربية، بينما استأجر السنيورة فيلا قريبة للإقامة فيها. ويتصل الجهد المصري، في ضوء زيارة السنيورة أمس لشرم الشيخ، بحمل الرئيسين على المشاركة في القمة بغية إنجاح حوار بينهما ومسؤولين سوريين على هامش القمة العربية بدءاً من الثلثاء المقبل.
واستناداً الى جهات وثيقة الصلة بالجهود المبذولة، فإن عزوف العاهل السعودي الملك عبدالله عن زيارة دمشق بعدما كان تردد أنه كان يعتزم القيام بها قبل القمة، مرده الى رغبته في عدم ممارسة أي ضغوط أو محاولة لإقناع الرئيس السوري بشار الأسد حيال الوضع الداخلي اللبناني قبل انعقاد قمة الخرطوم. وربما عكس هذا الأمر، ضمناً على الأقل، عدم وجود حماسة عربية مماثلة لتلك التي لدى أفرقاء لبنانيين في شأن استعجال تنحي رئيس الجمهورية من منصبه. ويبدو أن لحود يستعد لخطوة وقائية ترافق القمة وتجنّبه ما كان تعرّض له لدى زيارته نيويورك في أيلول الفائت عندما واجه مقاطعة ديبلوماسية دولية استثنت إيران نفسها منها، وذلك بأنه يجري اتصالات لعقد اجتماعات مع عدد من الزعماء العرب على هامش القمة. علماً أن أياً من الدول العربية لم يشكك حتى اللحظة في شرعيته الدستورية، وقد دعاه السودان، رئيس القمة الحالية، الى المشاركة فيها بصفته هذه.
3 - رغم أن طرفي الحوار خاضا الاربعاء مطولاً في المسألة الرئاسية، فإنهما يفترقان في الجوهر بإزاء مقاربة هذا الموضوع الشائك: يفترقان أولاً حيال المدة التي يمنحها فريق 14 آذار لتنحي لحود، ويفترقان ثانياً في تعاطيهما ومصير لحود على أنه في صلب تسوية سياسية تشمل سائر البنود، ويفترقان ثالثاً في نظرة كل منهما الى الرئيس الحالي.
وخلافاً لما يعتقده فريق 14 آذار، فإن الفريق الشيعي وعون لا يربطان الملف الرئاسي بالبنود التي سبق أن أقرها الحوار الوطني بالإجماع، ويعتقدان أن مناقشة المسألة الرئاسية لا تعني أن تنحية الرئيس على نار حامية، ولا تعني كذلك أنهما يوافقان على حصر المسألة الرئاسية بتنحي لحود، ويريان أن البحث في التنحية ينبغي أن يقترن بادئ الأمر بمعرفة إسم الرئيس الذي سيخلفه، والبرنامج السياسي لحكمه ولاسيما ما يرتبط بسلاح المقاومة والعلاقات اللبنانية - السورية والمشاركة في الحكم.
4 - لا يعبّر الفريق الشيعي وعون عن أي انطباع يُستشم منه أن خوضهما الحوار حول المسألة الرئاسية يعني تخليهما عن الرئيس المحاصر في قصره. وهذا ما أفضت اليه خصوصاً اللقاءات والإتصالات الثنائية، السرية والعلنية، في الأسبوعين المنصرمين اللذين سبقا الجولتين الثانية والثالثة من الحوار، والتي أخفقت في التوصل الى اتفاق على دفع الرئيس الحالي الى التنحي، ومنها تلك التي جمعت رئيس الغالبية النيابية سعد الحريري والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، أو التي شملت البطريرك الماروني مار نصرالله بطرس صفير والإتصالات المباشرة وغير المباشرة بين فريق 14 آذار وعون.
في ضوء هذه المعطيات، تبعاً لجهات بارزة وثيقة الصلة بالطاولة المستديرة، ثمة ملاحظات تعكس المأزق الذي بلغه أو سيبلغه الحوار الوطني، ليس حيال المسألة الرئاسية فحسب، وإنما أيضاً حيال تمديد الوقت والجولات التي ستستغرقها:
- لن يقدم لحود على الاستقالة.
- يرفض البطريرك الماروني إقالة رئيس الجمهورية سواء بوسائل دستورية (تقصير الولاية) أو عبر الإحتكام الى الشارع، تفادياً لإحداث سابقة حيال المنصب الأرفع للطائفة المارونية، ما لم يُقدم الرئيس الحالي من تلقائه على التنحي.
- لن يتخلى "حزب الله" عن رئيس الجمهورية لأسباب يعزو بعضها الى دوافع أخلاقية وأخرى سياسية. كما لن يقبل البحث في مصير لحود قبل أن يعرف مَن هو مرشح فريق 14 آذار، وأي برنامج يحمله. ولا يعني ذلك أيضاً أن الحزب يؤيد مرشحاً يختاره هذا الفريق.
- يعتبر عون نفسه المرشح الأكثر تمثيلاً للزعامة المسيحية بشهادة انتخابات 2005، وهو لن يتخلى تالياً لسواه عما يراه حقاً له.
- لا ضغوط عربية على الرئيس السوري لحمله على التخلي عن حليفه الرئيسي في قصر بعبدا، انطلاقاً من الثابتة القائلة أن رأس لحود في يد الأسد.
- لا بديل من الحوار الوطني، أطالت الجولات أم قصرت، بغية استنفاد كل الوسائل المتاحة للتوصل الى الحلول المرتجاة، ولأنه يخفف وطأة التشنج والتوتر الداخلي، ولأن النصيحتين السعودية والمصرية لا تكفان عن الإلحاح على المضي فيه.