من أجل انقاذ الجعفري وافق خامنئي على محاورة واشنطن!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
علاوي يقرع جرس الانذار الأميركي ...
سليم نصار
بعد مرور ثلاث سنوات على الاجتياح الأميركي للعراق، أعلن رئيس الوزراء السابق اياد علاوي أن البلاد تغرق في حرب أهلية مدمرة.
ومع أن اياد علاوي كان محسوباً على أميركا وبريطانيا حتى اثناء وجوده في المنفى البريطاني، إلا أن إعلانه الفاضح عن فشل الدولتين، أثار الرئيس جورج بوش الذي انتقده بقسوة، لأنه يردد كلام الذين يتوقعون تفكك العراق.
وتزامن صدور تصريح علاوي مع موعد الزيارة التي يقوم بها وزير الدفاع البريطاني جون ريد لمدينة البصرة. ولقد أقلقه هذا الكلام المتشائم، الأمر الذي دفعه الى اتهام علاوي بتقديم خدمة مجانية للإرهابيين.
ولكن علاوي تسلح بخبرته الماضية عندما تولى مسؤولية رئاسة الحكومة في أدق المراحل وأكثرها خطورة. ثم علق على انتقادات بوش وريد بالقول إنهما يرفضان الاعتراف بالحقيقة لاقتناعهما أن ستين قتيلاً في اليوم لا يشكلون النسبة المطلوبة لدخول العراق في قائمة الدول التي تعرضت للحرب الأهلية. ولقد صدمته تهجمات عنيفة من مسؤولين عراقيين وأميركيين وبريطانيين بسبب وصفه للعراق بأنه انتقل خلال السنوات الثلاث الماضية من نظام الحكم الديكتاتوري الى نظام الشارع والغوغاء وميليشيات المذاهب والأحزاب. ولقد استند علاوي إلى الأرقام المتداولة في المستشفيات ووزارة الداخلية كي يبني عليها تصوراته لمستقبل البلاد. ففي ثلاث سنوات قُتل من الأبرياء العزّل أكثر من 34 ألف نسمة. كما قُتل من رجال المعارضة بواسطة قوات التحالف والشرطة العراقية أكثر من 55 ألف نسمة. وتشير التقارير الأمنية الى وفاة نحو ألف نسمة أثناء استهداف مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء. أما بالنسبة لضحايا القوات الأميركية، فإن "البنتاغون" اختصر رقم القتلة بـ2300 جندي.
في تعليقه على الكلام الذي ردده اياد علاوي، زعم الرئيس جورج بوش، أن العراق تجنب الوقوع في حرب أهلية. ثم استدرك قائلاً: "إن هذا الوصف لا يلغي صعوبة قمع التمرد الشرس، خصوصاً بعدما حاول العدو نشر العنف الطائفي". وحرص بوش على تأكيد نجاح استراتيجيته في العراق، معرباً عن ثقته بنجاح الخطة التي تقود الى تشكيل حكومة وطنية، شرط أن تكون مدعومة من القوات العراقية.
وعندما تحدث جورج بوش عن ضرورة تشكيل حكومة اتحاد وطني وانشاء فرق محلية لحماية المواطنين، ظن الكثيرون أنه يمهد لانسحاب القوات الأميركية خلال سنة على أبعد تقدير. ولكنه تجاهل هذا الموضوع وطلب من مجلس النواب الموافقة على انفاق طارئ قيمته 92 بليون دولار، بهدف تمويل الحرب في العراق وأفغانستان. ويتضمن مشروع القانون 67 بليون دولار للعمليات العسكرية في العراق وأفغانستان، الأمر الذي يشير الى رفع تكاليف الحرب في البلدين الى حوالي 400 بليون دولار. كما يؤكد استمرار الوجود العسكري الأميركي في تلك المنطقة الى أن يستقر الوضع في العراق.
ويُستدل من تفاصيل هذا الاتفاق الطارئ أن الإدارة الأميركية فشلت خلال السنوات الثلاث السابقة، في تحقيق أهدافها الاستراتيجية داخل العراق. أي استغلال آبار النفط ومنع الصين والهند، وحتى الدول الأوروبية، من منافستها على أهم موارد الشرق الأوسط. ويقول خبراء أميركيون إن النمو الكبير الذي ستشهده احتياجات الصين من الطاقة في السنوات المقبلة سيدخلها في مزاحمة متزايدة مع أكبر دولة مستهلكة للطاقة في العالم. وبما أن الصين تعتبر ثاني أكبر دولة مستهلكة للطاقة، ستكتشف أنها مضطرة الى استيراد عشرة ملايين برميل يومياً بعد عشر سنوات. وفي إطار سعيها الى مواجهة العجز المتوقع من النفط، أثارت بكين استياء واشنطن بتمتين علاقاتها السياسية والاقتصادية مع العراق وإيران وليبيا والسودان. والمعروف أن الولايات المتحدة تحظر شركاتها الاستثمار فيها، لأسباب سياسية وأمنية.
في هذا المجال، تظهر الحكومة البريطانية وكأنها تتصرف باستقلالية عن حليفتها الأميركية، خصوصاً في الشؤون المتعلقة بالنفط والغاز. ولقد شهدت محافظة البصرة الغنية بالنفط، منافسة شديدة بين بريطانيا وروسيا التي تحاول استعادة دورها السابق في العراق. وتعتمد موسكو على استغلال مشاعر العداء لبريطانيا وأميركا، للدخول في المنافسة الاستثمارية على أمل إبعاد الدولتين عن فرص الاستثمار في الجنوب.
الإدارة الأميركية نصحت الحكومة البريطانية بضرورة تجميد قواتها القليلة العدد في البصرة، خوفاً من منح استثمارات النفط لشركات روسية في حال سحبت لندن جنودها. وترى واشنطن ان انسحابها قبل نهاية سنة 2009 سيمنعها من تحقيق أهدافها في استثمار آبار نفط العراق. ويقدر مخزون النفط العراقي بـ115 بليون برميل كاحتياط مثبت، إضافة الى كميات غير مكتشفة من الغاز تقدر بـ110 تريليونات قدم مكعبة.
مجلس الشيوخ الأميركي ارسل هذا الأسبوع الى العراق، وفداً يضم رئيس لجنة القوات المسلحة السناتور الجمهوري جون وورنر، والسناتور الديموقراطي في لجنة التسلح كارل ليفين. وأثناء اجتماعهما برئيس الوزراء المنتهية ولايته ابراهيم الجعفري، أبلغاه رسالة الكونغرس، ومفادها ان صبر الأميركيين بدأ ينفذ حيال التأخير في تشكيل حكومة جديدة. وعندما سألهما الجعفري عن أسباب هذا الاهتمام ودوافعه، أجابه السناتور جون وورنر، أن استمرار الوجود العسكري الأميركي في العراق مرتبط بتوصل رجال السياسة والدين الى اتفاق حول تشكيل الحكومة.
ورد عليه الجعفري قائلاً: وهل يؤدي تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، الى استعجال انسحاب القوات الأميركية؟
وشعر السناتور الأميركي بالاحراج لأن الانذار الذي طرحه لم يكن صحيحاً. لذلك استدرك حالاً وقال انه متخوف من ضعف القوات العراقية التي سيعهد اليها بمهمة ضبط الأمن. ورأى السناتور انها ستتفكك أمام هجمات الارهابيين، وأن أفرادها سيلتحقون بالفئات المتنازعة، تماماً مثلما حدث للجيش اللبناني خلال الحرب.
ويتبين من تناقضات هذا الحوار، ان الولايات المتحدة مستعجلة على اعلان تشكيل حكومة اتحاد وطني على أمل ان تقدمها كمثل على نجاح خطة جورج بوش. ولكنها ليست مستعجلة على سحب قواتها خوفاً من استيلاء المعارضة على الحكم وإعادة "حزب البعث" الى السلطة. ويرى العديد من زعماء العراق ان عمليات التدمير والتنكيل والقتل الجماعي يمكن استثمارها على أكمل وجه بحيث لا يبصر المواطن العراقي أمامه سوى بريق المبادرات الأميركية المضللة. وهناك ايضاً من يتهم القوات الأميركية بالوقوف وراء مجازر الارهابيين وعمليات الفرز الطائفي والمذهبي.
مرشح كتلة "الائتلاف الشيعي الموحد" ابراهيم الجعفري، يتعرض منذ مدة لضغوطات سياسية بقصد زحزحته من موقعه، خصوصاً انه فاز بصوت واحد. ويتردد في بغداد ان هذا الصوت اليتيم أمنته حركة "رساليون". وهي حركة مجهولة صغيرة جداً أوجدها مقتدى الصدر وطلب ادخالها مع المجموعة التي نالت 30 مقعداً من أصل 275 عدد أعضاء البرلمان. ويستدل من نشاطات مؤسس ميليشيا "جيش المهدي"، أنه عازم على دعم الجعفري بكل ما لديه من امكانات وصداقات خارجية. وبما انه من أنصار ايران في العراق فإن مقتدى الصدر قادر على تعكير أجواء العمل السياسي، وإرباك كل معارض لترشيح الجعفري أو منعه لتولي ولاية ثانية. وهذا ما حدث مع المنافس القوي عادل عبد المهدي، الذي كان فوزه مضموناً بنسبة 128 صوتاً. ولكن جماعة الصدر قلبت الكفة وأمنت فوز الجعفري ولو بصوت واحد.
رئيس الجمهورية جلال طالباني كان أول من نقل الى واشنطن استياءه من سياسة الجعفري، لأنه في نظره حاول عرقلة تثبيت المادة 58 المتعلقة بالحلول المطروحة أمام محافظة كركوك. ثم اتهمه بتهميش وزراء الاكراد، وباهمال مطالبهم الحيوية، كما اتهمه ايضاً بزيارة تركيا من دون اصطحاب وزير الخارجية زيباري، لأنه كان يسعى الى حل مشكلة الأكراد مع الحكومة التركية في غياب ممثلي طالباني أو بارزاني.
الاسبوع الماضي عرض الأكراد حلاً معقولاً لا يؤدي الى ازاحة الجعفري، وانما يؤدي الى تطويقه وإضعاف صلاحياته. وتمثل هذا العرض بتشكيل "هيئة الأمن القومي" التي سيصار الى اعلانها اليوم السبت أو غداً الاحد. وتتألف الهيئة من 19 شخصية بينها: رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وقادة الكتل السياسية ورئيس مجلس القضاء الأعلى... وآخرون. ومن المتوقع ان تتفق الكتل السياسية على آلية العمل داخل مجلس الوزراء، وعلى برنامج الحكومة، وعلى تحديد صلاحيات الرؤساء، اضافة الى مشاكل الأمن والاقتصاد والخدمات. هذا كله بالطبع، يتم داخل اطار محدد تضمنته نصوص الدستور.
مطلع هذا الاسبوع طرح عبدالعزيز الحكيم رئيس "المجلس الأعلى للثورة الاسلامية" دعوة سياسية تتعلق بأهمية اجراء حوار بين طهران وواشنطن بشأن الوضع في العراق. ورأى الجعفري في هذا الطرح محاولة مريبة تؤدي الى وقف التنافس الاميركي - الايراني على مستقبل العراق، أو الى تخفيض حجم الدعم الذي توليه ايران لمرشحها المفضل ابراهيم الجعفري. ولكن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي لم يرفض دعوة الحوار، وانما اشترط ان تكون مخصصة لمطالبة واشنطن بسحب قواتها من العراق. في حين ذكرت واشنطن انها ستبلغ طهران بمدى قلقها إزاء دعمها ميليشيات مسلحة وتزويدها بمقاتلين واسلحة. ومعنى هذا انها ستشكو من تدخلها في الشؤون العراقية الداخلية، تماماً مثلما كانت تشكو من تدخل سورية في الشأن اللبناني.
يقول المراقبون ان السيناريو الذي طرحه عبدالعزيز حكيم لا يمكن أن يكون بعيداً عن توجه المسؤولين الايرانيين الذين وجدوا فيه متنفساً عبّر عنه علي خامنئي ووزير الخارجية منوشهر متقي. ولو ان الأمر لا يعنيهما، فمن المنطقي أن يمتنعا عن التعقيب على هذا الموضوع.
وقد يبرز المأزق الذي تعانيه ايران بسبب برنامجها النووي... والمأزق الذي تعانيه الولايات المتحدة بسبب احتلالها المتعثر للعراق، فرصة الحل عن مخرج مشرف لصديق طهران ابراهيم الجعفري، وحل سريع لتشكيل حكومة اتحاد وطني ترضى عنها واشنطن.
ولتحقيق هذه المهمة، ارتدى سفير أميركا في العراق خليل زاد، ثيابه لزيارة نظيره الايراني!
كاتب وصحافي لبناني.