جريدة الجرائد

الصفقة الاميركية‮ -‬الايرانية لإعادة الاستقرار الى العراق‮ ‬

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الخميس: 2006.03.030


‬هدى الحسيني
‮ ‬
في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬تكاثرت فيه المخاوف من الحرب الاهلية في‮ ‬العراق،‮ ‬وبعد تفاقم الاوضاع هناك،‮ ‬وارتفاع وتيرة التحديات الايرانية،‮ ‬والانهيار المتزايد لشعبية الرئيس الاميركي‮ ‬جورج دبليو بوش،‮ ‬وفيما الغيوم السوداء تتراكم اعلنت الولايات المتحدة وايران انهما اتفقتا على اجراء محادثات مباشرة بينهما حول الوضع العراقي،‮ ‬الأمر الذي‮ ‬ربط الازمات الثلاث معاً‮: ‬العراقية،‮ ‬والايرانية والاميركية‮. ‬المتشددون في‮ ‬الادارة الاميركية‮ ‬يقاومون مثل هذا الربط رغبة منهم في‮ ‬تجنب الضغوط اللاحقة،‮ ‬لتسوية موّسعة مع ايران‮. ‬لكن وكما قال مصدر اميركي،‮ ‬ان المتشددين خسروا معركة منع المحادثات مع ايران من اجل الاستقرار في‮ ‬العراق،‮ ‬دون ان‮ ‬يفوتهم ان هذه المحادثات بالذات ستضاعف الضغوط من اجل الوصول الى مفاوضات ثنائية حول البرنامج النووي‮ ‬الايراني،‮ ‬وكذلك حول الاهتمامات الامنية الايرانية‮.‬


‮إن التقاء هاتين القضيتين‮ ( ‬العراق والنووي‮ ‬الايراني‮ )‬سببه حاجة الولايات المتحدة والاطراف السياسية العراقية الى المساعدة الايرانية لتقليص القتال الطائفي‮ ‬وللخروج من الباب المسدود سياسياً‮ ‬في‮ ‬العراق،‮ ‬ورغبة ايرانية تستهدف التوصل الى تسوية عريضة مع واشنطن‮. ‬لقد كشفت ردود الفعل المتفاوتة على الموافقة الايرانية للتفاوض حول العراق،‮ ‬عن اختلاف حاد في‮ ‬مواقف وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس ومواقف مسؤولين آخرين في‮ ‬الادارة تجاه المحادثات‮. ‬وتجدر الاشارة الى صوت مؤثر في‮ ‬الحزب الديموقراطي‮ ‬تساءل عن سبب الموقف الاميركي‮ ‬المتعنت في‮ ‬سلبيته من ايران‮. ‬ففي‮ ‬محاضرة القاها الاسبوع الماضي‮ ‬في‮ "‬المركز الاميركي‮ ‬للتقدم‮" ‬قال مستشار الامن القومي‮ ‬السابق زبيغنيو بريجنسكي‮ :‬لماذا سياستنا تجاه ايران مختلفة عن السياسة التي‮ ‬نتّبعها تجاه كوريا الشمالية؟لماذا لا نتفاوض مع الايرانيين؟هل السبب كما قيل،‮ ‬كي‮ ‬لا نمنح شرعية للنظام الايراني؟ وهل‮ ‬يعني‮ ‬هذا،اننا وعن قصد نمنح الشرعية لحكومة كوريا الشمالية؟‮. ‬واضاف بريجنسكي‮ ‬انه‮ ‬يعتقد ان الوقت على المدى الطويل الى جانب الولايات المتحدة في‮ ‬ما‮ ‬يخص ايران،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فان التحاور مع ايران واستيعابها وتأخير برنامجها افضل من المواجهة معها التي‮ ‬ستؤثر حتماً‮ ‬على استقرار المنطقة‮. ‬
‮ ‬قبل سفرها الى اوستراليا في‮ ‬17‮ ‬من الشهر الجاري،‮ ‬قالت رايس ان المفاوضات مع ايران قد تكون مفيدة‮ ‬،لكن في‮ ‬اليوم التالي‮ ‬بدأ بعض المسؤولين الاميركيين‮ ‬يقللون من اهمية هذه المحادثات،‮ ‬ووصفها ستيفن هادلي‮ ‬مستشار الامن القومي‮ ‬بأنها فخ ايراني‮ ‬للتخفيف من الضغوط على طهران في‮ ‬نيويورك،‮ ‬ورأى عدم ضرورة المفاوضات مع ايران التي‮ ‬يجري‮ ‬الحديث معها عبر البيانات‮. ‬في‮ ‬اليوم نفسه وصف مسؤول اميركي‮ ‬آخر فضّل عدم الكشف عن اسمه المحادثات بأنها خدعة وان بلاده تُقدم عليها كي‮ ‬لا تُتهم بأنها لم تبذل اقصى ما تستطيع لوقف العنف في‮ ‬العراق‮. ‬وحسب محدثي‮ ‬الاميركي‮ ‬فأن مجموعتي‮ ‬نائب الرئيس ديك تشيني‮ ‬،‮ ‬ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد،‮ ‬لا‮ ‬يهمهما ما‮ ‬يحدث في‮ ‬العراق‮ ‬،‮ ‬بقدر ما‮ ‬يهمهما استمرار التركيز على السياسة المتبّعة ضمناً،‮ ‬لقلب النظام في‮ ‬ايران‮. ‬لكن‮ ‬يبدو ان رايس والسفير الاميركي‮ ‬في‮ ‬العراق زلماي‮ ‬خليل زاد على استعداد لأضعاف او تغيير هذه السياسة،‮ ‬لادراكهما آبعاد اخطار الصراع السياسي‮-‬الطائفي‮ ‬في‮ ‬العراق،ولاعتقادهما بأن ايران قادرة ولاسباب صارت معروفة،‮ ‬على المساعدة‮.‬

‮ ‬مع نهاية العام الماضي‮ ‬وقف الرئيس بوش الى جانب رايس وخليل زاد،‮ ‬ضد تشيني‮ ‬ورامسفيلد،‮ ‬وفي‮ ‬نهاية شهر كانون الاول‮ ( ‬ديسمبر‮)‬،‮ ‬ارسل خليل زاد رسالة الى السلطات الايرانية‮ ‬يقترح عليها التعاون في‮ ‬العراق.لم‮ ‬يعترض تشيني‮ ‬او رامسفيلد على هذا الاجراء آنذاك لاعتقادهما ان الايرانيين سيرفضون الاقتراح الذي‮ ‬حدد‮ ‬اطار التعاون‮ ‬بالعراق فقط،‮ ‬وبالفعل اعلنت الخارجية الايرانية رفضها لتلك الشروط‮. ‬وفي‮ ‬12‮ ‬من الشهر الجاري‮ ‬،‮ ‬كشف مصدر امني‮ ‬ايراني‮ ‬عن ان واشنطن جددت‮ ‬في‮ ‬نهاية شهر شباط‮ (‬فبراير‮)‬،دعوتها لايران‮ ‬،‮ ‬وان طهران لم ترفض هذه المرة‮. ‬ويتبين ان موافقة طهران على الاقتراح الاميركي‮ ‬الذي‮ ‬لم تتغير شروطه،‮ ‬تعكس القلق الايراني‮ ‬من خطر المواجهة العسكرية مع واشنطن،‮ ‬لأنه بعد رفض طهران الدعوة الاولى،‮ ‬ضاعفت واشنطن من تشددها بالنسبة للمسألة النووية الايرانية‮ ‬،‮ ‬ونظمت حملة ايصالها الى مجلس الامن‮. ‬ويرى ديبلوماسي‮ ‬غربي‮ ‬أن الايرانيين‮ ‬يأملون باستغلال المحادثات كجسر لمفاوضات ديبلوماسية اوسع مع واشنطن تتضمن حوارا حول المسألة النووية،‮ ‬لذلك‮ ‬يتطلعون الى اجرائها في‮ ‬دولة حيادية.وكان رئيس وفد المفاوضين الايرانيين علي‮ ‬لاريجاني،‮ ‬المقّرب من المرشد الاعلى للثورة الاسلامية علي‮ ‬خامنئي‮ ‬عندما اعلن عن قبول ايران الشروط الاميركية للتفاوض،‮ ‬اشار الى الرغبة في‮ ‬التوصل الى توافق حول النووي‮ ‬الايراني‮ ‬ايضاً‮.‬
‮ ‬من ناحيتهم‮ ‬يصر المتشددون في‮ ‬واشنطن على تجنب اجراء مفاوضات مع ايران حول برنامجها النووي،‮ ‬وبمجرد ان الاعلان عن موافقة ايران‮ ‬بحث القضية العراقية‮ ‬،‮ ‬استبعد وليام بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الاميركية‮ ‬هذا الامر وقال،‮ ‬ان الرفض الاميركي‮ ‬جزء من استراتيجية الادارة في‮ ‬الضغط على ايران،‮ ‬وانه الافضل لعزل النظام هناك‮.‬
‮ ‬على كل لمعرفة التطورات الاخيرة‮ ‬،‮ ‬توجب الاشارة الى ان واشنطن وطهران تجريان ومنذ سنوات محادثات سرية‮ ‬غير رسمية،‮ ‬وكل طرف لاسبابه الداخلية حاول ان‮ ‬يبقي‮ ‬تلك المحادثات بعيداً‮ ‬عن الانظار،‮ ‬حتى عندما كانت معلنة،‮ ‬كتلك التي‮ ‬جرت في‮ ‬جنيف حول افغانستان بعد عمليات‮ ‬11‮ ‬ايلول(سبتمبر‮). ‬اللافت الآن انها تتعلق بالعراق،‮ ‬لانهما اللاعبان الحقيقيان فيه،‮ ‬وهما قررا الجلوس وبحث امكانية التوصل الى صفقة تتعلق بمستقبل تلك الدولة العربية،‮ ‬مما‮ ‬يشير الى ان استمرار تلك الحرب مرتبط جزئيا بالعلاقات الاميركية-الايرانية،‮ ‬وبالتالي‮ ‬فقد قرر الطرفان انه حان الوقت للتوصل الى تلك الصفقة‮.‬

‮ ‬ان العراق هاجس ايران،‮ ‬وتعود جذوره الى الاف السنين والصراع ما بين البابليين والفرس،‮ ‬واخيرا الحرب بينهما في‮ ‬ثمانينات القرن الماضي‮. ‬وبعد عاصفة الصحراء‮ ‬،‮ ‬تسلل الايرانيون الى الجنوب العراقي،‮ ‬لكنهم لم‮ ‬يكونوا قادرين على شن حرب على صدام حسين،‮ ‬انما كانوا مرتاحين لان عاصفة الصحراء اشلته.ثم جاءت عمليات‮ ‬‭ ‬‮ ‬11‮ ‬ايلول(سبتمبر‮) ‬،‮ ‬فكان تصرف ايران ملفتاً،‮ ‬ذلك ان الايرانيين‮ ‬يعتبرون انفسهم طليعة الاسلام الثوري،‮ ‬ولم‮ ‬يريدوا رؤية طرف مسلم آخر‮ ‬يأخذ مكانهم‮ ‬،‮ ‬لذلك اسرعت طهران وعرضت على القوات الاميركية السماح لها بالهبوط اضطرارياً‮ ‬في‮ ‬القواعد الايرانية خلال العمليات العسكرية ضد افغانستان،‮ ‬كما انها مارست نفوذها في‮ ‬غرب‮ ‬افغانستان وشمالها لتوفير دعم قبلي‮ ‬لواشنطن‮. ‬هي‮ ‬كانت تريد ازالة نظام طالبان،‮ ‬ولم تمانع في‮ ‬ايواء مسؤولي‮ ‬القاعدة عندها،‮ ‬وكما قال لي‮ ‬محدثي‮ ‬الاميركي،‮ ‬ان طهران‮ ‬يمكن ان تمنح ملاذاً‮ ‬آمناً‮ ‬لاسامة بن لادن اذا كان هذا‮ ‬يحّيده وبالتالي‮ ‬يهمشه‮.‬


‬اراد الايرانيون ان‮ ‬يهزم الاميركيون صدام حسين،‮ ‬لانهم رغبوا ان تتحمل واشنطن مسؤولية تهميش السنة في‮ ‬العراق،‮ ‬واعتقدوا ان الاميركيين سينسحبون بعد ذلك تاركين وراءهم حكومة شيعية تخضع للنفوذ الايراني‮.‬ما لم‮ ‬يحسبوا حسابه ان واشنطن بعد معركة الفالوجة،‮ ‬بدأت اتصالات مع القيادات السنية‮ ‬،‮ ‬وكانت تهدف الى امرين،‮ ‬الاول‮: ‬استعمال الوجود السني‮ ‬في‮ ‬الحكومة العراقية الجديدة للحد من الطموحات الايرانية،‮ ‬والثاني‮: ‬فصل السنّة عن الجهاديين.وتبين نجاح هذه الخطة باقبال السنّة على الانتخابات،‮ ‬ودَفَع الشيعة العراقيين الى الابتعاد قليلاً‮ ‬عن طهران،‮ ‬كما دَفََع الجهاديين لشن عمليات دموية ضد الشيعة،‮ ‬وبهدف اشعال حرب اهلية تعيد السنة الى التحالف القوي‮ ‬معهم‮.‬
ثم كانت المناورة النووية الايرانية والتعنت حولها،‮ ‬والهدف من وراء‮ ‬هذه المواقف‮ ‬،لفت الاميركيين الى ان ايران نووية اكثر خطراً‮ ‬من عراق شيعي‮.‬اما ماذا تريد طهران من التفاوض حول العراق،‮ ‬فكما‮ ‬يقول الديبلوماسي‮ ‬الغربي،‮ ‬انها تتطلع الى ابقاء البعث خارج الحكم،‮ ‬كما انها تريد التحّكم بمواقف العراق الدولية-كما فعلت سوريا اثناء وجودها في‮ ‬لبنان‮-‬،‮ ‬ولا‮ ‬يريد الاميركيون حكومة شيعية صرف،‮ ‬وانما حكومة تحالف وطني‮ ‬لانهم‮ ‬يريدون من السنة مواجهة الجهاديين مقابل ضمان حقوقهم في‮ ‬العراق‮. ‬كما تريد واشنطن الابقاء على حوالي‮ ‬40‮ ‬الف جندي‮ ‬اميركي‮ ‬مع طائرات مقاتلة خارج المدن الآهلة‮ ‬غرب العراق،‮ ‬ومن الطبيعي‮ ‬الا‮ ‬يتحمس الايرانيون الى وجود قوات اميركية قريبة جداً‮ ‬من حدودهم‮. ‬
واسأل محدثي‮ ‬الديبلوماسي‮ ‬الغربي‮ ‬عن احتمال ان‮ ‬يكون الايرانيون وافقوا على المفاوضات لكسب الوقت بانتظار الانتهاء من برنامجهم النووي؟ فيقول‮: ‬ان الايرانيين سيعملون على برنامجهم النووي‮ ‬ساعة‮ ‬يشاءون،‮ ‬وكذلك واشنطن فانها ستدّمر البرنامج النووي‮ ‬الايراني‮ ‬ساعة تشاء‮. ‬ويضيف‮: " ‬ان البرنامج النووي‮ ‬الايراني‮ ‬ليس بقضية في‮ ‬المفاوضات الحقيقية‮"‬
ليس بمستبعد ان تبذل ايران الجهد للمساعدة في‮ ‬اعادة الاستقرار‮ ‬،‮ ‬ولو مؤقتاً‮ ‬الى العراق،‮ ‬ذلك ان كل همها تحقيق الهلال الشيعي،‮ ‬وتثبيت منفذ لها على البحر الابيض المتوسط وهذا ما تسعى اليه منذ القرن السابع عشر‮. ‬وهي‮ ‬مع تثبيت دعائم نفوذها في‮ ‬العراق،‮ ‬انقذت النظام السوري‮ ‬وتمددت في‮ ‬لبنان الذي‮ ‬تتطلع اليه منذ القرن الخامس عشر عندما تشّيعت الامبراطورية الفارسية كي‮ ‬تختلف عن الامبراطورية العثمانية،‮ ‬وارسل الامبراطور الفارسي‮ ‬اسماعيل الاردبيلي‮ - ‬الذي‮ ‬اتخذ قرار تشّيع ايران‮- ‬وراء رجال دين‮ ‬من جبل عامل في‮ ‬لبنان لينشروا التعاليم الشيعية في‮ ‬الامبراطورية الفارسية التي‮ ‬كانت سنيّة‮.‬
ان لعبة امم جديدة تدور في‮ ‬المنطقة،‮ ‬ابطالها‮ : ‬اميركا،‮ ‬وايران،‮ ‬واسرائيل وقد تنضم اليها لاحقاً‮ ‬تركيا،‮ ‬وليس العرب‮.‬

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف