لو اتصلت بهم لقلت: جمال مبارك يتحدث تلفزيونيا لأول مرة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
سليم عزوز
احترت، واحتار دليلي، في السبب وراء ظهور جمال مبارك تلفزيونيا في الأسبوع الماضي، حيث استضافه برنامج (اتكلموا)، وربما يكون هو من استضاف هذا البرنامج، ولا فرق، لان العملية في بيتها، فالسيدة لميس الحديدي مقدمة البرنامج، كانت عضوا نشطا في حملة الدعاية للوالد أبان الانتخابات الرئاسية، وهي حرم شقيق عماد أديب، الذي فتح حملة الرئيس مبارك بحوار تلفزيوني معه، علقنا عليه في حينه بمقالين في هذه الزاوية، احدهما كان قبل بثه، والثاني عقب البث.
البعض قال ان سبب هذا الظهور ـ الذي لا سابقة قبله ـ يرجع الي ما ذكره الأستاذ محمد حسنين هيكل في حوار صحافي، أكد فيه ان مصدرا مطلعا اخبره ان عملية توريث الحكم يتم الاستعداد لها من الان، وان انتقال السلطة من الأب إلي الابن ستكون قبل نهاية هذا العام، وقد جاء جمال مبارك لينفي وجود نية او رغبة لديه في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، ويكون النفي واضحا وصريحا.
منذ أقل من شهر تقريبا، كنت اجلس علي مقهي درجة عاشرة بوسط القاهرة، عندما اخبرني احد الأشخاص العاديين من تحالف قوي الشعب العامل، بسيناريو كامل لعملية التوريث علي النحو الذي ذكره هيكل، ولم يكن مصدرا مطلعا او عليما، الأمر الذي يعني ان مصدر (الاستاذ) سبق ان ردد هذا الأمر في شوارع وحواري القاهرة، حتي وصل للعامة والدهماء، والذين نقل احدهم لي هذه المعلومات، فنصحته بأن يتغطي وهو نائم.
لا استبعد ان يكون الحوار قد تم بإلحاح من لميس الحديدي، وفي اعتقادي ان مثل هذا الحوار السبق هو هدف لأي إعلامي ناجح، او حتي فاشل، ليظهر أمام الكون بأنه من أهل الحظوة، ولميس تبدو من برنامجها أنها (لحوحة)، فضلا عن أنها من أهل الثقة، ولولا ذلك لما كان قد وقع الاختيار عليها ضمن فريق الدعاية للرئيس مبارك.
في بداية البرنامج أعجبتني (لميس) في طريقة إلقاء الأسئلة، فلم تتعامل علي طريقة المذيعين السفرجية (حضرتك.. وسعادتك.. وسموك.. وغبطتك)، فضلا أنها أبدت جدية لازمة في هذا النوع من الحوارات، وقد عقدت النية ان أشيد بها، صحيح انني سبق وان انتقدتها في هذا المكان الطيب المبارك، الذي يستمد هذا السمو من انني أشرفه مرة كل أسبوع، إلا ان شعاري في الحياة الدنيا: ولا يجرمنكم شنآن قوم علي ألا تعدلوا. وليس بيني وبين لميس خلاف علي الميراث، او لأنني أنافسها علي منصب وزير الإعلام، وإذا كانت قد حصلت علي برنامجها التلفزيوني مجاملة، فيشفع لها ان (نيرفانا) تمت مجاملتها بنقلها لتلفزيون الريادة الإعلامية، بعد تهجمها علي ايمن نور، وأثبتت فشلا منقطع النظير.
لكن لأن الحلو لا يكتمل، فبعد مضي أكثر من نصف وقت البرنامج نسيت لميس الحديدي انها تجري حوارا تلفزيونيا، وانتقلت من خانة المذيعة المحاورة، الي انبهار ربات البيوت، وخفة مذيعات المنوعات، ربما لأنها سعت الي تقليد هالة سرحان، وقد تكون معجبة بشخصيتها لأن هالة كانت تترأس لميس في مجلة (كل الناس).
لميس كانت في البداية موفقة، فقد تحول حوارها الي محاكمة لنجل الرئيس، وللحزب الحاكم، وهي محاكمة رقيقة بالطبع تتناسب مع كون القاضي من الجنس اللطيف، ولعلنا نشاهد برنامج (الاتجاه المعاكس) عندما يغيب عنه مقدمه فيصل القاسم، ويترك مهمته لمذيعات بالقناة، يحاولن المحافظة علي شكل البرنامج، ومع هذا فشتان بين أداء رجل غضنفر، يكاد يقوم من مقعده ويمسك في زمارة رقبة احد الضيوف فيرديه قتيلا، وأداء مذيعة رقيقة، تحاول ان تكون عنيفة بدون جدوي.
لقد قالت لميس لجمال مبارك انه لا توجد ديمقراطية داخل الحزب الحاكم، وان اختياراتهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة لم تكن سليمة، وان لجنة السياسات ما هي الا (مكلمة) وأنها تضم أصدقاءه، وهي التي تعين الوزراء، ورؤساء تحرير الصحف الحكومية، وواجهته بما يردده الناس من انه بعيد عن الشارع، وانه فتح القطاع الخاص علي السياسة، وانه وراء انهيار البورصة قبل عدة ايام، وان تعديل المادة 67 من الدستور تم بشكل يسمح له ان يخوض انتخابات الرئاسة بمفرده، وبدون منافس.
ولم تمهد لأي سؤال من هؤلاء بـ(حضرتك، وفخامتك، وسيادتك)، وقد كان جمال نفسه حريصا علي ان يكون (البساط احمدي)، فعندما خاطبته الدكتورة مني ذو الفقار بلقب (الاستاذ) قال لها قولي (جمال) من غير ألقاب، وقد صار الحوار علي هذه الوتيرة الي ان انضمت لميس الحديدي الي قوافل ربات البيوت، علي النحو الذي سنبينه بعد قليل!
بوصفي من مشجعي اللعبة (الحلوة) فإنني أقول ان البرنامج مثل (فرشة عبقرية) لجمال مبارك، ونجح في تقديمه للرأي العام، علي انه شاب مثقف، ليس متعاليا علي الناس كما يشاع عنه، ولا يفزعه الرأي الاخر، ولا يضيق ذرعا بالمختلفين معه. فعندما ذكرت مقدمة البرنامج واقعة استقالة الدكتور أسامة الغزالي حرب من لجنة السياسات وهجومه عليها، لم يتجاوز، ولم يسئ إليه، وإنما قال من الجائز ان تختلف الرؤي. لدرجة ان ابنتي التي لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها، والتي تعيش في دور المثقفة، وربما المفكرة، فتعبث في كتبي بحجة أنها تقرأها، وتتجاهل مذاكرتها بحجة أنها مشغولة بقراءة الصحف سألتني بلؤم فطري: .. وماله جمال مبارك. وقد نظرت إليها شزرا ولم أعقب.
ولأن هذه (الطلة) لجمال مبارك أضافت الي رصيده، فقد اعتبرها البعض تمهيدا لما قاله الاستاذ هيكل - نقلا عن مصدره المطلع - من ان هذا العام سيشهد توريث السلطة في مصر، وان مبارك الأب اذا كان اختار عماد أديب ليحاوره تلفزيونيا ليدشن بهذا الحوار لحملته الانتخابية، وقبل الهنا بسنة، فان جمال قد اختار زوجة شقيق عماد ليبدأ بالحوار معها التمهيد لعملية قفزه علي منصب الرئيس، ربما من باب التفاؤل بهذه العائلة ومشتملاتها، لكن جمال مبارك أنكر في نهاية البرنامج وجود نية له للترشيح.
في الواقع انه لو أقسم جمال مبارك علي الماء فتجمد، وقال انه لن يترشح في الانتخابات القادمة، فلن يصدقه احد في الشارع، حتي لو شاهدناه يطير في الهواء، ويمشي علي الماء كما يقول المتصوفة. وعن نفسي لو حدث التوريث فسوف اترك البلد واهج ولو الي دارفور وأعيش مع الجنجاويد، فمصر ليست تراثا او عقارا، قالها الزعيم احمد عرابي في مواجهة الملك، وانهي مواجهته بقوله: لن نورث بعد اليوم.
لكن اذا استبعدنا الظن السيئ، وتعاملنا علي ان هذا البرنامج قدم جمال مبارك بصفته الحزبية، وليست هناك أهداف باطنة، فهنا يمكننا ان نقول ان الناس تلقته من هذه الزاوية بقبول حسن، لكنني وبصفتي متابعا لنشاطه، فانني لم آخذ الأمر علي عواهنه، ولهذا حاولت الاتصال بالبرنامج، ولمدة ساعتين، لكن منحوس أنا. في الوقت الذي تسني فيه للطفلة (ياسمينا) التي تبلغ من العمر عشر سنوات ان تتصل لتسأل (عمو) جمال عن هوايته عندما كان صغيرا في سنها، ولا ادري لماذا انتابني إحساس بأن (لميس) ستقوم بنهرها، علي أساس ان (عمو) لم يكن صغيرا في حياته، فقد كانت سيادة مقدمة البرنامج في هذه (اللقطة) قد انتقلت من مذيعة جادة الي طائفة ربات البيوت، حيث تهللت في بداية المكالمة، وأعلنت أنها سعيدة لان (ياسمينا) لا تزال مستيقظة حتي الآن، لتوحي بأن الأطفال لم يأووا الي فراشهم حتي يتمكنوا من مشاهدة (عمو) جمال. عندي عادة قديمة، وهي ان أي برنامج تليفزيوني يتم بثه علي الهواء مباشرة، ويضع أرقام تليفونات للجمهور ليتصل من خلالها، فإنني ألتقط الأرقام، واشغل نفسي طوال مدة البث بالاتصال به، لاكتشف بنفسي حجم (الاونطة)، ولكي أتعجب لان من المذيعات من يتلقين اتصالات من معجبات، بحلاوتهن، ورشاقتهن، والرد المتعارف عليه ان تطأطئ المذيعة رأسها من باب تواضع العلماء وهي تقول: شكرا يا حبيبتي. وفي الواقع انني في كل مرة اتصل فيها فإنني استعد لان أقول بأنني فقط أتأكد، ولا نية لي في مداخلة، وشكرا يا حبيبتي. ولكن لم يحدث في أي مرة أن أحدا رد علي.
وقد كان هذا هدفي عندما بدأت الاتصال ببرنامج (اتكلموا)، لكن قلت في عقل بالي، ولماذا لا أتكلم، والأخت لميس تحثنا من خلال اختيارها لاسم برنامجها علي الكلام؟ لقد وضعوا رقمين للاتصال، والتقطت احدهما علي ثلاث مراحل، فقد كان يوضع ويرفع سريعا، وظللت اتصل طوال فترة البرنامج، وكان الهاتف مشغولا علي الدوام.. منحوس انا ولا مؤاخذة، مع ان (ياسمينا) ذات العشر سنوات تمكنت من الاتصال، ومع ان مني ذو الفقار التي قال جمال مبارك أنهما معا باستمرار في الحزب، اتصلت وسألت سؤالين دفعة واحدة، كما اتصل صلاح من المنوفية، وهبة من القاهرة، ومحمد من أسيوط، ومجدي الجلاد من الأستوديو.. أرأيتم إلي النحس الذكر؟!طشة الملوخية! لو تمكنت من الاتصال كنت سأقول كلاما كثيرا، لا تسمح به مساحة هذه الزاوية، لكنه يدور حول التناقض بين فعله، وكلامه قبل خمس سنوات، عندما كان يشق طريقه بصعوبة داخل الحزب الحاكم، ليجد له موضع قدم فيه، في ظل تكتل الحرس القديم ضده، ووقوف والده علي الحياد وقتها، ومن هذا الكلام ان الشعب يريد التغيير وينبغي ان نكون مع الشعب، وكيف أنه وبعد ان دان له الحزب وتخلص من هذا الحرس، إذا به ينحاز إلي الإصلاح الشكلي، ويختار من العناصر أسوأها مثل المجموعة التي اختارها لرئاسة تحرير الصحف الحكومية، من عينة صاحب الكتابات الرصينة، حول (طشة الملوخية) المحروم منها الرئيس، من اجل الشعب، ونِعم التضحية. ومثلهم في مجلس الوزراء، وقد مثل اختيار (معظم) هؤلاء، وهؤلاء طعنة في مقتل لفكرة التغيير!
لكن لا بأس فمثل هذه المداخلات المتفق عليها تحدث في أحسن العائلات، اقصد التلفزيونات، والعبرة بالنية.الشحتفة كنت قد قررت ان أصول واجول في الجزء الذي انتقلت فيه لميس الحديدي من دور المذيعة الجادة، الي محاولة تقليد مذيعات المنوعات، من طراز هالة سرحان، لكن المساحة انتهت، لأكتفي بما ذكرته عندما استقبلت تليفون (ياسمينا) التي ظلت مستيقظة حتي تشاهدها وهي تحاور (عمو) جمال. معذرة فأنا احسد (ياسمينا) لأنها نجحت فيما فشلت فيه.
كاتب وصحافي من مصر
azzoz66@maktoob.com