هل يتواصل التجنيد في «القاعدة»؟
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
فارس بن حزام
لعل هذا السؤال هو العنوان الأبرز بعد أيام العنف التي شهدتها السعودية في المواجهة بين تنظيم "القاعدة" وقوات الأمن، فمع التساقط المستمر لمطلوبين مرتبطين بالتنظيم، سواء بالقتل أو بالانتحار أو بالقبض، يظهر السؤال مكرراً: ألم ينته هؤلاء؟
بكل تأكيد أن التنظيم يحمل عدداً معيناً ومعروفاً لدى سلطات الأمن، نتيجة للتحقيقات المستمرة مع المقبوض عليهم والذين يتساقطون على الدوام، كما أن هناك إيماناً بوجود خلايا أخرى نائمة لم تستيقظ، وقد تستمر في سباتها دون أن تفكر في الاستيقاظ عندما تصل كل خلية إلى قناعة تامة بأن التنظيم انتهى ولا مجال أو جدوى للظهور بحثاً عن تنفيذ أي عمل، ولهذه الخلايا النائمة فرصة في أن تتراجع عن مواقفها باستقلالية، فسلطات الأمن لا تعلم عنها، فتتفكك وتنتهي بشكل سري كما بدأ تشكلها سراً.
هذا العدد يواجه أزمة نمو، بدأت منذ عمليات المطاردة والتضييق على عناصره، إلى جانب أزمة تقلص، نظراً للأسباب المذكورة أعلاه، ويكمن ضعف النمو في أمرين، أولهما ضعف التعاطف الداخلي مع منهج التنظيم الذي أخذ في التبدل والتحول من استهداف العسكريين الأمريكيين إلى المدنيين الغربيين وصولاً إلى الجنود من المواطنين المدنيين فاقتصاد البلاد، وثانيهما فقدان الثقة في المجندين الجدد، خشية اختراق التنظيم من عناصر أمنية تتوشح عباءة "القاعدة".
في السببين السابقين، يتضح أن أحدهما أتى بإرادة التنظيم والآخر من دون إرادته، ولكنهما جاءا مجتمعين في آن واحد، ولعل السبب الثاني كان الأهم والأكثر فاعلية في توقف التجنيد المباشر في التنظيم.
ومن هنا كان للتنظيم خطوة أخرى سعى من خلالها إلى التجنيد غير المباشر الذي بدوره لا يمنح المجند أي ارتباط عضوي بالتنظيم، ولكنه يضعه ضمن الدائرة الفكرية لأهدافه، وذلك عبر نشر "ثقافة القاعدة الميدانية" من خلال إصدار مجلة إلكترونية على الإنترنت تحمل اسم "معسكر البتار"، وهو اسم لأول معسكر تدريبي أقامته "القاعدة" في السعودية، وتولاه مؤسس التنظيم فيها يوسف صالح العييري، وهذه المجلة تقوم بنشر برامج تدريبية مفصلة في اللياقة البدنية التي يتطلبها العنصر "المجاهد"، وأساليب القتال الميداني وحرب العصابات والخطف والاغتيال واحتجاز الرهائن، والأهم بين ذلك كله الكيفية في تشكيل خلية أو أكثر وربطها ببعضها البعض، وكل ذلك يتم عبر نشر أدق التفاصيل الصغيرة والكبيرة التي تساعد أي قارئ على القيام بها دون أن يكون هناك موجه أو مدرب متصل به، فمذاكرة ذلك بشكل جيد ومكثف وبتركيز عال تكفي صاحبها لاستيعاب المضمون، ليتبقى أمامه البدء في التنفيذ، كما أن هذه المجلة دعت الأشخاص المستهدفين في مشروعها إلى أن يتولوا تدبير أمورهم المادية واللوجستية في توفير كل متطلبات العمل الميداني، لعلمها أن طريق النهاية للعمل التنظيمي المباشر مع "القاعدة" قد بدأ.
هذا ما أرادته "القاعدة" في السعودية من خلال نشر تلك المجلة بمعدل نصف شهري، فلا مجال لديها في الحفاظ على نشاط التنظيم إلاّ عبر هذه الخطة الذكية التي قدمت بعناية فائقة وبنشر برامج وأفكار كانت تتزامن مع المشهد العام للحدث، ومتوافقة مع اتجاه بوصلة المواجهات.
ولكن، مع ذلك كله، هل أثمرت تلك الخطة عن عمليات منفذة، أم أنها بقيت ضمن حدود القراءة والاطلاع والتعاطف الوجداني بين أنصار التنظيم؟
الإجابة على مثل هذا التساؤل تتطلب العودة إلى سجل المواجهات والعمليات التي نفذتها "القاعدة" في السعودية طوال الفترة الماضية، ليتم التعرف من خلالها إن كانت هناك عمليات نفذت من غير العناصر المرتبطة مباشرة بالتنظيم، وهي الإجابة الواضحة والمباشرة: لا، فكل عنف مسجل ضمن هذه القضية كان منفذوه من العناصر المطلوبة والمسجلة لدى وزارة الداخلية كمطلوبين مرتبطين مباشرة بالتنظيم، أي أن التجنيد غير المباشر لم يثمر شيئاً، ولكن هل سيستمر هذا الأمر طويلاً دون أن تبرز عمليات من مجندين غير مرتبطين مباشرة بالتنظيم؟
النظرة بواقعية إلى المشهد، تتطلب منح هذا التساؤل شيئاً من الوقت لضمان الإجابة بالنفي، فقد لا يبرز هؤلاء المجندون إلاّ بعد تلاشي عناصر التنظيم، وتحوله من تنظيم إداري إلى تنظيم فكري إيديولوجي مفتوح، أما النظرة العاطفية فستكون الإجابة من خلالها بالإيجاب.
ولقطع الطريق أمام تشكل مثل تلك الخلايا المجندة بطريقة غير مباشرة، يتطلب الأمر مواصلة التضييق على كل من يُؤمن ب "فكر العنف" أو يتعاطف مع أصحابه، حتى لو انتهى وقضي على التنظيم، فهؤلاء المتعاطفون هم الأسرع في التجنيد والارتباط غير العضوي المباشر، والأهم أن يكون مثل هذا التضييق مستمراً ليس لأعوام، بل لعقود من الزمن.