مهمة عسيرة لـ «القاعدة» في السعودية: تجاوز الحصار والانتكاسات
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
البحث عن عناصر أجنبية تساهم في تنشيط التنظيم ...
الدمامـ حسين العوامي
رجحت مصادر أمنية ان تدخل الخلايا المرتبطة بما يطلق عليه "تنظيم القاعدة في جزيرة العرب" في المرحلة المقبلة "مرحلة جمود في محاولة لاعادة تشكيل خلاياها، بعد الضربة التي تعرض لها التنظيم مطلع آذار (مارس) الماضي، بمقتل قائده فهد محمد فراج الجوير الفراج، في مواجهة أمنية، شهدها حي اليرموك في مدينة الرياض جاءت الضربة اثر محاولة فاشلة لاستهداف منشآت نفطية من جانب احدى خلايا التنظيم نهاية الشهر الماضي.
وأيد خبراء مهتمون بتشكيل خلايا التنظيم توقعات المصادر الامنية، مشيرين الى ان "العناصر المحلية من المدرجين في قائمة المطلوبين الـ 36 لم يتبق منها سوى مطلوب واحد"، في اشارة الى المطلوب الرقم "12" وليد مطلق سالم الردادي.
اما الباقون، وعددهم 14 عنصراً، فقتلوا في مواجهات أمنية، بدءاً من قائد المجموعة المغربي يونس محمد ابراهيم الحياري، الذي قُتل في الاسبوع الاول من اعلان القائمة في مواجهة أمنية، شهدها أحد الاحياء الشرقية في مدينة الرياض العام الماضي، وانتهاء بالفراج، الذي قُتل قبل ثلاثة اسابيع شرق الرياض ايضاً، فيما ألقي القبض على بعض عناصر القائمة.
وفي ما يتعلق بالعناصر المدرجة على القائمة الموجودين في الخارج، وهم 15 سعودياً و 6 أجانب (ثلاثة تشاديين ويمني وكويتي وموريتاني)، فإن مصير ثلاثة منهم بات محسوماً، وهم فايز أيوب (سعودي) الذي سلم نفسه فور اعلان القائمة الى السفارة السعودية في بيروت، ونقل لاحقاً الى السعودية، فيما كان المطلوب زيد حسن محمد حميد (يمني) معتقلاً في بلاده قبل اعلان القائمة. وتسلمت الجهات الامنية السعودية المطلوب عدنان عبدالله فارس الشريف من احدى الدول، بعد اعتقاله هناك.
غموض مصير قائمة الخارج
يبقى مصير بقية المدرجين على القائمة، وعددهم 18 مطلوباً، مجهولاً أو شبه مجهول، وإن كان بعض المصادر يرجح وجود غالبيتهم ضمن صفوف مقاتلي "القاعدة" في العراق وافغانستان. وكانت "الحياة" نشرت أخيراً، خبراً عن تلقي عائلة المطلوب الرقم 26 محمد عبدالرحمن الضيط اتصالاً يفيد بمقتله في مدينة بعقوبة العراقية، في مواجهة مع الجيش الاميركي، ما دفعها الى اقامة مجلس عزاء، الا ان مصادر امنية لم تستبعد ان يكون اعلان مقتل الضيط أو غيره من العناصر المطلوبة "مجرد تكتيك تضليلي" يلجأ اليه "تنظيم القاعدة" عادة لوقف متابعة الأجهزة الامنية لمن يُعلن مقتله، فيعود الى ممارسة نشاطه.
يذكر ان معلومات ترددت افادت ان المطلوب الرقم 17 عبدالله صالح الرميان معتقل في العراق، وكان شقيقه رميان نفذ قبل سنة من اعتقال شقيقه عملية انتحارية في هذا البلد الذي وصل اليه مع شقيقه.
ولفت مصدر أمني الى تصريح لوزير الداخلية السعودي الامير نايف بن عبدالعزيز ادلى به أخيراً اذ قال: "قد تكون هناك قيادات لتنظيم القاعدة لا نعرفها، وما زلنا في معركة مع هؤلاء". وتابع المصدر: قبل الاعلان عن قائمة الـ 36 بفترة، توافرت لدى الاجهزة الامنية السعودية معلومات عمن ادرجت اسماؤهم لاحقاً في القائمة، تناولت دور بعضهم ضمن الخلايا العنقودية التي يتشكل منها التنظيم. كما كانت لدى الجهات الامنية معلومات، تحديداً حول الدور القيادي للمطلوبين يونس الحياري (قتل في 3 تموز - يوليو 2005)، وفهد الجوير في تلك الخلايا. الامر الذي مكّن من متابعتهم وتحديد اماكنهم وقتلهم لاحقاً".
"خبرات" أجنبية
ولمح المصدر الى "امكان استعانة التنظيم بعناصر خارجية (غير سعودية)، تساهم في اعادة تشكيل خلايا التنظيم" على غرار الدور الذي أداه كل من الحياري ومواطنيه كريم المجاطي وحسين الحسكي، قبل مقتل الاول في مواجهة الرس الشهيرة عام 2005 واعتقال الثاني في بلجيكا قبل ذلك.
وقال متخصص في شؤون الحركات الاسلامية: "تنظيم القاعدة أممي الانتماء، ويضم عناصر من دول لذلك قد يلجأ الى دفع بعضها الى الانتقال الى السعودية، للمساهمة في اعادة تشكيل الخلايا، كما حدث مع يونس الحياري الذي جاء الى السعودية من البوسنة في موسم الحج عام 1421 هجري ثم بقي في البلاد، وأقام في مدن بينها الرياض (التي قُتل فيها) والخُبر، التي أشرف فيها على تخطيط عملية اقتحام مقار شركات بترولية، ومن ثم احتجاز الرهائن في مجمع "سعد السكني"، قبل ان يعود الى الرياض، بعد اكتشاف المكان الذي كان يسكنه في الخُبر، والذي وفره له أحد عناصر التنظيم والذي اعتقل في حينها".
لم تقتصر قائمة الاجانب على المغاربة. فهناك اليمني خالد حاج الذي كان يحتل موقعاً قيادياً في "التراتبية" التنظيمية للخلايا، قبل مقتله في الرياض في 15 آذار 2004، لتؤول قيادة التنظيم كاملة الى عبدالعزيز المقرن الذي قُتل في مواجهة مع رجال الامن في الرياض في 18 حزيران (يونيو) من العام ذاته.
الفضلي
في هذا السياق، يلفت وجود اسم الكويتي محسن عايد فاضل الفضلي (25 سنة) ضمن قائمة المطلوبين في الخارج، فهو الاسم الابرز بين المدرجة اسماؤهم على القائمة، فسيرته الذاتية في التنظيم تؤهله لمهمة تطمح القاعدة اليها، وهي اعادة بناء خلاياها في السعودية.
خلال سبع سنوات، خاض الفضلي المعروف بـ "ابو حفص" أو "ابو ماجد سامية" حروباً على كل الجبهات التي نشط فيها "تنظيم القاعدة" الدولي، بدءاً من افغانستان، حين كان عمره 17 سنة، وكان آنذاك احد الحراس الشخصيين لزعيم "القاعدة" اسامة بن لادن. وانتقل منها الى الشيشان والعراق واليمن، فضلاً عن مسقط رأسه الكويت، وكان اعتقل سابقاً في السعودية مدة ستة شهور.
صنّفته الولايات المتحدة في 16 شباط (فبراير) 2005 "شخصاً ارهابياً عالمياً"، بحسب مكتب الاعلام الخارجي التابع لوزارة الخارجية الاميركية. وقالت: "إنه شخص داعم للارهاب، لما قام به من نشاطات تتعلق بتنظيم القاعدة وشبكة أبو مصعب الزرقاوي الارهابية الموجودة على الاراضي العراقية".
وجاء في بيان أصدرته وزارة المال الاميركية قبل ذلك بيوم أن "الفضلي شارك في الحروب التي خاضتها القوات التابعة لتنظيم القاعدة في افغانستان والشيشان، كما نظم الدعم المالي لشبكة الزرقاوي في العراق ولعمليات "القاعدة"، بما في ذلك الهجوم الذي شنته على ناقلة النفط الفرنسية في اليمن "ليمبورغ" عام 2002".
وأدرج الفضلي ضمن قائمة الارهابيين (الذين لهم علاقة بـ "القاعدة" وبن لادن وحركة "طالبان") الخاصة بلجنة العقوبات التابعة للامم المتحدة. ويقتضي طلب الامم المتحدة من كل الدول الاعضاء، تجميد أي ارصدة تعود الى الفضلي ومنعه من السفر.
ويُعتقد بأن الفضلي تولى زعامة خلايا "القاعدة" في الخليج. وربما أسندت اليه هذه المهمة بعد مقتل المطلوب اليمني خالد علي حاج في الرياض قبل نحو سنتين.
في معسكرات "القاعدة" في افغانستان، تدرب الفضلي على الاسلحة والمدافع المضادة للطائرات والمواد المتفجرة. كما تعتقد الحكومة الاميركية بأنه "كان على علم بهجمات الحادي عشر من ايلول (سبتمبر) في نيويورك وواشنطن". وتعتقد اجهزة الاستخبارات الاميركية بأنه قدم الدعم لجماعة ابي مصعب الزرقاوي في العراق، وأنه يعتبر الوسيط الرئيس معه، اذ وفر له المال، وتولى ارسال مقاتلين خليجيين الى العراق.
كما جمع في الكويت الاموال التي استخدمت لاحقاً في تمويل الهجوم على السفينة الفرنسية "ليمبورغ" في 6 تشرين الاول (اكتوبر) 2002، في ميناء المكلا، الذي نجم عنه مقتل شخص واحد، وجرح اربعة آخرين. وكان محمد الحمادي "أبو عاصم الاهدل"، وهو أحد عناصر تنظيم القاعدة، اتصل بالفضلي إثر الهجوم على السفينة، وأبلغه ان العملية الاولى على ناقلة النفط الفرنسية أنجزت. كما ارتبط اسمه بعملية تفجير المدمرة الاميركية "كول" في ميناء عدن، اذ يعتقد ان الفضلي موّل العمليتين من خلال توفير 127 ألف دولار اميركي.
ويشتبه في أن يكون الفضلي متورطاً في الهجوم الذي شُن ضد جنود مشاة البحرية الاميركية الموجودين في جزيرة فيلكا الكويتية في 8 تشرين الاول (اكتوبر) 2002. وقتل خلاله أحد الجنود.
وكانـــت محكمـــة كويتية دانت اربعـــة متشبه فيهم في شباط (فبراير) 2003، بمن فيهم الفضلي، بتهمة توفير التمويل للانشطة الارهابية، وتلقي تدريبات عسكرية في افغانستان لأغراض ارهابية. وحكمت عليهم بالسجن لمدة خمس سنوات، بيد ان محكمة الاستئناف برأته وثلاثة من رفاقه من التهمة، وأفرج عنه.
وفي أحداث العنف الاخيرة التي شهدتها الكويت في اوائل كانون الثاني (يناير) 2005، عاد اسم الفضلي الى الظهور من جديد، حين ساعد المطلوبين في هذه القضايا (عامر وناصر العنزي، وفواز العتيبي، وظايف مجروز) في الهرب، بعد محاصرتهم من قبل رجال الامن الكويتيين في منزل في منطقة "ام الهيمان".
عودة المقاتلين من العراق
ويرجح ان يسعى التنظيم الى اعادة تشكيل خلاياه خلال الفترة المقبلة، مستفيداً من الخبرة التنظيمية الاجنبية، واحتمال تمكن مقاتلين سعوديين من العودة من العراق، بعدما بات عمل "القاعدة" في بلاد الرافدين صعباً، بعد النجاح النسبي في العملية السياسية من جانب، والتضييق الامني الذي يواجهه التنظيم هناك من جانب آخر، وبخاصة مع انطلاق عملية "الدفق" في سامراء، المخصصة لاستهداف عناصر التنظيم.
العودة لن تكون سهلة، فهناك رقابــــة صارمــة تفرضها الاجهزة الامنية السعودية في هذا الجانـــب. امــــا عن الخلايا النائمة التي يمكن تنشيطها، فقد أشار وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز في تصريحه الاخير الى انه "قد تكون هناك قيادات لا نعرفها"، فضلاً عن عناصر جديدة يمكن استقطابها وتجنيدها في صفوف التنظيم، خصوصاً بين صغار السن، فنحو 20 من عناصر قائمة الـ 36 الاخيرة تتراوح اعمارهم بين 21 و 24سنة.
وليد الردادي المطلوب الوحيد المتبقي من قائمة الـ 36 ... مشاجرات وبطالة... فـ "تدريبات" على الأسلحة
تستبعد مصادر أمنية أن يتولى وليد الردادي قيادة خلايا تنظيم "القاعدة"، أو يسعى الى لم شتاته، "لافتقاده مقومات القيادة". فالردادي لم يتجاوز عامه الـ 22، ومقر اقامته السابق، كما ورد في بيان وزارة الداخلية، "في المدينة المنورة (وتحديداً في حي "المستراح")، وشوهد آخر مرة في محافظة الخرج".
وليد وهو ثامن أشقائه وشقيقاته، عاش يتيماً، بعد أن توفي والده قبل 11 سنة، وبدأ حياته "شاباً عادياً غير مُلتزم"، كما تؤكد أسرته. بيد أنه شهد تحولاً في مسار حياته، جعله يتحول الى الالتزام والتشدد بعد خروجه من "دار الأحداث" في المدينة المنورة، التي بقي فيها شهرين، إثر مشاجرة بينه وبين أحد أصدقائه.
خرج الردادي من الدار ليدعو الناس الى الالتزام. وتشير أسرته الى أن "تصرفاته أصبحت أكثر تشدداً، اذ انقطع عن الدراسة، التي كان بدأها في ثانوية الملك عبدالعزيز في المدينة المنورة، وبقي فترة عاطلاً عن العمل، قبل أن يعمل في فترة موسم الزيارة في مبسط عند المسجد النبوي الشريف، وأماكن زيارة قبور شهداء معركة أحد، وما لبث ان اختفى عن الأنظار تماماً بعد عيد الأضحى قبل ثلاثة أعوام، حيث كان آخر لقاء له بأسرته في تلك المناسبة، وترددت أنباء عن أنه غادر الى العراق.
بيد أن مصادر متابعة كشفت ان وليد كان مُرتبطاً بخلية صالح محمد عوض الله العلوي العوفي، أحد قادة التنظيم، الذي قُتل مع ستة من رفاقه في التنظيم في مواجهة أمنية شهدها حي "البحر" في المدينة المنورة في 18 آب (أغسطس) 2005.
وتشكلت الخلية التي كان ينتمي اليها الردادي من مطلوبين آخرين في قائمة الـ 36، هم كل من: ماجد حامد الحاسري، ومحمد سعيد آل صيام العمري، وسلطان صالح الحاسري، والتشادي نور محمد موسى، الذين كانوا يرتبطون في ما بينهم بعلاقة قديمة، اذ كان الردادي والحاسري والعمري يدرسون في ثانوية الملك عبدالعزيز. وفي حين تخرج فيها الثاني والثالث، انسحب منها الردادي في السنة الأولى. غير أن الأصدقاء عادوا ليجتمعوا لاحقاً من خلال خلايا تنظيم "القاعدة".
كما كان لافتاً ان الثلاثة عملوا في بيع الخضروات في بسطات البيع القريبة من ساحات المسجد النبوي، حيث كانوا منخرطين في الاعتراض على المعتمرين الايرانيين أثناء زيارتهم المدينة المنورة فألقي القبض على بعضهم حينها، وأطلق سراحهم لاحقاً، قبل أن يختفوا تماماً عن الأنظار في أوقات متقاربة. وأبلغ ذووهم الجهات الأمنية عن ذلك، بعد شكوك راودتهم تتعلق بإمكان انتمائهم الى خلايا "القاعدة"، خصوصاً بعد ظهور علامات تحولاتهم الفكرية.
واذا كان آل صيام عُرف بإلمامه في الحاسب الآلي، فإن الردادي أجاد استخدام الأسلحة، التي تدرب عليها في أماكن غير مأهولة في المدينة المنورة، وتوجه الحاسري نحو "الدعوة" وحاول التعاون مع هيئة "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، كما كان متعاوناً مع لجنة "مكافحة التدخين" في المدينة المنورة.