ملامح سياسة خارجية رفسنجانية على خلاف سياسة أحمدي نجاد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
المشروع الأميركي طوي والمسألة الفلسطينية في مرحلة جديدة والعراق أزمة إقليمية دولية ...
ملامح سياسة خارجية رفسنجانية على خلاف سياسة أحمدي نجاد
وضاح شرارة
في ثنايا ما يشبه سياحة "دينية" في سورية، تنزل منها زيارة المراقد والضرائح والمقامات بين دمشق واللاذقية والقرداحة والرقة مكانة عالية، يلتقي هاشمي رفسنجاني قادة المنظمات الفلسطينية والإسلامية "المسلحة" بدمشق، وقائد "حزب الله"، الى ساسة سورية نفسها. وتلي زيارة المرشح الخاسر الى رئاسة الجمهورية الإيرانية، زيارة سابقة قام بها الى دمشق المرشح الفائز والرئيس الحالي، محمود أحمدي نجاد في كانون الثاني (يناير) من العام الجاري. وكأن الرئيسين الإيرانيين، الحالي والأسبق، على موعد مع سياسة خارجية، عربية مشرقية، لبلدهما يتقاسمان التخطيط لها، وتوجيهها، ويتنازعان عليها.
وإخراج هذه السياسة، وهي سياسات، وجه بارز وراجح منها، ومن دلالاتها وغاياتها. فبدا كل ما في زيارة أحمدي نجاد السابقة الى العاصمة السورية، ظاهراً ومعلناً: من دعوة المنظمات الفلسطينية الإسلامية والمقاتلة الى المقاومة ووعدها بالمساندة والدعم الماديين والمعنويين، الى إحاطة الرئيس السوري المضطرب بالمنظمتين الشيعيتين اللبنانيتين والحليفتين. وعلى خلاف أحمدي نجاد، حرص رفسنجاني، منذ الأربعاء في 12 نيسان (ابريل) الجاري، على لقاء من رغب في لقائهم في السفارة الإيرانية بدمشق، "منفرداً"، على قول الوكالات. والفرق بين نبرتي الرجلين واضح وجلي. فرفسنجاني لا يتستر على أن "المقاومة الفلسطينية تمر بمرحلة جديدة تستدعي دعم الدول الإسلامية كلها".
وهذا بعيد من بيان انتصار. وهو أقرب الى تشخيص أزمة. وكانت طهران الرسمية زعمت، حين زيارة وفد "حماس"، انها تتولى وحدها تعويض حكومة الحركة الإسلامية الفلسطينية المنتصرة في الانتخابات النيابية العامة الخسائر الناجمة عن قطع المساعدات الأجنبية، أي الأوروبية والأميركية، عن "الدولة" الحماسية. واليوم، يرضخ رفسنجاني للإقرار بـ "مرحلة جديدة". ويوضح حسن نصرالله، بعد لقائه رئيس مجلس التشخيص الحذر والمتكتم، أن هذه المرحلة، مرحلة "قطع المساعدات المالية عن الشعب الفلسطيني"، لا تترك مسألة "(استمرار) المقاومة في فلسطين" بمنأى منها، بل هي تتناولها من قريب. وتأكيد أمين عام "حزب الله" في لبنان أن "المقاومة ستستمر"، وهذا أقل ما يتوقع من الرجل والدور إعلانه في هذا المقام، لا يطعن في الاستدلال ان قادة المنظمات الإسلامية المسلحة، والوثيقة "العلاقة" بطهران ودمشق، والمتخللة الدولة العبرية، تناولوا المسألة وناقشوها وأقروا بإلحاحها.
والكلام الصادر عن رفسنجاني، وسط عبارات الابتهاج بـ "الانجاز" النووي الإيراني (والانجاز يدرجها الدولة النووية الثامنة، بعد باكستان وكوريا الشمالية، وهما دولتان بلغتا "قمم العلم والتكنولوجيا" وسبقت إليها "الشعب الإيراني العظيم"، على قول أحمدي نجاد في سياسته، يختلف عن أقوال مضيفيه، محمد ناجي العطري ووليد المعلم وفاروق الشرع وبشار الأسد. فهو يقلل من شأن مداهمة "المشروع الأميركي" ووطأته على الشرق الأوسط، وإيران فيه. ويدعو الى تناول الأمور في ضوء "فشل المشروع"، على قوله، وطي صفحته. وذلك على خلاف بقاء العطري، رئيس الوزراء السوري، في "مواجهة التحديات المشتركة"، واستنتاج وزير خارجيته "أن ما يجري من تطورات على الساحتين الاقليمية والدولية يؤكد صحة النهج والموقف السوري" (وحده، وفي دوامة مشكلاته).
والى المرحلة الفلسطينية الجديدة، تناول رفسنجاني ما لعله بيت القصيد في زيارته وسياحته، وفي دوره هو المحتمل في السياسة الإيرانية بالعراق، وهو "الأزمة العراقية" (والعبارة أو الاسم منه هو). فهو حض على "تعاون ثلاثي بين سورية وإيران والعراق لوضع حد للأزمة العراقية". وهذا ما لم يتطرق اليه مضيفوه السوريون، المدعوون الى تأدية دور أو وظيفة في إنهاء "الأزمة" في إطار توجه إيراني لا يزال رسمه متردداً ومضطرباً، ولا تطرق اليه زعماء المنظمات المسلحة الإسلامية، وبعضهم يأتمر بأمر طهران (وليس رفسنجاني نفسه في عداد أولياء الأمر)، ويصدر عنها. وانفراد الرئيس الإيراني الأسبق في التطرق الى المسألة قرينة ربما على موضوع "مهمته" في دمشق، ولقائه "أوراق" إيران فيها.
وقرينة أخرى هي ما سبق الزيارة في المعرض أو السياق العراقي نفسه. فهو كرر، يوم وصوله دمشق، في تصريح الى "الحرة"، الفضائية الأميركية، ما قاله القائم بالأعمال الإيراني ببغداد غداة الإعلان عن وشك المحادثات الإيرانية - الأميركية في العراق، من أن الأمن في بلاد الرافدين، وبلاد الجوار، مصلحة مشتركة لإيران والولايات المتحدة معاً. وهذه "لغة" تخالف "لغة" النظام وطاقمه النجادي والحرسي (من أمثال مصطفى محمد نجار، وزير دفاع الرئيس الجديد، ورحيم صفوي، قائد الحرس، وحسن فيروز أبادي، رئيس هيئة أركان القوات المسلحة، ومحمد ابراهيم دهقاني، الأميرال البحري). فصفوي يقول: "اننا نعتبر وجود أميركا في العراق وأفغانستان والخليج الفارسي تهديداً، ونوصي بألا يتحركوا لتهديد إيران(...) وعلى الولايات المتحدة ان تعوض أخطاءها في العراق بالخروج منه، وتسليم مصير الشعب العراقي الى الحكومة المنتخبة" (في 6 نيسان).
ولم يكد يُعلن عن رئاسة علي حسيني تاش، عضو المجلس الأعلى للأمن القومي، وفد إيران الى المحادثات الإيرانية - الأميركية المزمعة (في ختام الأسبوع الأول من الشهر الجاري)، وشاع تكهن بأن اختيار تاش - وهو رئس في شباط (فبراير) المفاوضات مع موسكو على المقترح الروسي القاضي بنقل مصنع التخصيب الأولي الى الأراضي الروسية وإشراف سلطاتها التقنية والسياسية - علامة على اضطلاع رفسنجاني، وتاش من أنصاره و"مهندسيه"، بدور راجح في المفاوضة الآتية، لم يكد يعلن ذلك حتى تصدى محسن رضائي، قائد الحرس الثوري السابق ونائب رفسنجاني في رئاسة مجلس تشخيص مصلحة النظام (والرقيب عليه)، للتكهن والتخمين، والرد عليهما. فقال، في اليوم التالي وبعد اجتماع المجلس ومناقشته المسألة، ان المفاوضات المقترحة ينبغي أن تحصل "في إشراف أحمدي نجاد، وفي إطار السياسات العامة للدولة".
و"التوضيح"، مهما قلص المراقب من "علم" الاستدلال على البواطن والخوافي القيادية الإيرانية (على مثال "الكرملينولوجيا"، أو علم الكرملين، مقر القيادة الشيوعية الباطنية في زمن سطوتها وبداية انحلالها)، يبدو نافلاً. فلماذا ليس من بدائه الأمور المعروفة والمعلومة أن يتولى رئيس الدولة الإيرانية وإداراتها، والديبلوماسية دائرة من دوائر الإدارة، توجيه عمل ديبلوماسي يتصل بالأمن القومي اتصالاً وثيقاً على نحو اتصال "الأزمة" العراقية بالأمن الإيراني؟ والحق أن هذا ليس من بدائه الأمور لأن المفاوضة المتوقعة موضوع خلاف، قد يكون حاداً، بين أجنحة الطاقم الإيراني الحاكم وتياراته. فجناح "الثورة الإسلامية الثانية"، على ما يسمي أحمدي نجاد فوزه بالرئاسة (بنصف عدد الأصوات الذي فاز به خاتمي في ولايتيه)، لا يرى أن العلاقات بالولايات المتحدة في العراق ينبغي أن تعالج "أزمة" مشتركة، نواتها عراقية من غير شك ولكنها تطاول سورية وإيران والعراق جميعاً، الى الولايات المتحدة نفسه.
وعلى خلاف الجناح الحرسي، يرى رفسنجاني أن سورية ليست بعيدة من "الأزمة" العراقية وينبغي، تالياً، توريطها في "الحل"، أو في "وضع الحد"، على رغم ضعف دورها وسعي السياسة الأميركية في إضعافه. والإشراك في الحل، على أي قدر أو مرتبة، قد يكون باباً على بعث بعض الحياة في علاقة واشنطن بدمشق. وليست حاجة طهران، بحسب رفسنجاني، الى هذه العلاقة أقل من حاجة دمشق إليها. ولا يخلو الأمر من بعض الغرابة، وربما السخرية.
فإذا جمعت وجوه تناول هذه المسائل بعضها الى بعض، من "المرحلة الجديدة" الفلسطينية الى معالجة "الأزمة العراقية" معالجة إقليمية ودولية مشتركة (على قول إبراهيم الجعفري الذي يضم "دول العالم الكبرى" الى "دول الجوار الجغرافية" كلها، كتلة واحدة يدعوها الى التعاون، من غير إغفال اعتدال الكلام على لبنان واللبنانيين، ارتسمت وجهة سياسية إيرانية أقل انتشاء من الغلو الحرسي. وتحاول هذه السياسة كبح الجماح الحرسي. فالجماح هذا ينزل المسائل كلها منزلة واحدة و "نووية"، إذا جازت العبارة. ويحسب ان حماية "دخول النادي النووي" المفترض تضطلع بها الجبهات الاقليمية، الفلسطينية واللبنانية والعراقية والأفغانية، على تباينها، فيما هذه الجبهات، وهي "أزمات"، تحتاج الى حماية. وفيما "دخول النادي النووي" تتغذى مخاطره وتبعاته الداهمة من وصله بالجبهات الإقليمية، ودمجه فيها، على قدر ما تتغذى منه هو، ومن مزاعمه، وتلقائه.
كاتب لبناني