جريدة الجرائد

إيرلندا الشمالية... وخطر عودة الصراع الطائفي

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الإثنين: 2006.04.17

جون إيس. بورنيت ـ نيويورك تايمز
مؤلف كتاب "المياه الخطرة: القرصنة والإرهاب المعاصران في أعالي البحار"


المعنويات مرتفعة في "غروسماغلين"، تلك المدينة الحدودية حيث شرع الجيش البريطاني هذا الأسبوع في تفكيك أبراج المراقبة الممقوتة من قبل السكان والتي تشرف على الأراضي الزراعية والسكان والتجارة الحدودية مع إيرلندا. وتعد هذه الخطوة المرحلة الأخيرة من برنامج نزع التسلح الذي دشنته الحكومة البريطانية الصيف الماضي بعد أن أعلن "الجيش الجمهوري الإيرلندي" تخليه عن الكفاح المسلح الذي دام نحو ثلاثين سنة.

والمشهد إيجابي إلى الجنوب من الحدود أيضاً، إذ يخلد الإيرلنديون الشماليون اليوم الاثنين الذكرى التسعين لـ"انتفاضة الفصح" التي أفضت إلى تأسيس الجمهورية الإيرلندية. وبهذه المناسبة، قال وزير الدفاع الإيرلندي "ويلي أودي" في حوار له مع صحيفة "الغارديان"، إن الاحتفالات المقامة في دبلن ستؤشر إلى إعلان انتهاء التناحر الطائفي في إيرلندا الشمالية.

والحال أنه من غير المعلوم في بقية أرجاء بريطانيا وفي أوساط الأميركيين الإيرلنديين أن فترة الصراع الطائفي في إيرلندا الشمالية، ما تزال متواصلة اليوم، أما بالنسبة لسكان "غروسماغلين" وأماكن أخرى في الإقليم فإن المشاكل لم تنتهِ بعد والعنف يهدد بالعودة من جديد في أقرب مناسبة.

في إحدى أمسيات الأسبوع الماضي، كنت رفقة "مايكل دوهورتي"، المكلف بالتوسط في الصراع بين الطائفتين البروتستانتية والكاثوليكية، حين تلقى مكالمة هاتفية من مقر الشرطة في "لندنديري" تطلب منه التوجه إلى "مواجهةٍ بين الطائفتين"، وذلك في منطقة سكنية يعيش فيها الكاثوليك على أحد جانبي الشارع، والبروتستانت على الجانب الآخر. ونحن في طريقنا إلى حي "وُتارسايد" حيث يتراشق الشبان البروتستانت والكاثوليك بالحجارة، قال لي "دوهورتي": "إننا نسميها أعمال الشغب المسلية. لكن الأمر آخذ في التدهور فقد أضحى يومياً، وهو ما يبعث على القلق".

والحقيقة أن الأمر لم يكن مجرد تراشق بالحجارة بين مراهقين من الطائفتين، بل تدريب يمهد لعنف طائفي أعظم وأشد. وقال دوهورتي: "الليلة يتراشقون بالحجارة، وأحيانا بالزجاجات الحارقة". ولكن بمساعدة من الشرطة، نجح "دهورتي" في تهدئة الأوضاع.

غير أن الحرب لا تقتصر على صغار السن فحسب، ففي شهر يناير مثلاً أبطل الجنود البريطانيون مفعول قنبلة وُضعت في سيارة بالقرب من فندق "آرماج سيتي هوتيل" وأحد مراكز المؤتمرات، وهو مركب ضخم يطل على الكاتدرائيتين الكاثوليكية والبروتستانتية. ومما يثير الاستغراب أن الأمر لم يستحق أكثر من مقال صغير بجريدة محلية. وقد أعلن المنشقون أنهم وضعوا القنبلة بالقرب من المركب المذكور لأنه الموقع الذي عقدت فيه الشرطة غير الكاثوليكية مؤتمرها. والواقع أنه في حال انفجرت القنبلة -وهي عبارة عن أسطوانتين كبيرتين للغاز تم فتحهما بحيث تتحول السيارة التي كانت نوافذها مغلقة إلى قنبلة هي الأخرى- لكانت أزهقت مما دون شك أرواحاً ودمرت ممتلكات. والأخطر من ذلك أنها كنت ستلحق ضربة قوية بعملية السلام في الإقليم.

وحسب الضابط "جينو هاريس"، قائد إحدى وحدات الشرطة المكلفة بتفكيك القنابل، فقد تلقت وحدات تفكيك القنابل التابعة للجيش البريطاني 495 مكالمة هاتفية العام الماضي في شمال إيرلندا. وفي حين كانت جل المكالمات كاذبة وترمي إلى إبراز أن الصراع ما زال قائماً، كانت 51 منها تحذر من قنابل حقيقية.

ومما لاشك فيه أن ثمة طرقاً أخرى للإخلال بالسلام الهش، ففصل الصيف يعني ذروة موسم "المسيرة"، فهي الفترة التي يقوم خلالها "النظام البرتقالي"، وهي إحدى منظمات البروتستانت "الوحدويين"، بتنظيم مسيرة عبر أحياء الطائفة الكاثوليكية في إيرلندا الشمالية. وإذا كانت هذه الاستعراضات الاستفزازية تنظم سنوياً منذ 1795، فإن الكلام المتداول في الأوساط الشعبية هو أنه لا ينبغي أن يفاجَأ أحد في حال تعرضت هذه الاستعراضات لاضطرابات أكثر وأعنف مما كان عليه الحال في السابق. والحقيقة أنه في حال وقوع ذلك، يمكننا أن نتوقع ساعتها عودة العنف. والمنشقون "الجمهوريون" نسبة إلى "الجيش الجمهوري الإيرلندي"، ليسوا وحدهم مبعث القلق، فـ"الوحدويون"، بتنظيماتهم شبه العسكرية وتاريخهم الحافل بالعنف ضد الكاثوليك، يرفضون حتى الآن وضع السلاح. ولا يخفى على أحد أن التنظيمات "الوحدوية" شبه العسكرية تتوق إلى رؤية عملية السلام تتهاوى، وبالتالي إرغام البريطانيين على الاحتفاظ بحضور عسكري قوي بالإقليم.

هذا وقد تعرضت الجهود الرامية إلى التوصل إلى اتفاق سياسي بين "الوحدويين" وحزب "الشين فين"، وهو الحزب السياسي التابع لـ"الجيش الجمهوري الإيرلندي"، لضربة موجعة في ضوء الاغتيال المحير لـ"دونيس دونالدسون"، العضو القيادي السابق في "الجيش الجمهوري"، في الرابع من أبريل الجاري، والذي اعترف العام الماضي بأنه عمل جاسوساً لصالح بريطانيا. ومن غير المعروف حتى الآن ما إن كان "دونالدسون" قد قُتل على يد منشقين، أم عملاء بريطانيين أم غيرهم. ولكن مما لاشك فيه أن توقيت الاغتيال اختير بعناية بحيث تزامن مع اجتماع رئيس وزراء بريطانيا توني بلير ورئيس وزراء إيرلندا بيرتي آهرن (وذلك في فندق "آرماج سيتي هوتل" المذكور)، واللذين أعلنا عن مخطط لاقتسام السلطة بالإقليم غير قابل للتعديل.

الأكيد أن إيرلندا الشمالية تتمتع اليوم بسلام أكثر مقارنة مع الوضع قبل عشر سنوات خلت، حيث ارتفعت الاستثمارات وبُنيت مراكز التسوق وتطورت السياحة. والحال أن الكاثوليك ما زالوا يعلقون الأعلام الإيرلندية ويصبغون أرصفة أزقتهم بالبرتقالي والأخضر والأبيض، في حين ما يزال البروتستانت يعلقون العلم البريطاني، ويصبغون أرصفة شوارعهم بالأحمر والأبيض والأزرق -إلا أن الأعلام والأصباغ في العديد من الأحياء بدأت تبهت.

وإذا كانت هذه الأمور تؤشر إلى أن الناس هنا لم يعودوا في حرب، فإن ذلك لا يعني أن السلام قد حلَّ واستتب إلى الدرجة التي تتخيلها بقية العالم. وفي هذا السياق، يقول الضابط "كولين ويتوورث"، المتخصص في إبطال مفعول القنابل والذي فقد يده اليسرى خلال محاولة تفكيك قنبلة وضعها "الوحدويون"، إن "التهديد لم يذهب بعد، والناس ضاقوا ذرعاً بالعنف".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف