جريدة الجرائد

عرب للبيع

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

علي بن طلال الجهني

يذكر من ذهبوا إلى الولايات المتحدة للدراسة في اوائل الستينات من القرن الماضي، وعاشوا في مدن جامعية صغيرة، في وسط أميركا أو في غرب الوسط أو في الجنوب، لافتات اعلانية، عادة في الطرق الريفية، عن وجود "عرب للبيع". وبعد فترة وجيزة، عرف الطلاب العرب أن المقصود "خيول" عربية للبيع وليس أفراداً من الجنسيات العربية. بل إن كثيراً من سكان الريف الأميركي، في ذلك الوقت، وفي تلك المناطق، ما كانوا على علم بأنه يوجد شيء اسمه "عرب" أو "عربي" غير الخيل.

أما في وقتنا الحاضر، فإنه توجد سوق نشطة في الشقيق المبتلى، العراق، لبيع العرب، من غير العرب العراقيين، في غالب الأحوال.

وفي الأسبوع الماضي، حدثنا في مجلس يضم آخرين، رجل ينتمي إلى أسرة معروفة، في الأصل من بلدة في شمال غرب مدينة الرياض، ويعيش ويعمل منذ عقود في مدينة "حفر الباطن" في شمال شرقي السعودية، عن بيع البشر في العراق.

يقول هذا الرجل إن احد أبنائه كان يتابع أشرطة عدد من "الدعاة"، أثبتت الأحداث في ما بعد، أنهم كانوا ممن يصدرون الفتوى من وعاظ الفئة الضالة، التي روعت الآمنين، وقتلت النساء والأطفال، في المملكة العربية السعودية وفي غيرها.

يقول هذا الرجل المكلوم، انه في يوم جمعة قبل سنتين، استأذنه احد أبنائه الذي بلغ تواً العشرين، للصلاة في مسجد آخر، غير المسجد الجامع المجاور، الذي كان والده وبقية إخوته ذاهبين للصلاة فيه، لأن هذا الشاب المغرر به، يريد الصلاة في مسجد آخر مع أصدقاء له. فأذن له والده بكل حسن نية، من دون أن يخطر بباله ما يدعو للقلق. غير أن ابنه لم يعد إلى منزل أهله لا مساء الجمعة ولا يوم السبت ولا الأحد. وفي مساء يوم الاثنين تحدث إليه هاتفياً رجل لم يعلن لا عن اسمه، ولا عن رقم هاتفه، "يبشره"، بأن فلذة كبده، ابنه الذي لم يتجاوز العشرين من عمره، وصل إلى العراق وانضم إلى المجاهدين!

وموضوعنا ليس وصف هذه المأساة التي حلت بهذه الأسرة المسلمة المؤمنة، إذ إن ما نُكبت به، نُكبت به أُسر عربية أخرى كثيرة، وإنما هو"بيع العرب" الذين سحرتهم خزعبلات "الدعاة" الضالين.

يقول رب هذه الأسرة المنكوبة: "بلغنا السلطات الأمنية السعودية، ومرت الأيام ثم الأسابيع ثم الشهور وأسرتنا معلقة بين الأمل واليأس".

وبعد بضعة عشر شهراً اتصل "الابن" بوالده واعتذر له وطلب "العفو" عما سببه لوالديه وإخوته وبقية أفراد أسرته من آلام وأحزان، وقال لوالده انه وجد "الواقع" في العراق يخالف جملة وتفصيلاً ما وعده به "دعاة" الضلال، وقال لوالده انه لا يبعد عن الحدود السعودية أكثر من بضعة عشر ميلاً في تقديره، وسيعود قريباً إلى أسرته. فأوصاه والده بالبحث عن أي "دورية" سعودية أو مركز حدودي، وطلب النجدة من المصيبة التي وقع فيها.

واتصل الوالد بالجهات الأمنية واخبرهم بما ذكره ابنه لترقب وصوله في أي وقت. وفي اليوم الثاني، اتصل الوالد برقم الهاتف الدولي المنقول الذي تحدث من خلاله ابنه قبل بضع ساعات. وكرر الاتصال ولم يجب أحد. وبعد أسابيع أبلغت السلطات الأمنية السعودية هذا الأب الحزين، بأن ابنه موجود في سجن "أبي غريب".

وبعد أيام اتصل بالأسرة شخص وتحدث إليهم بلهجة غير سعودية، ووعدهم بأنه سيعيد إليهم ابنهم خلال أسبوع، إذا بعثوا له بالطريقة التي وصفها، ستة آلاف دولار، فأوصلوا إليه الستة آلاف دولار أميركي واتصلوا به للتأكد من استلامه المبلغ، فاتصل بهم من رقم آخر، وقال لهم إن المبلغ وصل لكنه لا يكفي، ويحتاج إلى عشرة آلاف دولار إضافية، لأنه تكبد "بعض المصاريف"!

وفي اليوم التالي، وبينما كانت الأسرة الحزينة تتدبر أمرها، وصل إليهم خطاب طويل من ابنهم عن طريق الصليب الأحمر، شارحاً لهم انه حين كاد يعبر الحدود، فاجأه مسلحان كانا يختفيان في كمين، وتم "بيعه" لأقرب "دورية" مما يسمى بـ "قوات الائتلاف"، بمبلغ مئتين وخمسين دولاراً! وهو يكتب لهم من "سجن أبي غريب"، آملاً بعد انتهاء التحقيق، أن يسلمه الصليب الأحمر لقوات الأمن السعودية، فيعود إلى وطنه وأهله سالماً، ان شاء الله.

ويؤكد والد هذا الشاب الذي بلغ الثانية والعشرين، في هذا الوقت، أن ابنه قال في خطابه، إن ما مر عليه مر على مئات الأشخاص من أقطار عربية اخرى، وجدهم في "سجن أبي غريب" أو دخلوه بعده، وأنهم ذكروا له انه تم بيعهم بأسعار مختلفة، تحددها قدرة البائع التفاوضية وتجربته في اقتناص "صيده"، وحرص، أو عزوف، "الدورية" على شراء الشباب العرب. غير أن تزايد المعروض أدى، كما هو متوقع في بقية الأسواق، الى انخفاض الأسعار في الفترة الأخيرة.


أكاديمي سعودي.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف